مليارات مزورة تزلزل سوق النقد في ليبيا... واتهامات تطاول حفتر
Arab
5 hours ago
share

تشهد سوق النقد في ليبيا صدمة غير مسبوقة، بعد كشف المصرف المركزي عن عملات مزورة بمليارات الدنانير، الأمر الذي استنفر حكومة الوحدة الوطنية، مطالبة بتحقيق واسع في الأمر، وسط اتهامات لـ"الإنفاق الموازي" الذي يقف وراءه اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي قال محللون إنه لا يقتصر في تمويل أنشطته على طباعة العملة فقط، وإنما بيع النفط والخردة بطرق غير شرعية.

وأعلن مصرف ليبيا المركزي، في بيان، الأحد الماضي، أن عمليات عد وتدقيق شاملة أجراها كشفت عن وجود كمية من الأموال المزورة من فئة الخمسين ديناراً بقيمة 3.5 مليارات دينار، وذلك ضمن عملية سحب لهذه الفئة النقدية، كان قد بدأ بها خلال الأشهر الماضية لإنهاء تداولها واستبدالها بأخرى.

وأوضح البيان الذي حمل توقيع المحافظ ناجي عيسى، الفرق بين ما جرى إصداره رسمياً عبر المصرف من فئة الخمسين ديناراً (وهو 6.650 مليارات دينار) وما جرى إيداعه لدى المصرف المركزي بنهاية سحب هذه الفئة (هو 10.211 مليارات دينار)، معتبراً أن ذلك يشكل "استيلاء غير مشروع وتسبباً في ضرب جسيم للاقتصاد الوطني".

وأكد "المركزي" أن هذه الكمية التي كشف عنها الفرق بين الكمية التي أصدرها المصرف والكمية المسحوبة لم تخضع للرقابة القانونية وفقاً لقانون المصارف الليبي، ولم تُسجل في سجلات المصرف في بنغازي. كما أكد بيان المصرف أن هذا التزوير الضخم "أثر سلباً بقيمة الدينار الليبي، ورفع الطلب على العملات الأجنبية بمستويات خطيرة في السوق الموازي، وضاعف مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب".

ويبدو أن تداول هذه الكمية من أوراق فئة الخمسين غير الشرعية يعود لسياق طويل بدأ عام 2014 مع انقسام المصرف المركزي نفسه إلى فرعين: أحدهما في طرابلس تحت سيطرة حكومة الوفاق الوطني، والآخر في البيضاء شرقي ليبيا تحت سيطرة مجلس النواب الموالي لحفتر، إذ بدأ فرع البيضاء عامي 2018 و2019 بطباعة كميات ضخمة من العملة الليبية في مطابع روسية ووزعها، على الرغم من إعلان المصرف في طرابلس عام 2019 تحذيراً من تداولها وعدم شرعيتها، ووسط إقرار فرع البيضاء بشرعية إصداراته صارت هذه الأوراق واقعاً معاشاً في الأسواق الليبية بقوة الأمر الواقع.

وبتوحد فرعي المصرف نهاية عام 2022، جرت "شرعنة" العملة التي طبعها فرع البيضاء سابقاً، لكن رياح الفوضى عادت بقوة نهاية عام 2023، مع أنباء متواترة عن عودة طباعة العملة مجدداً في شرق ليبيا، دون تحديد الجهة المسؤولة بشكل رسمي.

وفي إبريل/ نيسان 2024 صرّح المصرف المركزي لأول مرة، ضمن البيانات الشهرية للإنفاق الحكومي، بوجود "إنفاق مجهول المصدر"، وهو التوصيف الذي علق عليه رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، وسماه بـ"الإنفاق الموازي"، متهماً حكومة مجلس النواب في بنغازي بالمسؤولية عنه، ملمحاً إلى لجوء سلطة حفتر إلى طباعة عملة خارج إطار المصرف المركزي بهدف شراء الدولار من السوق السوداء، لتمويل مشاريعها ومصروفاتها في الشرق.

وأشعلت أزمة "الإنفاق الموازي" فتيل أزمة مصرفية كبرى خلال عام 2024 انتهت بإطاحة المحافظ السابق الصديق الكبير في أغسطس/آب الماضي، وتشكيل لجنة حوار بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة قضت باختيار ناجي عيسى محافظاً جديداً للمصرف، الذي دشن جملة من الإجراءات الإصلاحية للقطاع المصرفي والمالي، وأبرزها خطة لسحب فئة الخمسين ديناراً من التداول، قبل أن يكشف البيان الصادم، الأحد الماضي، عن حجم العملة المزورة بقيمة 3.5 مليارات دينار.

وفور بيان المصرف المركزي، كتب الدبيبة تدوينة على حسابه بمنصاته الإلكترونية، اعتبر فيها أن بيان المصرف "يثبت صدق تحذيراتنا بشأن العملات المزورة لشراء العملة الصعبة"، وطالب النائب العام بفتح تحقيق شامل "لمحاسبة كل المتورطين في هذه الجريمة التي لا تحتمل الصمت أو التجاوز". وأكد الدبيبة، في معرض تدوينته، أن الأمر "خطير ويمس أساس الاستقرار الاقتصادي وعملة البلاد، ويمس حياة الناس ولقمة عيشهم".

ويشير الأكاديمي والخبير المالي، مختار شنشوب، أن الرأي العام يدرك تداعيات هذا الكشف، وأنه ليس رقماً في بيان، بل وصفه بـ"زلزال سيضرب أركان الاقتصاد الهش من أساسه". ويقول لـ"العربي الجديد" إن "3.5 مليارات دينار مزورة تضخمت فجأة في السوق تعادل تقريباً 10% من إجمالي الكتلة النقدية المتداولة قبل السحب. هذا ليس تزويراً فحسب، بل انتحار اقتصادي ممنهج يعرف من يقف وراءه. هذه الأموال الوهمية يشتري بها المواطن سلعاً حقيقية وخدمات حقيقية، فهي تسرق قيمة الدينار من جيوب كل مواطن يملك ديناراً شرعياً".

ويحذر شبشوب من أزمة أعمق تتصل بثقة المواطن والتاجر والمستثمر الأجنبي بعملة يمكن تزويرها بهذه الكميات الكبيرة، لافتاً إلى العديد من التداعيات، منها أقرها بيان المصرف نفسه، وتتعلق بأن هذه الكميات كانت سبباً في الأنشطة غير المشروعة بالسوق السوداء وغسل أموال وربما إرهاب.

ويعتبر أن هذه الزاوية من تداعيات هذا الكشف "لا تقف حدودها عند آثارها الاقتصادية، بل صارت قضية أمن قومي، وإن كانت خطوة المصرف بحصر هذه الفئة جيدة، إلا أن مخاطر فقدان سيطرته على إصداراته النقدية تعني فقد السيطرة على أهم ركائز سيادته".

وتشير الشكوك والاتهامات غير المباشرة إلى سلطات الشرق بقيادة خليفة حفتر، التي يخضع لها مجلس النواب وحكومة بنغازي وجهاز إعادة الإعمار والتنمية، والأخير يشتبه في كونه إحدى القنوات الرئيسية لضخ هذه الأموال المزورة في الاقتصاد، خاصة أن العديد من التقارير الدولية تحدثت عن شح في موارد تمويل مشروعات تعانيها سلطة حفتر منذ سنوات، ما اضطرها إلى الانخراط في أنشطة غير شرعية، كالاتجار في الخردة، وبيع النفط خارج شرعية المؤسسة الوطنية للنفط، كما يدفعها إلى طباعة العملة خارج شرعية المصرف المركزي لتمويل رواتب موظفيها، ومشاريع جهاز الإعمار بواسطة شراء الدولار من السوق السوداء بأسعار أعلى من الرسمي لتمويل وارداتها.

ويعلق شبشوب بأن هذه الاتهامات إن صحت فهي "لا تدمر قيمة العملة الوطنية، بل تغذي حلقة مفرغة من التضخم، وتشوهات سوق الصرف، واستنزاف الاحتياطيات، وتغذي الصراع عبر تمويل كيانات مسلحة". لكن السؤال المركزي الذي يفرض نفسه حول كفاية إجراءات سحب المصرف المركزي فئة الخمسين ديناراً كاملة واستبدالها، لوقف النزيف؟ ويرى شبشوب أن "الخطوة إسعافية ضرورية ومطلوبة لوقف النزيف"، لكنه في الوقت نفسه لا يراها علاجاً كافياً.

ويعلل المحلل الاقتصادي الليبي رأيه بأن الإشكال الرئيسي يكمن في استمرار قدرة من يقوم على تزوير العملة على طباعتها، ويحدد السبب في انعدام "الرقابة المركزية الفعالة على التداول النقدي، واستمرار وجود مراكز قوى خارجية تتحكم في موارد موازية"، مطالباً بضرورة "استعادة السيطرة الكاملة على عملية إصدار النقد في كل ليبيا، ومعاقبة المتورطين في هذه الجريمة الاقتصادية، وبناء نظام رقابي رقمي حديث، وإلا لن يكون قرار سحب العملات إلا علاجاً مؤقتاً".

بل يرى أن إجراء السحب الذي اتخذه المصرف، وإن كان ضرورياً، إلا أن السحب "المفاجئ لمبلغ بهذه الضخامة قد يخلق صدمة سيولة قصيرة المدى، ويصعب على النظام المصرفي استيعابها، خاصة مع ضعف ثقة المواطن والتاجر والمستثمر الأجنبي، فالأهم من السحب هو بناء الثقة من خلال شفافية مطلقة في عملية الإصدار الجديدة، وإشراف دولي إذا لزم الأمر، وهنا سيتأكد المتداول أياً كان، مواطناً أو تاجراً، أن الدينار الذي في يديه محصن برقابة لا تُخترق".

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows