هل الفن ضرورة؟
Arab
4 hours ago
share

تخيّل أنَّ فنانًا مثل الرسام الهولندي موندريان يقول إنّ الفن مجرد تعويض عن انعدام التوازن في العالم، انعدام التوازن بين الفرد والحياة، وحين تصل الحياة إلى درجة أعلى من التوازن، سيختفي الفن. والردّ البسيط والجيد، وهو مرعب في الحقيقة، الذي يشير إليه إرنست فيشر في كتابه "ضرورة الفن"، هو أنَّ التوازن الدائم بين الإنسان وعالمه أمرٌ مُستبعد، حتى في أرقى أشكال المجتمع. وهذا معناه أنّ الفن سيبقى ضرورة. واللافت أن يكون الفنان قد أشار إلى المنفعة التي يقدّمها لنا، وأكّد أنّه سيزول بزوال تلك المنفعة.

الأمر الغريب هو أن يتبنّى فنان رأيًا لا يرى في الفن غير المنفعة المباشرة. ومع ذلك، فإنّ قصة المنفعة والفن، أو منفعة الفن، شغلت البشرية. فمعظم الكتب التي تؤرّخ للفنّ تقول إنَّ إنسان الكهوف رسم الحيوانات التي يريد اصطيادها على الجدران، آملاً أن يتمكّن التصوير من وضع الحيوان داخل شباك الصيد، أو التقليل من قدرته على النجاة.

وهناك مشكلة تعترض محاولات فهم الفن، أو التنظير لمنفعته ووظيفته، وهي الغموض. فمعظم الأعمال الفنية في التاريخ، والعبارة هنا تشمل الأعمال الأدبية أيضًا بوصفها فنًّا، تتصف بالغموض الذي يساعد على تعدّد القراءات. وهو الأمر الذي يخلق مسافة بين العلم (أو الفلسفة أو الأيديولوجية)، الذي يحاول أن يسطو، بحسب تعبير أحد فلاسفة الجمال، على الفن وتفسيره.

ساهمت الأيديولوجيات في محاولة اصطياد الفنّ في دوائر منافعها

واللافت هنا أنَّ معظم العلوم حاولت، وتحاول بلا كللٍ "الاعتداء" على الفنّ، أو تجييره لصالح النشاط الذي تُعنى به. أما الفلسفة فتريدُ منه خدمة مختلفة عن خدمات التاريخ، بل إنَّ أحد آباء الفلسفة، وهو أفلاطون، اقترح طرد الفنانين، بسبب تأثير الفنّ في الناس، وإذا كان قد سماه ضررًا، فهو منفعة ما في النهاية.

وساهمت الأيديولوجيات في محاولة اصطياد الفنّ في دوائر منافعها، وتحفل الكتب المدرسية بشكلٍ خاص بالكلام عن دور الأدب والفن في خدمة المجتمع، ومنها شعار الأدب للشعب، بينما لا يزال تعريف الشعب نفسه غير واضح، أو يفتقر إلى إعادة نظر لمعرفة من هو الشعب، أو أدب المقاومة الذي يحتاج أيضًا إلى تعريف نفسه، وتعريف المقاومة: هل يعني أن المقاوم يستعين بالفن والأدب؟ أم أن الفن والأدب يقاومان مستقلين عن المجموعات التي تقاوم؟

في مثل هذه الحالات أين المنفعة؟ ومن ينفع من؟ من المستبعد أن يقرأ المقاتل أبداً، أو يشاهد فناً. ومن المستبعد أكثر أن ينفع الفنّ والأدب في تلك اللحظات. متى إذن ينفع أدب المقاومة؟

ولكن المنفعة نفسها غير واضحة، بل غامضة، وفي الحالة السورية اليوم، يبدو الأدب والفن مهملين أو مهمشين من قبل كل المجموعة الوطنية في عموم سورية، في هذا الزمن العاصف، ولهذا يمكن إعادة طرح السؤال عن ضرورة الفن: متى يمكن للفن أن يكون ضروريًا؟ وإذا كانت سورية اليوم واحدة من المعايير، فإنها تعطينا الدرس بأنَّ السياسة وحدها هي التي تحظى بالاهتمام الكلي للشعب، فمن الذي يطلب من الأدب أن يكون للشعب؟


* روائي من سورية

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows