
عربي
تشكّل قمّة شرم الشيخ لوقف حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزّة خطوةً إيجابيةً، رغم الغموض الذي يحيط بضمانات تنفيذ الاتفاق وآلياته. وما كان يمكن لهذا الاجتماع الدولي الكبير أن يتم لولا تضافر عدّة عوامل، منها صمود ومقاومة وتضحيات أهل غزّة، والالتفاف العربي والدولي الذي تجلّى بصورة واضحة في قمّة الدوحة، التي انعقدت بسبب العدوان الإسرائيلي على دولة قطر، ومن ثمّ الدور الأميركي الأساس في وقف إطلاق النار، إذ تصرّف الرئيس دونالد ترامب بحزم في اللحظة المناسبة، وضغط على رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو كي يوافق على وضع حدّ للحرب.
نجح ترامب في وقف إطلاق النار، وفي الوقت نفسه، أنقذ إسرائيل من رئيس حكومتها، وحيّدها من درب انتحار سياسي وأخلاقي باتت تسير إليه، بعد أن عجزت عن تحقيق أهدافها من حرب العامَين في القضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، واستعادة الرهائن، وذهبت بعيداً في الإبادة، الأمر الذي حرّك المجتمع الدولي ضدّها، ودفع غالبية حكومات العالم إلى اتخاذ مواقف تصبّ في مجرى نبذها ومقاطعتها، وهذا ما عبّرت عنه عملية انسحاب الوفود الدولية أثناء إلقاء نتنياهو خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الأخيرة الشهر الماضي (سبتمبر/ أيلول).
لحركة التضامن العالمية دور مهم في وقف الحرب، إذ شكّلت رافعة أساسية للقضية الفلسطينية، وحفّزت كلّاً من فرنسا والسعودية، ومعهما أوروبا، إلى تحريك مسألة الاعتراف بدولة فلسطين تثبيتاً للحقوق الفلسطينية الثابتة والمشروعة غير القابلة للتصرف في دولة مستقلة. ومن الجدير بالاهتمام الإشارة هنا إلى أن هذا الأمر لم يعد قابلاً للنقاش على المستوى الدولي، رضخت إسرائيل اليوم أم لم ترضخ. وترجمةً لذلك، ستشهد حركة التضامن العالمية زخماً كبيراً في المرحلة المقبلة، ولذلك تجري عملية التفاف عليها من خلال التسويات المطروحة، التي تحاول استبعاد الفلسطينيين من الحلّ الدولي لقطاع غزّة، وهذا أمر تتحمّل قسطاً من مسؤوليته السلطة الفلسطينية، لأنها أقصت نفسها منذ اليوم الأول لحرب الإبادة على غزّة، مع أنه حانت لها أكثر من فرصة كي تتولّى شؤون القطاع وتتحمّل مسؤوليتها في الدفاع عن جزء من شعبها، ولكنّها كانت تناكف، وتتصرّف من موقع المكايدة، وتندّد بالمقاتلين المدافعين عن شعبهم وأرضهم.
هناك تحدّيات عدّة ماثلة أمام اتفاق شرم الشيخ، منها صمود وقف إطلاق النار، ووضعه موضع التطبيق على نحو يقود إلى انسحاب إسرائيل من القطاع، والانتقال إلى اليوم التالي، وعقدته الأساسية من سيحكم قطاع غزّة، وهنا بقيت عديد من النقاط غير واضحة بخصوص السيادة على القطاع والدور الفلسطيني، في وقت خلا الحفل الاستعراضي من أيّ إشارة (أو كلمة) عن أصل المشكلة، وجوهر القضية، وهو الاحتلال. والتحدّي الثاني هو إعادة الإعمار، فلا توجد خطّة واضحة.
وفي الأحوال كافّة، يمكن للعرب أن يلعبوا دوراً أساسياً كدورهم في وقف الحرب، بالضغط على الإدارة الأميركية. وقد تبين أخيراً أن الأوراق التي يمتلكونها ذات وزن وتأثير، ويجب ألا يضيّعوا هذه الفرصة، وعليهم أن يخوضوا المعركة حتى النهاية، ليس من أجل غزّة فقط، وإنما نحو حلّ دائم للقضية الفلسطينية، خصوصاً أن إسرائيل شبه معزولة على المستوى الدولي، وتواجه زخماً شعبياً، خصوصاً في الولايات المتحدة وأوروبا، وقد حصلت تحوّلاتٌ كبيرة في ما يخصّ وسائل الإعلام الدولية، التي باتت تنتقد وتتحدّث عن جرائم الإبادة بصورة صريحة. ومن دون مبالغة، باتت القضية الفلسطينية تحظى بتضامن ودعم سياسي وأخلاقي، يفوق ما حصلت عليه في أيّ مرحلة سابقة من تاريخها، وهو ما يجب تطويره وعدم التفريط به.
