
عربي
يحاول الاحتلال الإسرائيلي إخفاء أدلة جريمته في قتل الطفل محمد الحلاق عبر اقتحام موقع استشهاده فجر اليوم السبت في بلدة الريحية جنوب الخليل، جنوبي الضفة الغربية، حيث أطلقت قوات الاحتلال طائرة مسيّرة (درون) فوق المكان، وصادرت تسجيلات الكاميرات من المنطقة المجاورة، وحققت ميدانيًا مع سكان المنازل القريبة؛ في محاولة لتلفيق رواية تبرّر الجريمة التي ارتكبها جندي إسرائيلي مساء أول أمس الخميس، حين أعدم الطفل الشهيد، ورقص قاتله فرحًا بعد ذلك.
وكان الطفل الحلاق قد استُشهد مساء الخميس، بعد أن اقتحمت قوات الاحتلال بلدة الريحية وأطلقت عليه النار بشكل مباشر خلال وجوده مع أطفال القرية بجانب ساحة مدرسة الريحية الثانوية للبنات. ويقول محمد الحلاق، عمّ الطفل الشهيد، لـ"العربي الجديد"، إن "الطفل الحلاق ارتقى في الوقت الذي كان خارجًا فيه للعب كرة القدم داخل ساحة المدرسة بعد انتهاء الدوام الدراسي، لأن الدقائق التي اقتحم فيها الاحتلال القرية كانت كفيلة بأن تحوّل أزقتها إلى مشهد دموي جديد في سلسلة الجرائم التي تلاحق طفولة الفلسطينيين".
يروي محمد الحلاق، عمّ الطفل الشهيد، تفاصيل اللحظات الدامية التي انتهت باستشهاد طفلهم محمد بهجت الحلاق، الذي يبلغ من العمر تسع سنوات وأربعة أشهر فقط، في مشهدٍ حُفر في أذهان من كانوا قرب موقع الحادث. يقول عمّ الشهيد بصوتٍ يختنق: "ترجّل الجندي الإسرائيلي من الجيب العسكري، وصوّب بندقيته نحو محمد مباشرة. كان الطفل محمد يقف بعيدًا عنهم، ولم يكن يحمل حجرًا أو أي شيء آخر. فجأة أطلق عليه النار، الرصاصة اخترقت خاصرته اليمنى وخرجت من اليسرى، فوقع محمد على الأرض وبدأ ينزف بسرعة".
بعد أن أطلق الجندي النار على الطفل، رفع سلاحه وراح يرقص فرحًا. ويحكي عمّ الشهيد أن مجموعة من الشبان هرعت لإنقاذه، لكن جنود الاحتلال أطلقوا النار والغاز المسيّل للدموع صوبهم؛ لمنعهم من الاقتراب وإسعاف الطفل الشهيد. ويقول عمه: "الشبّان حاولوا سحب محمد، وجيش الاحتلال كان يطلق النار من فوقهم وتحتهم، وكاد أحد الشبان أن يُستشهد في تلك اللحظات لولا أنه ألقى بجسده على الأرض، وبدأ جنود الاحتلال بإطلاق الغاز بشكلٍ كثيف ما أعاق إسعاف الطفل الشهيد".
وفي لحظة استطاعوا نقله عبر مركبة مدنية إلى مدخل القرية، فوجئوا بإغلاق المدخل الواصل بين بلدة الريحية ومدينة يطا، ومنعت مركبة الإسعاف من الوصول إليه مدة تزيد عن 20 دقيقة. في تلك اللحظات، اضطر الشبان إلى سلوك طرق ترابية وفرعية وعِرة. "الطريق التي تستغرق 12 دقيقة امتدت إلى أكثر من نصف ساعة، ومحمد طوال هذا الوقت كان ينزف، والوقت كان يسرق حياته"، يقول عمّه بأسى.
وصل الطفل محمد الحلاق إلى المستشفى بعد حوالي ساعة من إصابته، لكن النزيف الحاد كان قد أنهى كل أمل بإنقاذه. ويضيف عمه: "الأطباء قالوا إن الرصاصة مزّقت الأحشاء (...) حاولوا على مدار ساعةٍ ونصف ساعة إنقاذ حياته، لكن من دون جدوى". الطفل محمد، وهو الثاني بين أشقائه الأربعة، طالب في الصف الرابع الأساسي في مدرسة ذكور الفاروق الأساسية. لم يكن يحمل حجرًا أثناء قتله، ولم يقترب من جنود الاحتلال، كما يروي عمّه.
ويوضح عمّ الشهيد أن "الريحية التي يقطنها نحو سبعة آلاف نسمة إلى جانب مخيم الفوار المجاور الذي يضم قرابة 13 ألف نسمة، لا يوجد في المنطقة كلّها مستوصف طبي واحد يقدم الإسعافات الأولية"، ويستدرك قائلًا: "لو كانت هناك نقطة طبية واحدة أو سيارة إسعاف قريبة، لكانت احتمالية إنقاذ الطفل واردة. لكن غياب ذلك جعل محمد ينزف حتى الموت (...) لو كان لدى السلطة الفلسطينية أو وزارة الصحة ضمير، لتمّ إسعاف الطفل، لكن لا وجود لمستوصف قريب".
ورغم استهداف الاحتلال الطفل محمد الحلاق، لم يكتفِ بذلك، إذ منع الأهالي من إقامة مراسم العزاء بشكلٍ طبيعي، واقتحمت قواته خيمة العزاء وهددت ذوي الشهيد، في محاولة لإخماد مشاعر الغضب والحزن التي عمّت القرية. وعادت قوات الاحتلال لتقتحم صباح اليوم موقع استشهاد الطفل مجددًا، لكن بعد انسحابها، حضرت طواقم من مؤسسة "الحق – القانون من أجل الإنسان"، ومنظمة "بتسيلم" لحقوق الإنسان، وعدد من المؤسسات الإعلامية العربية والأوروبية لتوثيق موقع الجريمة. وفيما خيّم على قرية الريحية حزنٌ على فقدان الطفل الشهيد محمد الحلاق وطريقة إعدامه، تطالب عائلته بفتح تحقيقٍ دولي ومحاسبة الجندي الذي أعدم ابنهم الطفل، الذي كان يلعب كرة القدم قبل دقائق من قتله بدمٍ بارد.
