كيف يأتي 20 يناير 2029؟
عربي
منذ 3 أيام
مشاركة
ماذا تسمّى جلسة التعذيب التي خضعنا لها أمام شاشات التلفزيون مباشرة على الهواء من شرم الشيخ عصر يوم الاثنين؟ أمّا الذي حصل في الكنيست الإسرائيلي قبل احتفالية المنتجع المصري بساعات، فقد اعتاد العالم على مشاهدة فصول مكرّرة منه في كل مرّة يخطب بنيامين نتنياهو في الكونغرس الأميركي، فيمضي الإعلامي المشاهد أو المتابع المازوشي ساعة من يومه في سماع ضجيج تصفيقٍ متواصلٍ ومراقبة ابتساماتٍ بلهاء، ويستمع إلى أكاذيب وتزوير واحتفال بالقتل وتحريض على ارتكاب المزيد منه، والمزايدة في إهانة المنطق وتعظيم محاسن الحروب. وما كان ينقص جلسة الكنيست أول من أمس إلّا طلب ترامب من الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ العفو عن بنيامين نتنياهو الذي يحاكَم بتهم فساد وجهت إليه منذ 2019، فـ"مَن يهتم برشى من نوع سيغار وشمبانيا؟" على قولة الرئيس الأميركي؟ في المنتجع المصري، كان الاستعراض مملاً وتافهاً بطله كالعادة دونالد ترامب وسط زعماء 20 دولة عربية وغربية رافقهم رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جياني إنفانتينو (!!). عدد كبير من الحاضرين بدوا مضطرّين لتحمّل جلافة الرجل ونرجسيّته وغروره وقلة احترامه البشر والمواعيد إرضاءً له، ورغبة منهم في تفادي غضبه وحَرَده، مع أنّ في تلك الخشية كثير من المبالغة التي تُفاقم غرور الرئيس الأميركي وتغوّله وتجبّره واحتقاره ضيوفه ومضيفيه، وهو يفيض من هذه السلوكيات في كل مرّة يومئ برأسه أو يغمز أو يبتسم أو يؤشّر بإصبعه أو يدلي بتعليق مهين أو غبي أو ثقيل الدم أو ينصُب فخاً لرئيس ضيف أو مضيف. لكن منح قرينة البراءة عبر القول إنّ جميع ممثلي الدول كانوا مضطرّين لممالأة ترامب في شرم الشيخ "من أجل غزّة"، فيه مغالاة، ذلك أن بين الحاضرين يوم الاثنين على ساحل البحر الأحمر زعماء عرب وأجانب يرون في ترامب قدوة ونموذجاً، ويتلقّون مقابل هذا الحب تفضيلاً في المعاملة، وإلّا ما الذي أتى برئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، المؤيد المطلق لإسرائيل، اليميني المتطرّف، الشعبوي القومي وصديق فلاديمير بوتين وعميله داخل الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، إلى احتفال ــ قمة اتفاق إنهاء الحرب على غزّة؟ أوربان من صنف السياسيين المفضّلين عند ترامب، مع أن جلسة يوم الاثنين لم تسمح له بذكره بالاسم، بسبب ظروف المناسبة البعيدة عن المجر التي لا تؤدّي دوراً في القضية الفلسطينية إلّا دعماً لإبادة الغزّيين، وسرقة أرضهم، ونقل سفارتها لدى إسرائيل إلى القدس. لكن ترامب في حفلة استعراض جلافته وجد فرصةً ليخبرنا من "يحب" بشكل خاص، وسمّى رجب طيب أردوغان وعبد الفتاح السيسي، لأنهما من الزّعماء "الأقوياء لا الناعمين" على حدّ تعبيره. ومحبّته لهما سبق له أن باح بها مراراً، حتى أنه وصف السيسي يوماً بـ"ديكتاتوري المفضّل" وعاد ليناديه أول من أمس الاثنين، "الرئيس والجنرال معاً". في استعراض يوم الاثنين، حضر كل شيء إلّا السياسة. حضرت إهانة زعماء الدول عبر تأخير موعد القمة ــ الاحتفال خمس ساعات أمضاها ترامب في إسرائيل يتلقّى ميداليات وتصفيقاً وإشادات من متعطّشين للدم قاطعها النائبان أيمن عودة وعوفر كسيف برفعهما لافتة "اعترف بفلسطين". حضر الكلام الفارغ من أي معنى على لسان ترامب كالعادة من نوع "استغرق الأمر ثلاثة آلاف سنة لكي نصل إلى توقيع هذا الاتفاق". زاد الغموض غموضاً بالنسبة إلى كيفية تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق غزّة. لكن الأسوأ من ذلك كله أنّ المتأمل بتحويل ترامب السياسة إلى صفقة عقارية وتجارية، وما خرّبه في الاقتصاد والبيئة، وما ارتكبه احتقاراً للقانون والمرأة وقيم العدالة والمساواة والحقوق والعلاقات الدولية والأمم المتحدة وتمجيد منطق القوة وترويج التطرف والقومية والعنصرية والرجعية والحمائية والشعبوية والذكورية، لا يفوته أنّ ذلك كله حصل في تسعة أشهر فقط، وأن الرجل باقٍ على هذا المنوال، وعلى الأرجح أسوأ، على الأقل حتّى 20 يناير/ كانون الثاني 2029. هذا إن لم يتمكّن من تحقيق حلمه بالبقاء رئيساً حتى الممات وربما توريث المنصب لأحد أولياء العهد.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية