اقتصاد الملاجئ الحصينة في إسرائيل
Arab
6 days ago
share

بعد هجوم إسرائيل على إيران يوم الجمعة 13 يونيو/حزيران الماضي، خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في كلمة مسجلة يحذر المواطنين والمستوطنين الإسرائيليين من أنهم قد يضطرون إلى قضاء فترات طويلة في الملاجئ تحسباً للضربة الانتقامية المتوقعة من إيران. وبعد ساعات معدودة، انطلقت موجة من الصواريخ الإيرانية صوب إسرائيل، فدوّت صفارات الإنذار في تل أبيب الكبرى، على مساحة 1600 كيلو متر مربع ويعيش فيها نصف سكان إسرائيل، وجميع المدن الإسرائيلية والبلدات والمستوطنات في الضفة الغربية وعموم إسرائيل، ليهرع السكان إلى الملاجئ والغرف الحصينة والأماكن الآمنة للاحتماء بها من صواريخ إيران.

وتحظى الغرف المحصنة أو الآمنة، أو ماماد بالعبرية وهي الغرفة الموجودة داخل الشقة، والمماك وهي المساحة المشتركة المحصنة ضد القنابل داخل كل طابق في العمارة الواحدة، والملاجئ في الشوارع وتحت المؤسسات العامة باهتمام كبير من الإسرائيليين، وهي أهم من السلاح الشخصي في المنزل، فهي مصممة لحماية أفراد الأسرة من الاقتحامات البشرية والهجمات الصاروخية وانهيارات العمارات والقصف المباشر. كما أنها غرفة مصفحة بالصلب والخرسانة المصبوبة كتلة واحدة من دون فواصل، والأبواب فولاذية، والنوافذ إما غائبة وإما مزودة بزجاج مزدوج ومقاوم للكسر لتحمل الانفجارات.

وهي حصينة لدرجة تكفي لحماية من بداخلها من الموت إذا سقط المبنى بالكامل على الأرض من دون أن تنهار على من فيها، وبغض النظر عن ارتفاع الدور الموجود فيه الشقة التي توجد فيها الغرفة الحصينة داخل العقار. في بات يام، ذكرت شرطة الطوارئ أن صاروخاً دمر مبنى سكنياً وقتل ستة أشخاص على الفور لأنهم لم يصلوا إلى ملجأ في الوقت المناسب، وخرج سكان الشقق المجاورة الذين احتموا في غرفهم الآمنة سالمين، وفي المباني المنهارة، فإن غرفة المماد هي الغرفة الوحيدة التي بقيت سليمة هيكلياً. وزار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المدينة وتفاخر بالغرف المحصّنة، ودعا المستوطنين إلى الاحتماء بها من الصواريخ الإيرانية لأنها الأكثر أماناً.

وظهرت أهمية الملاجئ في إسرائيل بقوة بعد حرب الخليج الأولى، عندما هاجم الرئيس العراقي صدام حسين مدن تل أبيب وحيفا وديمونة بصواريخ سكود، فقتلت 14 إسرائيلياً ودمرت عشرات المباني ونشرت الرعب بين السكان، فأصدرت قيادة الجبهة الداخلية التابعة للجيش الإسرائيلي قانوناً في سنة 1992 يفعّل مرة أخرى قانون الملاجئ الذي صدر سنة 1948 وينص على حتمية بناء غرفة حصينة في كل بيت جديد أو مساحة مشتركة محمية في كل دور من العمارات السكنية أو ملجأ عام حصين في كل منطقة.

الاستثمار في الخوف

قامت شركات مقاولات عقارية بالتخصص في إنشاء الملاجئ فقط، لتتاجر في خوف الإسرائيليين على حياتهم وتستثمر في رعبهم من صواريخ المقاومة. وتقوم هذه الشركات بحملات إعلان ودعاية عن توفير تصميمات داخلية للملاجئ لتصبح متعددة الاستخدامات، لا توفر حمايةً منقذةً للحياة فحسب، بل يُمكن استخدامها في أغراض أخرى. فتقوم بتحويل المساحات الداخلية للملاجئ إلى غرف يوغا للاستخدام العام، وغرف ألعاب، ومراكز رياضية صغيرة، فتحولها إلى أماكن جذابة تستخدم يومياً لحماية الحياة في أوقات الخطر وتحسن من جودة حياة المجتمع في أوقات الهدوء، التي تصفه بأنه نسبي وليس دائماً في إسرائيل.

وبعد حرب 2021 وسقوط 1500 صاروخ للمقاومة على إسرائيل، قامت مؤسسات محلية ودولية لجمع تبرعات لبناء الملاجئ الحصينة في إسرائيل. وتبنت السفارة المسيحية الدولية في القدس المحتلة حملة بقيادة مديرها يورغن بوهلر الألماني الأصل لجمع تبرعات من أوروبا وأستراليا والولايات المتحدة لبناء ملاجئ ثابتة ومتنقلة في وسط التجمعات الإسرائيلية المقامة في محيط غلاف غزة، من كرم أبو سالم جنوباً، مروراً بسديروت وعسقلان. وفي حرب السابع من أكتوبر (تشرين الأول 2023)، فوجئ الإسرائيليون أن أكثر من 50% من الوحدات السكنية في إسرائيل، حوالي 1.67 مليون من أصل ما يقرب من 3 ملايين منزل، لا تزال تفتقر إلى أي نوع من أنواع المأوى الحصين، وفقاً لتقديرات جمعية بناة إسرائيل.

هذا النقص حاد بشكل خاص في المباني القديمة في مدن مثل تل أبيب وبات يام وريشون لتسيون، حيث لا يوجد لدى العديد من الإسرائيليين غرف آمنة يلجؤون إليها بسرعة عندما تنطلق صفارات الإنذار. ويروج بوهلر، كما يكتب على موقع السفارة، الحاجةَ الماسةَ إلى الملاجئ لحماية حياة المدنيين الإسرائيليين الأبرياء الذين تستهدفهم مليشيات الإرهاب الفلسطينية عمدًا في غزة، حيث يُجبر مئات الآلاف من الإسرائيليين على البحث عن ملاجئ، والعديد من المنازل والمباني السكنية والمدارس والجامعات والأماكن العامة تفتقر إلى ملاجئ قريبة، ويطلب المساعدة في توفير الملاجئ للمدن والقرى الإسرائيلية المُعرّضة لخطر الصواريخ وقذائف الهاون المُستمر من غزة، ويراوح سعر الملجأ الواحد بين 5 آلاف و15 ألف دولار، ويخاطب الناس بقوله: "تبرع اليوم بأفضل ما لديك لشراء ملجأ من القنابل لحماية الإسرائيليين الذين يتعرضون للقصف".

الحملة نجحت في جمع تبرعات لبناء مئات الملاجئ العامة في إسرائيل خلال العقد الماضي. تزايد عدد الملاجئ في غلاف غزة ينشر الأمن بين السكان ويشجع على استقبال مهاجرين جدد للإقامة في المستوطنات القريبة من غلاف غزة وجنوب لبنان. يروي بوهلر عن رئيس إحدى بلديات الغلاف قوله إن القبة الحديدية رغم أنها معجزة مذهلة حيث تسقط 96% من الصواريخ، لكن لقرب المستوطنات الشديد من الحدود، تسقط الصواريخ عليها قبل أن تدق صفارات الإنذار، لكن لأننا نعلم أن لدينا أصدقاء من جميع أنحاء العالم يساعدوننا في بناء الملاجئ في جميع أنحاء إسرائيل، نشعر بأمان أكبر، ويمكن لأطفالنا الخروج وهم يعلمون أنهم يستطيعون إيجاد مأوى عندما تبدأ الصواريخ بالتساقط.

ويضرب مثالاً على أهمية الملاجئ فيقول إنه "بفضل الملاجئ التي تبنيها المؤسسة الدولية في منطقة شعار هنيغف على مدار السنوات العشر الماضية فقط، تزايد عدد المستوطنين من 5 آلاف نسمة إلى 10 آلاف نسمة، وهذه فرصة رائعة لنشكركم جزيل الشكر على مساعدتنا في النمو".

الملاجئ غير كافية

ورغم إنفاق دولة الاحتلال عشرات المليارات من الشواكل في تدشين وتشغيل أربع منظومات دفاعية جوية طبقية بعضها فوق بعض لحماية كل أجواء إسرائيل وصيد الصواريخ المضادة والطائرات والمسيرات المعادية على مرتفعات مختلفة، وهي القبة الحديدية وثاد ومقلاع داوود ومنظومة حيتس، لكنها غير كافية لجلب الأمن للمستوطن الإسرائيلي الخائف دائماً على حياته، فأنفقت الحكومة مليارات أخرى في بناء الملاجئ والأماكن العامة الحصينة والغرف الآمنة، واعتبرتها ليست مجرد وسائل أمنية إضافية؛ بل مرافق حيوية في الدولة وأسلوب حياة للمستوطنين وأدوات الصمود في مواجهة الأزمات الأمنية في أوقات الحروب المتكررة التي يخوضها جيش الاحتلال، أو يفتعلها، والعدوان والهجوم المضاد والتوترات الجيوسياسية التي يعيشها الشعب الإسرائيلي منذ قيام دولة الاحتلال في سنة 1948.

لكن، عندما انهمرت الصواريخ والمسيرات الإيرانية، ظهرت نقاط ضعف وعجز في عدد الملاجئ، وطرد السكان الإسرائيليين غيرهم من الأجانب من الملاجئ لعدم كفايتها، وحرم العرب منها، وبعد السماح بالنشر، أعلنت إسرائيل مقتل 28 شخصاً وإصابة 3238 أخرين، وأُعلنَ مقتل ثمانية أشخاص في بتاح تكفا، خمسة منهم كانوا داخل غرفة مماد، انهارت تماماً بقصف صاروخي وقتل من فيها. وعلى استحياء وفي حرج بالغ من الجماهير الغاضبة، علقت القيادة العسكرية للجبهة الداخلية على فشل الغرف الآمنة في حماية الإسرائيليين بقولها إنّه لا يوجد مبنى محصن تماماً من الإصابة المباشرة.

وفي الماضي كانت صفارات الإنذار تطلق قبل وصول الصواريخ إلى إسرائيل بنصف ساعة وهي فترة كافية لعمل كوب من القهوة قبل التوجه إلى الملاجئ، الآن ومع سرعة الصواريخ وقرب مناطق إطلاقها من غزة، لا يستغرق الوقت المتاح للاحتماء في الغرف الآمنة أو الملاجئ أكثر من نصف إلى دقيقة واحدة فقط. وهي مصممة لحماية الإسرائيليين من الصواريخ لبضع دقائق، وليست مصممة للبقاء فيها لأيام متواصلة. فلا توجد فيها مراحيض ولا ماء للشرب والنظافة ولا أجهزة تكييف ولا أثاث إلا فرشة بسيطة في بعض الغرف الخاصة. واعترفت قيادة الجبهة الداخلية بأن الملاجئ لا توفر الحماية المطلقة.

والذهاب إلى الملاجئ ليست نزهة، ولكنها رحلة فزع قد تكون طويلة، وقال بعض الإسرائيليين إنهم يفاضلون بين أولادهم في حملهم إلى الملاجئ ويتركون بعضهم في البيت أثناء القصف. وكشف بعضهم عن منع الحكومة شركات الطيران من نقل الإسرائيليين إلى الخارج خوفاً من فرار جماعي. ووصف السفير الأميركي لدى إسرائيل مايك هاكابي، الليلة الأولى من الهجوم الإيراني بأنها كانت قاسية، وأنه اضطر للذهاب إلى الملجأ خمس مرات خلالها. وعندما توقفت الحرب قال إنه تمكن من نوم الليل كله بعد أسابيع من الركض إلى الملاجئ. وفي استطلاع رأي، عبّر 40% من الإسرائيليين عن رغبتهم في مغادرة إسرائيل بسبب غياب الأمن، وكشفت النتائج أنّ 50% من الإسرائيليين يحملون جواز سفر أجنبياً لمثل هذا اليوم، رغم أنّ إحصائيات الحكومة تقدر النسبة بحدود 10% فقط.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows