
عربي
تعهّد الرئيس السوري أحمد الشرع، خلال استقباله من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في الكرملين أول من أمس الأربعاء، بـ"احترام ما مضى من اتفاقات مع روسيا" من دون تحديد ما إذا كان ستطرأ أي تعديلات عليها، ما فتح الباب على ما يبدو أمام علاقات جديدة بين البلدين، تحكمها المصالح المشتركة. علماً أن العلاقات السورية الروسية منذ إسقاط بشار الأسد، في الثامن ديسمبر/ كانون الأول الماضي، شهدت انفتاحاً تدريجياً، وصولاً لزيارة الشرع الأولى إلى موسكو، مهدت لها زيارات متبادلة بين البلدين.
تأكيد على العلاقات السورية الروسية
بموازاة ذلك، قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف في تصريحات صحافية أمس الخميس، إن بوتين والشرع تناولا في محادثات دامت لعدة ساعات "كل المواضيع المتعلقة بين البلدين، بما في ذلك موضوع القواعد العسكرية الروسية في سورية"، في إشارة إلى قاعدة حميميم الجوية في محافظة اللاذقية والقاعدة البحرية في طرطوس. وفي مؤشر على تعزيز العلاقات السورية الروسية بالتزامن مع الزيارة، ذكر نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك، أن الرئيسين اتفقا على "عقد اجتماع قريب للجنة الحكومية الروسية السورية المشتركة (كانت قيد المراجعة من دمشق بعد إسقاط الأسد ضمن اتفاقات ثنائية أخرى)، لبحث مشاريع التعاون الجديدة بين البلدين". وأضاف في تصريحات لوسائل إعلام روسية عقب الزيارة أن سورية "تمر بمرحلة إعادة بناء شاملة"، ولديها الكثير "من البنى التحتية المدمّرة، خصوصاً في مجالات الطاقة والنقل والسكك الحديدية"، مؤكداً أن "روسيا مستعدة لتقديم الدعم اللازم عبر شركاتها المهتمة بالاستثمار في هذه القطاعات". كما شدد نوفاك على أن روسيا تنظر إلى التعاون مع سورية على أنه "شراكة استراتيجية طويلة الأمد"، وأن موسكو "مستعدة للمشاركة الفاعلة في إعادة إعمار البلاد وتوسيع التعاون الاقتصادي بين الطرفين".
وكان من أبرز تصريحات بوتين خلال استقبال الشرع، إعلانه أن روسيا مستعدة لإنجاز المشاريع المشتركة مع سورية واستئناف عمل اللجنة الحكومية المشتركة بين البلدين. من جهته، تعهد الشرع خلال الزيارة بـ"احترام ما مضى من اتفاقات مع روسيا" التي كانت أبرمتها مع نظام الأسد البائد، والتي تتضمن حكماً ما تم التوصل إليه بدءاً من 2015، وهو العام الذي شهد تدخلاً روسياً واسع النطاق في الصراع إلى جانب الأسد، والذي أدى إلى مقتل آلاف السوريين وتدمير الكثير من مرافقهم الحيوية، وتغليب كفة الأسد العسكرية لعدة سنوات.
وينبع هذا التعهد من حاجة سورية اليوم إلى الدعم الروسي، لا سيما في المجال العسكري، فالجيش السوري منذ خمسينيات القرن الماضي، يعتمد على التسليح الروسي. ودُمرت أغلب القدرات العسكرية السورية خلال سنوات الحرب، وما بقي منها دمره الاحتلال الإسرائيلي خلال غارات متوالية بعد إسقاط نظام الأسد في ديسمبر الماضي. في المقابل، للجانب الروسي مصلحة في مساندة الإدارة السورية الجديدة في ملفات داخلية تملك فيها الكثير من الأوراق، لضمان استمرار النفوذ الروسي العسكري في شرق المتوسط. أما أبرز الاتفاقات بين سورية وروسيا، فتلك المتعلقة بالقاعدة الروسية في منطقة حميميم، والتي كرست سطوة الروس على سورية، وشكلت خط دفاع روسياً متقدماً شرقي المتوسط في سياق المناكفة مع الغرب. ويبدو أن الجانب الروسي حريص على بقاء هذه القاعدة التي كانت قبل العام 2015 مجرد مهبط حوامات، طورته وزارة الدفاع الروسية، بحيث بات قادراً على استقبال كل أنواع الطائرات، بما فيها المدنية. وحرصت الإدارة السورية الجديدة على عدم إلحاق أي أذى في هذه القاعدة. وأقامت روسيا قاعدة ما تزال موجودة في مطار القامشلي في أقصى الشمال الشرقي من سورية والخاضع اليوم لـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد).
وفي سياق العلاقات السورية الروسية السابقة، وقّع النظام السابق في عام 2017 اتفاقية مع الجانب الروسي لـ "توسيع أراضي المركز اللوجستي للبحرية التابعة للاتحاد الروسي في ميناء طرطوس، وزيارات السفن العسكرية للاتحاد الروسي إلى البحر الإقليمي والمياه الداخلية والموانئ السورية". تضمنت هذه الاتفاقية الكثير من التنازلات من النظام السابق لضمان استمرار الدعم العسكري والسياسي له في سياق الحرب التي كان يشنها على المعارضة السورية. وفي ذاك العام، وقّع النظام اتفاقية مع شركة ستروي ترانس غاز (STG) الهندسية الروسية، نصت على استثمار مناجم الفوسفات في البادية السورية، جنوب شرقي البلاد، مدة 50 عاماً.
مصير الاتفاقات السابقة
تعليقاً على مصير هذه الاتفاقات وغيرها على ضوء تعهّد الشرع باحترام الاتفاقات مع روسيا، أشار الباحث السياسي، مؤيد غزلان، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "تم الحديث خلال زيارة وزير الخارجية (السوري) أسعد الشيباني إلى موسكو (يوليو/ تموز الماضي)، عن إعادة صياغة أو تعديل الاتفاقات بما يضمن سيادة سورية ومصلحة البلدين على أساس مشترك وندي". وأضاف أن "زيارة الشرع إلى روسيا هي تتويج للمبادئ التي تم طرحها خلال الزيارات السابقة"، معتبراً أن "هذه الزيارات دليل على وجود نيات متبادلة لإرساء تفاهمات بعيدة المدى".
مؤيد غزلان: الطرف الذي يستطيع دعم معارضات طائفية في سورية والذي يستطيع ترجيح كفة سورية في الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة، هو روسيا
وبشأن المكاسب التي نالتها سورية من زيارة الشرع إلى روسيا، رأى غزلان أنه بما يخص العلاقات السورية الروسية فإن العلاقات الدولية "لا تقاس بالربح والخسارة"، موضحاً أن "الطرف الأقوى هو روسيا والطرف الناشئ هو سورية". وفي رأيه فإن "الطرف الذي يستطيع دعم معارضات طائفية في سورية والذي يستطيع ترجيح كفة سورية في الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة، هو روسيا"، وبالتالي "يجب تحييده بالمصالح العادلة والمشتركة". أما على الطرف الروسي، فذكر غزلان أن على روسيا دعم الحكومة السورية في عدة ملفات داخلية "إذا أرادت تعويض قمعها السابق للشعب السوري"، مضيفاً أن "طبيعة المرحلة تقتضي تحييدها عن الصراع بالمصالح المشتركة وبضمان أن يتاح لها تعويض سياساتها السابقة مع الشعب السوري عبر الدبلوماسية، ورفد السياسة الداخلية السورية". كما اعتبر أن زيارة الشرع إلى موسكو "تعني نهاية لما رُوّج له عبر وسائل الإعلام عن نيّة روسيا دعم إقامة إقليم ذي طابع طائفي في منطقة الساحل السوري".
وبينما لم يعقد الرئيسان الشرع وبوتين مؤتمراً صحافياً بعد انتهاء المباحثات التي شارك فيها كبار المسؤولين في البلدين، عزا المحلل السياسي المختص بالشأن السوري، طه عبد الواحد، الأمر إلى عدم حل بعض "المسائل الشائكة والمعقدة" في هذه الزيارة. وأضاف في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "يبدو أن الطرفين تجنبا إحراجاً يمكن أن يحدث في حال عقد المؤتمر وطرح الصحافيين أسئلة حول ملفات حساسة كمصير بشار الأسد الذي لجأ إلى روسيا، ومصير القواعد الروسية العسكرية في سورية".
طه عبد الواحد: ستخضع الاتفاقات المبرمة بين البلدين خلال الفترة الماضية للتعديل
وفي رأي عبد الواحد، والمقيم في موسكو، فإن المسؤولين في البلدين يريدون بناء العلاقات السورية الروسية "انطلاقاً من واقعية سياسية تطوي صفحة الماضي"، مضيفاً أن "الطرفين اتفقا على إبقاء الملفات الحساسة بعيداً عن الصخب الإعلامي حتى يتم التوصل إلى اتفاقات نهائية ورؤى مشتركة حولها". وستخضع الاتفاقات المبرمة بين البلدين خلال الفترة الماضية، وفق عبد الواحد، "للتعديل ولن تبقى كما هي"، لافتاً إلى أن "الجانب الروسي أكد أكثر من مرة أن موسكو تدرك جيداً أن هناك أوضاعاً جديدة في سورية، وأنها مستعدة لإعادة النظر في الاتفاقات المبرمة بين البلدين". ورجّح أن يتم توقيع بروتوكولات إضافية على الاتفاقات السابقة بما يتناسب مع مصالح البلدين.
