
تزداد تكاليف معيشة الأتراك نتيجة تراجع وتذبذب سعر صرف الليرة، المترافق مع ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية، وفي مقدمتها الخضر والفواكه، في ظل موسم يوصف بـ"السيئ" بسبب تراجع كمية الإنتاج الزراعي إثر موجات الحر والجفاف التي تلت الصقيع وقلة الهطول المطري. وسجلت الليرة التركية، اليوم الخميس، تراجعًا طفيفًا، ليتجاوز الدولار حاجز 40 ليرة، رغم تراجع سعر الدولار عالميًا، فيما قفز سعر صرف العملة الأوروبية الموحدة إلى 47 ليرة تركية.
في هذا السياق، يقول المحلل التركي إسلام أوزكان لـ"العربي الجديد"، إن أسعار السلع والمنتجات مرتفعة قياسًا إلى الفترة نفسها من العام الماضي، لكنها منخفضة مقارنة بأسعار فصل الشتاء. ويشير إلى أن ما يُقال عن ارتفاع الأسعار يأخذ في الاعتبار الموسم؛ فأسعار الخضر مثل البندورة والخيار والكوسا والباذنجان أقل من أسعارها في نهاية الربع الأول من هذا العام (شهر مارس/آذار)، لكنها مرتفعة بالنسبة لفصل الصيف أو مقارنة بالعام الماضي، لأن موسم طرح الخضر الآن في ذروته.
وعن أسعار الفواكه، يضيف أوزكان أن المواسم هذا العام تعرضت لموجة صقيع خفّضت الإنتاج بنحو 30%، ما أدى إلى تراجع العرض وارتفاع الأسعار، رغم توفر الفواكه في الأسواق. ويشير إلى أن في بلاده "البازار"، وهي أسواق أسبوعية في أحياء جميع الولايات التركية، وتقدّم بدائل للمستهلكين بأسعار أقل من المحال التجارية والأسواق المركزية.
لكن المحلل التركي يلفت إلى أن الدخل الشهري "منخفض بجميع الأحوال"، خاصة لمن يدفع إيجار منزل يتجاوز نصف معاش الأتراك، وليس فقط الحد الأدنى للأجور. ويتوقع أن رفع الحد الأدنى للأجور، للمرة الثانية هذا العام، قد يُحسّن من مستوى المعيشة، رغم ما قد يسببه من آثار سلبية على سعر الصرف بسبب طرح كميات كبيرة من العملة التركية في السوق، إلا أن بالإمكان ضبط الوضع، خاصة بعد الإجراءات المغرية التي اعتمدتها الحكومة، مثل تثبيت سعر الفائدة وحماية الإيداعات بالعملة التركية.
وفي المقابل، كانت لجنة السياسات النقدية في المصرف المركزي التركي قد ثبتت، الشهر الماضي، سعر الفائدة المصرفية عند 46%، بهدف المحافظة على مكاسب خفض التضخم الذي بلغ 37.8%، وتجنب خلق اضطراب في السوق أو اهتزاز الثقة بالليرة أو تراجع سعر صرفها مجددًا، وذلك في إطار سياسة التشدد النقدي بعد جلستي تيسير خُفض خلالهما سعر الفائدة إلى 42.5% مطلع العام الجاري.
ويرى مراقبون أن تركيا، ولتحقيق أهداف البرنامج الاقتصادي والحفاظ على كسر التضخم الذي بلغ أدنى مستوى له منذ 40 شهرًا، مضطرة لتثبيت سعر الفائدة أو رفعها بنسبة طفيفة. كما أن احتياطي المصرف المركزي لا يسمح بمجازفات التدخل المباشر، بعدما بلغ 154.3 مليار دولار، منها سيولة بقيمة 77.8 مليار دولار، واحتياطات ذهب تُقدّر بنحو 76.4 مليار دولار.
وألحقت تركيا تثبيت سعر الفائدة بقرار رفع نسبة الاحتياطي الإلزامي على حسابات الودائع المحمية بالعملة الأجنبية، وخفّضت الحد الأدنى للفائدة عليها، في خطوة تهدف إلى تشجيع المواطنين على تحويل ودائعهم إلى الليرة التركية، وسط تقلبات وتراجع سعر العملة المحلية التي تصدرت قائمة العملات الأسوأ أداءً في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا.
وبينت السلطات أن رفع نسبة الاحتياطي الإلزامي المفروضة على ما يُعرف بحسابات الودائع المحمية بالعملة الأجنبية (KKM)، التي تعوض المودعين عن انخفاض قيمة الليرة، من 33% إلى 40%، وخفض الحد الأدنى لسعر الفائدة على هذه الحسابات من 50% إلى 40% من سعر الفائدة الأساسي، يهدف إلى تشجيع الادخار بالليرة التركية بدلًا من الاعتماد على الودائع المحمية بالعملة الأجنبية.
لكن تلك الإجراءات، وفقًا لما يقوله الاقتصادي مسلم أويصال، لـ"العربي الجديد"، أوقفت تراجع سعر صرف الليرة ولم تحسّنها، لأن أسباب ضعف العملة التركية، برأيه، لا تعود فقط إلى زيادة عرض الليرة، بل أيضًا إلى تراجع تدفق العملات الأجنبية الناتجة عن السياحة والصادرات، وربما تعود إلى عوامل أعمق تتعلق بالميزان التجاري والديون الخارجية وفاتورة النفط التي تتجاوز 50 مليار دولار سنويًا، وتُعتبر من أبرز عوامل العجز في الميزان التجاري.
ويضيف أويصال أن غلاء الأسعار في الأسواق يزداد خلال هذه الفترة، ما رفع النفقات الشهرية للأسرة التركية، معتبرًا أن رفع الأجور قد يكون الحل الأمثل في حال لم تتراجع نسبة التضخم ويتحسّن سعر الصرف. وكان اتحاد نقابات العمال الأتراك قد كشف، في تقريره الشهري حول تكاليف المعيشة لشهر يونيو/حزيران 2025، عن ارتفاع مقلق في خطي الجوع والفقر، في ظل التصاعد المستمر لأسعار الغذاء والخدمات الأساسية، ما يُنذر بتفاقم الأعباء على الأسر ذات الدخل المحدود في البلاد. ويُبيّن التقرير أن خط الجوع بلغ 25.1 ألف ليرة تركية، في حين وصل خط الفقر إلى 85.06 ألف ليرة، بينما لا يزيد الحد الأدنى للأجور عن 22 ألف ليرة.
ويُشار إلى أن خط الجوع يعني المبلغ الذي تحتاجه أسرة مكوّنة من أربعة أشخاص لتأمين الحد الأدنى من السعرات الحرارية الأساسية لتغذيتها خلال شهر، دون احتساب أي نفقات أخرى، في وقت إن خط الفقر هو المبلغ الذي يغطي الاحتياجات الأساسية المعيشية، بما يشمل الغذاء، والملبس، والسكن، والتعليم، والرعاية الصحية، والمواصلات، لضمان مستوى معيشة لائق.
ويلفت الاقتصادي أويصال إلى أنه "للإنصاف، نادرًا ما يوجد أتراك يتقاضون الحد الأدنى للأجور"، موضحًا أن هذا الحد يخص العاملين في القطاع الخاص، فيما أجور العاملين في القطاع الحكومي تفوق هذا الرقم بأكثر من الضعف. ويضيف أن الأسرة التركية نادرًا ما تعتمد على دخل فرد واحد، إذ غالبًا ما يعمل فيها شخصان أو أكثر.

Related News


