
على بعد أيام من صدور تقرير "لجنة العشرين" الاستشارية بحسب البعثة الأممية للدعم في ليبيا المنشأة لها، ربما من الإلزام، وليس من نافلة القول أو الفعل، المرور على كل المبادرات التي سبقتها أخيراً، لنرى بعدها جدّية طرحها، وإمكانية واقعيّتها، أو هي على النقيض من ذلك.
وفي هذا الصدد، لا بدّ من الولوج إلى المبادرات الفردية التي تطرح بين الفينة والأخرى لحل الأزمة السياسية داخل البلاد، غير أن هذه المبادرات ما تبرح أن تُطرح على وسائل الإعلام وإلقاء مضمونها إلى أن تعود إلى الخمول، أو حتى إلى العدم، ولا مبالغة في القول حتى قفْز شخوصها عليها، وكأن المبادرة السياسية أو الحل السياسي ما هو إلا توصيف نظري فحسب!
حقيقة المبادرات السياسية الفاعلة هي التي يجب أن تكون واقعاً على الأرض وتلامس الإشكال السياسي، بل هي المبادرات التي ترفض الواقع المتأزّم، أو الركود الخامل، في سياق سياسي غير مستقر ومتقلّب، يتطلب العمل والجهد، لا التنظير والتأطير فحسب؛ بل المبادرة السياسية الفاعلة هي التي تنطلق من المجتمع ومن القاعدة الشعبية له، المرتكزة على أساس حواري وتوافقي، يمكن البناء عليه على أرض الواقع، لا التنظير له في سماء السياسة المنفصلة عن المجتمع ومكوّناته.
وفي هذا الصدد، انتقلت "المبادرات السياسية" في ليبيا، إن صحّ الوصف، حقيقة أو على أقلّ تقدير مجازاً من مرحلة المبادرة الواحدة لجسم واحد، إلى المبادرات المتجزئة من جسم سياسي واحد لا يتعدّى عدد أعضائه ثلاثة، وهذا ما كان في المجلس الرئاسي الليبي، حيث أطلق كل عضو فيه مبادرة سياسية رأى الحل فيها، ومنها مبادرة العمل بنظام الأقاليم الثلاثة التاريخية (برقة وفزّان وطرابلس)، عن طريق مجالس تشريعية ومحافظات تنفيذية لكلٍّ منها، في محاولةٍ للقفز عن الخلافات التي تطرأ على القوانين الانتخابية، وخاصة الرئاسية منها، وذلك بانتخاب كل إقليم من أقاليم ليبيا الثلاثة رئيساً يمثله في مجلس رئاسي جديد يشبه المجلس الرئاسي الحالي بثلاثة رؤوس، وتتغير الرئاسة بشكل دوري بين الشخصيات الثلاث، وذلك كله بالتوازي مع وجود مجلس تشريعي وحكومة لكل إقليم من الثلاثة، الأمر الذي به يتحقق الاستقرار في كل مناطق ليبيا، ويحافظ على وحدتها، وكذلك لتقريب الخدمات للمواطنين وتفتيت المركزية التي أنهكت الدولة الليبية، بحسب المبادرة التي أطلقها واحدٌ من أعضاء المجلس الرئاسي، وليس مجتمعاً، وهو الذي لا يتجاوز عدد أعضائه ثلاثة!
لا تزال آفاق الحل السياسي غائبة عن الوطن والمواطن في البلاد
وعلى الضفة الأخرى من المجلس الرئاسي، خرجت مبادرة سياسية أخرى، كما الحال من سابقتها، بشكل منفرد، لا باسم المجلس مجتمعاً، غير أنها جاءت مغايرة في الطرح عن سابقتها، بل كان اللبّ فيها تقسيم البلاد إلى 13 محافظة، يتم توزيع الميزانية بالتساوي بين هذه المحافظات، وفق نظام لامركزي بصلاحيات كاملة، ولتكون هذه المبادرة تحت مسمّى "مبادرة الحلّ السياسي"، مبتعدة بحسب التنظير لها عن فكرة التقسيم أو الأقاليم الثلاثة، وكأنها تناقض ما كان قبلها. وتضمّنت هذه المبادرة الدعوة إلى تجديد المجلس الرئاسي بانتخابات عامة من الشعب مباشرة، وليس كما جاء هذا المجلس الحالي باتفاق سياسي، الأمر الذي يحقّق مع هذا الفعل الشرعية الدستورية والمشروعية الشعبية، التي تتعزّز بها المؤسّسة الرئاسية على استعادة سيادة الدولة الليبية، وتجاوز أزمة الثقة بين الأطراف السياسية، وتبديد المخاوف من استئثار أي طرف بالسلطة، وهي العقبة الأساسية التي تحول دون نجاح الانتخابات، كما يرى القائمون على هذه المبادرة.
واليوم تفصلنا أيام قليلة لرؤية نتائج مبادرة "لجنة العشرين" التي انطلقت في الرابع من فبراير/ شباط الماضي برعاية أممية، لحل الانسداد والإشكال السياسي في ليبيا، خاصة في القضايا الخلافية في القوانين الانتخابية، من أجل إجراء الانتخابات، بغض النظر عن طبيعتها، الرئاسية أو البرلمانية أو كليهما، على أن تكون مستندة إلى المرجعيات والقوانين الليبية القائمة بما في ذلك الاتفاق السياسي الليبي وخريطة طريق ملتقى الحوار السياسي الليبي وقوانين 6+6 الانتخابية، بحسب ما كان في ديباجة إنشائها، على أن تسلم مقترحاتها إلى اللجنة السياسية المقبلة التي تعتزم البعثة الأمميّة للدعم في ليبيا تشكيلها بحسب المسارات التي أعلنت عنها مسبقاً، وصولاً إلى تجديد الشرعيّة في البلاد. وبين هذه وتلك المبادرات الفردية، لا تزال آفاق الحل السياسي غائبة عن الوطن والمواطن في البلاد. ولكن لا بد من النظر إلى النتائج قبل الحكم على المضمون، وإن غدا لناظره لقريب.

Related News
