
شهدت اليابان في القرن التاسع عشر (نهاية فترة إيدو) انفتاحاً واسعاً على العالم الخارجي بعد طول انعزال، وبدت الفنون جسراً أساسياً للتفاعل مع ثقافات أخرى، وظهور أساليب جديدة تركت أثرها لدى فنانين أوروبيين مثل مانيه وفان غوخ، على مستوى التقاط التفاصيل الدقيقة وغنى التلوين.
جانبٌ من هذا التحديث يضيء عليه معرض "هيروشيغي.. فنان الطريق المفتوح"، الذي يُفتتح مساء الخميس المقبل، في "المتحف البريطاني" بلندن، ويتواصل حتى السابع من سبتمبر/ أيلول 2025، حيث جذبت رسوماته لمناظر الطبيعة والحياة كثيرين لزيارة بلاده، التي بدت واقعية أحياناً ولكنه غالباً رسمها بالطريقة التي تخيلها.
أوتاغاوا هيروشيغي (1797-1858)، الذي عاش في مرحلة مضطربة أفضت إلى إنهاء حقبة والدخول بأخرى، عكسَ تلك التحولات الجذرية من خلال تصويره لجميع طبقات المجتمع وعلاقتهم الوثيقة مع بيئتهم، وإيقاعات الحياة اليومية، في أعمال لاقت انتشاراً واسعاً واهتماماً لبراعتها في نقل لحظة العبور والاستمرارية التي مرّ بها اليابانيون.
بدأ الفنان الرسم في سن الرابعة عشرة، وتعلم معظم مدارس واتجاهات الفن الكلاسيكية. ومع ذلك، لم يبدأ في إنتاج المناظر الطبيعية حتى عام 1829، عندما أصدر مجموعة مطبوعات صورت الطيور والزهور. بعد نحو عامين، نشر كتابه "عشرة أماكن شهيرة في العاصمة الشرقية"، وتبعت ذلك سلسلة "ثلاث وخمسون محطة على طريق توكايدو"، التي تضم أكثر أعماله شهرة. في هذه السلسلة، رسم المناظر الطبيعية على طول الطريق بين إيدو (طوكيو حالياً) ومدينة كيوتو، وستكون هذه الأعمال متاحة أمام الزوار.
كان الطريق الأكثر حيوية في ذلك الزمان تقع على جانبيه أكثر من خمسين محطة بريد رسمية. كان المسافرون يستريحون بالقرب منها ويتبادلون البضائع، كما كان يمر بها الحجاج وعامة الناس. هذه المحطات كانت تحتضن اجتماعات لأمراء المقاطعات والتجار والحجاج، ما خلق نشاطاً اقتصادياً وثقافياً دائماً وثقته لوحات الفنان.
تحوّلت أعماله الفنية إلى تذكارات جرى استنساخها بطرق مختلفة
أكثر من مئة مطبوعة معظمها لم يُعرض من قبل تبيّن كيف عرّف هيروشيغي بمواقع عديدة في مدن يابانية وعنونها بأسماء تلك المواقع، ومنها "أزهار الكرز في ليلةٍ غاب عنها القمر على ضفاف نهر سوميدا"، التي نفّذها بتقنية الطباعة الخشبية الملوّنة بين عامي 1847 و1848، وبالتقنية نفسها يُعرض أيضاً عمل بعنوان "منظرٌ مسائيٌّ لثمانية مواقع ذات مناظر طبيعية خلابة في كانازاوا، مقاطعة موساشي" نفذه عام 1857.
في سعيه نحو التجديد، قدّم الفنان الياباني اقتراحات جمالية وفنية متنوعة، حيث ركز على تصوير العادات والطقوس الشعبية في أعماله ومطبوعاته التي تجاوزت الخمسة آلاف، إضافة إلى لوحاته وكتبه ورسوماته التخطيطية التي ضمّنها مقاطع شعرية.
وقد اتسمت معظم هذه الأعمال بإيقاع هادئ ومتوازن، لا سيما تلك التي أتت في العقود الأخيرة من حكم الساموراي خلال فترة سادتها الاضطرابات قبل أن تنتقل اليابان إلى العصر الحديث، ضمن الحركة الفنية التي عُرفت باسم "أوكييو-إه"، التي نشأت في القرن السابع عشر.

Related News
