تثبيت الإيجارات في الرياض... حماية للأسر أم تهديد لسوق العقارات؟
عربي
منذ يوم
مشاركة
يأتي قرار تجميد الإيجار في الرياض لخمس سنوات في وقت تشهد فيه أسعار المساكن ارتفاعاً حاداً، حيث سجلت أسعار الفلل زيادة قدرها 13.9% خلال الربع الثاني من 2025 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، بينما ارتفعت أسعار الشقق بنسبة 6.9%، بحسب بيانات رسمية، ما سلط الضوء على تأثير الاستقرار النسبي لأسعار السكن على قدرة السعوديين على الادخار وإنفاق الدخل على الاحتياجات الأساسية. فالارتفاع الكبير للإيجارات وضع ضغطاً هائلاً على الأسر متوسطة الدخل، خاصة أن متوسط إيجار الشقة في وسط الرياض تجاوز خمسة آلاف ريال شهرياً، ما يعادل حوالي 1300 دولار، وهو مبلغ يستحوذ على جزء كبير من دخل الموظفين، حسب تقرير نشرته وكالة رويترز. ولما كان متوسط راتب الموظف في الرياض يبلغ حوالي 26 ألف ريال سعودي شهرياً عام 2025، فإن مدفوعات الرهن العقاري لشقة بقيمة 1.4 مليون ريال تستحوذ على 38% من الدخل الشهري المتوسط، مقارنة بـ35% العام الماضي، ما يعني أن المعيار الدولي الذي يقضي بألا تتجاوز تكاليف السكن 30% من الدخل، قد تم تجاوزه بوضوح، ما يضع الأسر في حالة إجهاد مالي حقيقي، حسب تقرير نشرته مجلة كافنديش ماكسويل (Cavendish Maxwell) المتخصصة في استشارات العقارات والاستثمار. وإزاء ذلك، فإن تجميد ارتفاع الإيجارات بالرياض، الصادر رسمياً يوم 24 سبتمبر/أيلول الماضي، من شأنه أن يؤدي إلى استقرار تكاليف السكن وإلى تحرير جزء من ميزانيات الأسر للإنفاق على احتياجات أخرى أو للادخار. ورغم الفوائد المباشرة للقرار، تُثير التجارب الدولية مخاوف حول الآثار الجانبية المحتملة لسياسات تجميد الإيجارات، قد تؤدي إلى انخفاض المعروض من المساكن للإيجار، وقد تظهر أسواق موازية غير رسمية حيث يُطلب من المستأجرين دفع "أموال مفاتيح" أو رسوم إضافية للحصول على المساكن، خاصة في المناطق عالية الطلب، حسب إفادة خبيرين لـ "العربي الجديد". وتحاول الحكومة السعودية التصدي لهذه المخاطر من خلال آليات مراقبة صارمة تتضمن غرامات تصل إلى 12 شهراً من قيمة الإيجار، وتخصيص حتى 20% من الغرامات المحصلة لمن يُبلغ عن المخالفات، وفق تقرير نشرته "غلف بزنس" (Gulf Business)، مشيراً إلى أن منصة "إيجار" الحكومية تلعب دوراً محورياً في مراقبة السوق ومنع التلاعب، لكن فعالية هذه الآليات ستعتمد على قوة التنفيذ والإشراف المستمر. القطاعات المستفيدة من تثبيت الإيجارات يشير الخبير الاقتصادي، ربيع بدواني مخلوف، بحديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن قرار تجميد زيادات الإيجار في الرياض لمدة خمس سنوات تدخل مباشر في أحد أهم بنود الإنفاق الأسري وأكثرها حساسية بالنسبة للطبقات المتوسطة وذوي الدخل المحدود، خاصة بعدما شهدت الإيجارات السكنية خلال العامين الماضيين ارتفاعات متتالية بلغت في بعض الفترات أكثر من 10%، ما جعل السكن عامل ضغط رئيسيا على ميزانيات الأسر. ويوضح مخلوف أن تثبيت الإيجارات يوفر لهذه الفئات استقراراً مالياً ضرورياً، ويحول دون انتقال العبء من سنة إلى أخرى بصورة تراكمية، ما يُترجم قدرة أفضل على تلبية الاحتياجات الأساسية، ويقلل من خطر الانزلاق نحو السكن غير اللائق أو الانتقال إلى ضواح بعيدة، الأمر الذي يضعف نوعية الحياة للطبقات المتوسطة، كما أن هذا الاستقرار يفتح مجالاً أوسع للادخار والإنفاق الاجتماعي. ويضيف مخلوف أن الدراسات المقارنة تؤكد أن الأسر الأقل دخلاً تملك ميلاً أعلى للاستهلاك عند توفر دخل إضافي، ما يجعل القرار عاملاً في تنشيط الدورة الاقتصادية على مستوى الأحياء والقطاعات المحلية. غير أن تداعيات القرار السعودي لن تقتصر على ميزانيات الأسر، حسب تقدير مخلوف، بل ستنعكس إيجاباً على قطاعَي التجزئة والخدمات، إذ إن منع السكن من أن يكون المحرك الأول للتضخم يتيح توجيه الإنفاق المتاح نحو الطلب المحلي في متاجر المواد الغذائية والمطاعم ومراكز الخدمات، ما يعزز النشاط الاقتصادي القائم على الاستهلاك الداخلي. لكن في المقابل، يلفت مخلوف إلى أن تجارب مدن مثل برلين واستوكهولم وسان فرانسيسكو تُظهر أن تجميد الإيجارات قد يؤدي في بعض الحالات إلى انكماش المعروض، خاصة إذا اعتمد بعض الملاك على مدفوعات جانبية خارج النظام الرسمي. ومع ذلك، يرى مخلوف أن اعتماد منصة "إيجار" وإلزامية تسجيل العقود في السعودية، إلى جانب فرض غرامات تصل إلى قيمة إيجار سنة كاملة على المخالفين، يقلل كثيراً من احتمال ظهور سوق سوداء، ويزيد ثقة المستأجرين بحماية حقوقهم. توجيه الإنفاق ومخاطره في السياق، يؤكد الخبير بمكتب استشارات في لندن، علي متولي، لـ"العربي الجديد"، أن تجميد زيادات الإيجارات في الرياض إجراء اقتصادي يهدف في جوهره إلى حماية القوة الشرائية للأسر، لا سيما الطبقتين المتوسطة ومنخفضة الدخل، ففي المدن الكبرى التي تشهد تطوراً حضرياً متسارعاً، يشكل السكن عبئاً كبيراً على الميزانية الأسرية، إذ قد تستحوذ تكاليفه على ما بين 30% و40% من الدخل الشهري. وهذا العبء الكبير يضعف قدرة الأسر على تغطية نفقات أساسية أخرى مثل التعليم، والصحة، والمواصلات، والغذاء، ما يترك جزءاً ضئيلاً من الدخل، إن وُجد، للادخار أو لمواجهة الطوارئ، ومن هنا فإن تثبيت الإيجارات يولد أثراً مباشراً يتمثل في تحرير جزء من الدخل يمكن توجيهه إما للادخار الاحتياطي، أو لسداد الديون، أو لتعزيز الودائع، ما يمنح الأسر هامشاً مالياً أكبر للاستقرار، بحسب متولي. ومن شأن هذا الاستقرار أن يخفف التقلبات المفاجئة في فواتير المعيشة، ويقلل من ضغوط التنقل المتكرر بحثاً عن سكن أرخص، وهو ما يعده متولي عاملاً نفسياً ومالياً يعزز ثقة المستهلك، ويدعم قدرته على الإنفاق على السلع الضرورية وحتى شبه المعمرة. ويلفت متولي إلى أن كل ريال لا يُنفق على الإيجار يصبح قابلاً لإعادة توجيهه نحو قطاعات محلية حيوية مثل الغذاء والتعليم والرعاية الصحية وصيانة المركبات والأجهزة، بل وحتى الترفيه، ما يحفز الطلب المحلي ويدعم النشاط الاقتصادي في قطاعات متعددة، بما ينسجم مع أهداف رؤية السعودية 2030. ويشير متولي إلى أن هذا التوجيه الإضافي للإنفاق من شأنه أن ينعكس إيجاباً على النظام المالي، عبر زيادة الودائع قصيرة الأجل، ما يوفر للبنوك قاعدة تمويل أرخص تسهم في دعم تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة، خاصة في القطاعات المحلية المرتبطة بالخدمات والتصنيع. إلا أن متولي يحذر، في الوقت ذاته، من أن هذه السياسة ليست خالية من المخاطر، إذ إن تجميد الزيادات دون مواكبتها بسياسات فعالة لزيادة المعروض السكني، سواء عبر تطوير مخططات جديدة أو تسريع تشغيل المخزون الحالي من الوحدات أو تحفيز التطوير العقاري التجاري والمؤسسي، قد يؤدي إلى اختلال في توازن السوق. فمع استمرار الطلب وتباطؤ العرض، قد يلجأ الملاك إلى آليات غير مباشرة لتعويض فقدان القدرة على رفع الإيجار، مثل فرض متطلبات تأمين أعلى، أو فرض رسوم خدمية مبالغ فيها، أو إبرام عقود تمييز بين مستأجرين، أو حتى التوجه إلى السوق غير الرسمية. كما يشير متولي إلى أن تثبيت الإيجار لفترة ممتدة قد يؤدي إلى تجميد القيمة الاسمية للإيجار، في حين أن التكاليف التشغيلية للملاك مثل الصيانة والتمويل والتأمين قد ترتفع، ما قد يدفعهم إلى خفض جودة الخدمات أو تأجيل الصيانة، ما ينعكس سلباً على جودة الوحدات السكنية. ولمعالجة هذه الثغرات، يرى متولي أن الحل يكمن في تعزيز الشفافية عبر توحيد توثيق العقود، وتحديد سقف واضح للرسوم الإضافية، وتفعيل آليات للإبلاغ عن المخالفات مع فرض غرامات رادعة تمنع التحايل.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية