"العربي الجديد" يجول مع "يونيفيل" عند الخط الأزرق
عربي
منذ 3 أيام
مشاركة
لم يكن المسار إلى ميس الجبل حيث مقر الكتيبة النيبالية في قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "يونيفيل" سهلاً، إذ غيّرت الاعتداءات الإسرائيلية معالم الطرقات والقرى الحدودية في جنوبي لبنان، وقطعت أوصال البلدات، ما يُعقّد عملية الوصول إلى أي منطقة. حتى الاستعانة بتطبيق "خرائط" للوصول إلى القرية التابعة لقضاء مرجعيون في محافظة النبطية وتبعد عن بيروت نحو 110 كيلومترات، لا ينفع، إذ فجأة تصل السيارة إلى مكان مُدمّر بالكامل، وبالكاد تستطيع العبور فوق الحجارة والركام. من بيروت إلى ميس الجبل الواقعة على حدود فلسطين المحتلة، تطلّب الوصول إلى مقر "يونيفيل" أكثر من ساعتين ونصف الساعة، فالمرور بالبلدات الحدودية المدمَّرة في جنوب نهر الليطاني، حجراً، وشجراً وثروة حيوانية، كان أشبه بالعبور نحو المجهول، خصوصاً في المناطق العازلة (المعزولة بحكم الواقع، إذ إضافة إلى الدمار الواسع، يواصل الجيش الإسرائيلي احتلال خمس تلال حدودية تقع جنوبي لبنان، فيما يستمر باعتداءاته شبه اليومية في مناطق أخرى، ما يشكل تهديداً للسكان حتى في القرى التي انسحب منها)، وتلك التي طاولتها أعمال التجريف الإسرائيلية إبّان التوغل البري، حيث تصعب الاستعانة بأي من المارّة لسؤالهم عن الوِجهة، باستثناء دوريات قوات حفظ السلام وحواجز الجيش اللبناني. ويمكن الاستدلال من خلالهم عن الطريق من باب الحذر والدقّة، وتفادياً لأي مسار خاطئ قد يوصل إلى نقاطٍ يتمركز فيها جيش الاحتلال. دمار واسع بالتجوّل في القرى الحدودية المحاذية للخط الأزرق (الخط الحدودي بين لبنان وفلسطين المحتلة الذي رسمته الأمم المتحدة بعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في عام 2000)، يمكن ملاحظة آثار الدمار التي خلّفها جيش الاحتلال، وسط وجود دورياته، خصوصاً على صعيد الطرقات والحدائق والأراضي الزراعية التي كانت لها حصّة من القصف الفوسفوري والعنقودي. يأتي ذلك إلى جانب المنشآت التي تعرّضت لأضرار جسيمة، إذ لتدميرها استخدمت إسرائيل على نطاق واسع المتفجرات التي تزع يدوياً والجرافات. كما لم يوفر الدمار المساجد والمدافن والحسينيات والكنائس وغيرها. علماً أن "يونيفيل" نفسها لم تسلم من الاعتداءات الإسرائيلية المباشرة وغير المباشرة أيضاً، منها في حولا وكفركلا، وميس الجبل. من خلال الاستعانة بقوات الكتيبة النيبالية "NEPBATT"، المسؤولة عن نطاق بلدات عدة منها ميس الجبل وبليدا ومحيبيب وحولا وطلوسة وشقرا ومركبا ومجدل سلم، ومرافقتهم في آلياتهم تمكن "العربي الجديد" من الوصول إلى نقاط يعدّ من الخطر وصول المدنيين إليها. واطلع "العربي الجديد" من خلالهم على نشاطهم على طول الخط الأزرق، والعمليات التي ينفذونها، خصوصاً بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. وعاين "العربي الجديد" يوم الجمعة الماضي، بعض البلدات، وجال على مواقع تابعة للكتيبة النيبالية، منها ما كان يُشرف على إحدى النقاط اللبنانية التي تحتلها إسرائيل في خراج بلدة حولا، والتي يمكن ملاحظة وجود أجهزة مراقبة بداخلها، إلى جانب دشم أو تحصينات، وكاميرات. علماً أن من أبرز التعليمات عند الاقتراب من هذه النقطة كان ضرورة ألا يكون بحوزة من يصل إلى المنطقة أي ليزر أو ما يمكن أن تلتقطه الإشارات الإسرائيلية. كما أن النقطة تُشرف على مستوطنة مرغليوت، التي شنّ حزب الله عمليات ضد تجمّعات عسكرية فيها خلال العدوان الأخير. وتسمّى هذه النقطة تلة الدواوير، والتي تبعد 300 متر تقريباً عن الخط الأزرق، وترتفع نحو 750 متراً عن سطح البحر، وتشرف من الجهة اللبنانية على قرى حولا ورب ثلاثين ومركبا المواجهة لمرغليوت. مهمات "يونيفيل" خلال الجولة، يشرح عناصر من "يونيفيل" بعض التفاصيل حول مهماتهم، فالكتيبة التي قدمت إلى الجنوب في عام 1978 ويشارك فيها نحو 870 عنصراً، يجري تبديلهم سنوياً، تنفذ دوريات راجلة يومياً على طول الخط الأزرق في أكثر من فترة زمنية خلال النهار. ويرتكز عمل الكتيبة على المراقبة والرصد والإبلاغ عن الوضع الأمني على الأرض، فيما يكتفي عناصرها بالإبلاغ عن أي نشاط مشبوه في منطقة عملياتها. كما تواصل مهماتها انطلاقاً من تطبيق القرار الأممي 1701 (الذي وضع حداً للعدوان الإسرائيلي على لبنان في صيف 2006)، مع الحرص على حفظ الاستقرار في المنطقة وتثبيته، والتأكيد على أن جميع الأنشطة العملياتية منسّقة مع الجيش اللبناني. وتمتلك الكتيبة نقاط مراقبة دائمة وأخرى بديلة، ويمكنها أن تنشئ مواقع سريعة بحيث يكون تفكيكها سهلاً حسب الموقف. وأحياناً يستمر عمل نقطة المراقبة ما بين 15 و20 دقيقة، مع إنشاء نقطة مراقبة أمامية لمراقبة الأنشطة غير العادية بالقرب من الخط الأزرق. وتحرص في الوقت نفسه، إضافة لأنشطتها الميدانية العسكرية، على تنفيذ أنشطة مدنية إلى جانب السكان، وتنظيم دورات لتعليم الكمبيوتر للمدنيين، وإقامة احتفالات في مناسبات مختلفة، إلى جانب دعم المدارس الرسمية وتقديم المساعدات اللازمة لها، منها في المجال الصحي. وفق عناصر "يونيفيل" الوضع الميداني لا يزال دقيقاً جنوبي لبنان ولا ينكر العناصر لدى سؤالهم عن الوضع الميداني بأنه لا يزال دقيقاً والمطلوب من جميع الأطراف الالتزام (بالقرارات الأممية واتفاق وقف إطلاق النار) من أجل تثبيت الاستقرار ووقف الخروقات، باعتباره أمراً ضرورياً من أجل عودة السكان. بحسب هؤلاء، فإن بعض القرى الحدودية شهدت عودة حذرة لبعض المواطنين اللبنانيين، منهم من نجت منازلهم ومحالهم ومؤسساتهم من الدمار الكامل ويحاولون تسيير أمورهم، ومنهم من دمّرت ممتلكاتهم بالكامل. وعلى حد تعبيرهم، فإن غالبية القرى المحاذية للخط الأزرق دمرت بنسبة 95%، بينما القرى الأبعد مسافة بقليل تصل نسبة الدمار فيها إلى نحو 70%. ويعمل عناصر "يونيفيل" إلى جانب الجيش اللبناني على تقليص المخاطر، فيما يؤكدون أن العمليات مستمرة يومياً، "لتنظيف المنطقة بشكل نهائي من السلاح، إذ إن السلاح يجب أن يكون في أيدي القوى المسلحة اللبنانية الشرعية". كذلك، لا يخفي بعض العناصر عند سؤالهم عن وضع "يونيفيل" في لبنان أن تقديراتهم تذهب نحو أن هذا التمديد سيكون الأخير لهم (يمدد لـ"يونيفيل" سنوياً، فيما صوّت مجلس الأمن في أغسطس/ آب الماضي لصالح إنهاء مهمة القوة الأممية في عام 2027)، خصوصاً أن التمويل تقلّص جداً. لكنهم في المقابل، يعبّرون عن "حبّهم للأهالي وحسن العلاقة بين الطرفين على مرّ السنوات الماضية". وبعكس الدمار الكامل الذي طاول قرى حدودية بمحاذاة الخط الأزرق، منها بليدا، بدأت بلدة مجدل سلم تستعيد حيويتها تدريجياً، مع عودة بعض السكان إليها، خصوصاً مَن لم يخسروا ممتلكاتهم بالكامل. وشهدت البلدة، يوم الجمعة الماضي، تدشين مساعدات قُدّمت لمدارس رسمية، بدعم من الكتيبة النيبالية بالتعاون مع بلدتي شقرا ودوبيه ومجدل سلم. وتسعى بلدية ميس الجبل بدورها لإنجاز مشروع إنشاء المجمع المدرسي المؤقت، إذ انتهى تجهيز غرف الإدارة ومعظم غرف التعليم وسُلّمت لإدارات المدارس مع إتمام أعمال التركيب والتمديدات الصحية والكهربائية، وسط استمرار تجهيز السياج الخارجي ولوازم أخرى. من جهته، يقول رئيس بلدية ميس الجبل حبيب قبلان، لـ"العربي الجديد"، إن الدمار كبير في ميس الجبل، إذ إن نحو 3200 وحدة سكنية تعرضت لدمار كلي، لافتاً إلى أن "الأمور تسير تدريجياً، ويمكن وصف الوضع بالجيد جداً". ويوضح أن "نحو 700 عائلة عادت، فيما يُحكى عن تعويضات ستُقدم لترميم المنازل"، وفي رأيه، إذا دُفعت فإن "ميس الجبل ستعود كما كانت". ويلفت قبلان إلى أن "ميس الجبل أنجزت أيضاً مشروع إنشاء المجمع المدرسي المؤقت وسيفتتح قريباً"، مشيراً إلى أنه "في الشتاء، قبل العدوان، كان عدد السكان يقارب ما بين 1300 و1400، واليوم نجد نصفهم، وهذا أمر جيد". على صعيد آخر، يقول أحد أبناء ميس الجبل (فضّل عدم ذكر اسمه)، لـ"العربي الجديد"، إن الوضع حذر في البلدة، لكن الأهالي اعتادوا ذلك، فتاريخياً، لا أمان مع العدو، ونحن نعلم أنه بأي لحظة يمكن أن يعتدي ويوسّع اعتداءاته ويضرب الحجر والبشر". لكنه يشدد على أنه "مع ذلك هذه أرضنا، ونريد أن نعود إليها رغم الدمار الكبير فيها". وفي وصفه للحياة اليومية في البلدة، يقول إن "لا حركة طبيعية في ميس الجبل، وهي تختلف بين يوم وآخر حسب الوضع الميداني، وهناك من يتوجّه إليها في عطلة الأسبوع، منهم من يأتون للاطمئنان على بيوتهم وأرزاقهم، وآخرون بدأوا عمليات الإصلاح والترميم، فيما يتجه بعضهم نحو أراضيهم الزراعية ويحاولون العمل فيها، خصوصاً تلك التي لم تتضرّر". ويختلف الوضع بين قرية وأخرى من القرى الحدودية، بحسب الرجل نفسه، موضحاً أن "هناك قرى لا حياة فيها نهائياً في ظل الدمار الكبير الذي طاولها وقُربها من النقاط التي تحتلها إسرائيل، وهي لا تزال عرضة للقصف والاعتداءات، فيما هناك قرى تختلف نسبة الدمار فيها، إذ نجد أن الأهالي يحاولون العودة سواء للسكن أو لزيارات للاطمئنان أو للترميم، ونأمل أن يعود الجميع قريباً إليها". غانيش راج بانثا: "يونيفيل" واصلت مهامها في الجنوب مع التركيز على دعم القوات المسلحة اللبنانية الكشف عن أنشطة عسكرية منذ اتفاق وقف إطلاق النار في نوفمبر 2024، يقول قائد الكتيبة النيبالية غانيش راج بانثا، لـ"العربي الجديد"، إن "يونيفيل" واصلت مهماتها في الجنوب مع التركيز على الحفاظ على الاستقرار ودعم القوات المسلحة اللبنانية في منطقة عمليات الكتيبة، إلى جانب تكثيف التنسيق مع القوات المسلحة اللبنانية والقيام بعمليات مستقلة. وتشمل المهمات المنتظمة، بحسب بانثا، دوريات المركبات على الخط الأزرق، والدوريات المشتركة مع القوات المسلحة اللبنانية، وعمليات مكافحة إطلاق الصواريخ (CRLO)، ودعم إزالة الأنقاض والحطام، والدوريات المشتركة مع احتياطي قائد القوة (FCR). ويشير بانثا إلى أن أنشطة الكتيبة تبرز الدور الاستباقي لها في تعزيز الأمن، ودعم الجهود الإنسانية وجهود تحقيق الاستقرار، بما يتماشى مع مهمة "يونيفيل" الأوسع. ويؤكد بانثا أنه في منطقة عمليات الكتيبة النيبالية، فإن العلاقة مع السكان ظلت إيجابية ومتعاونة، حتى في خضم الاضطرابات الأخيرة (انتهاكات إسرائيلية، أو احتكاكات مع السكان خلال تنفيذ دوريات أخرى لـ"يونيفيل")، ويعود ذلك في المقام الأول إلى مشاركة الكتيبة المستمرة من خلال أنشطة التعاون المدني العسكري (CIMIC) في جميع البلديات تقريباً. وتشمل مبادرات الكتيبة تنظيم مخيمات طبية، والتبرع بالمياه لمستشفى ميس الجبل، وإجراء لقاءات مع القادة الرئيسيين، مع رؤساء البلديات والمسؤولين المحليين، ودعم مشاريع مجتمعية مُختلفة. ولقد رفعت هذه الجهود المتواصلة الثقة وحسن النية، ما عزز بالتالي دور الكتيبة بوصفها قوة استقرار ودعم في المنطقة. ويلفت قائد الكتيبة النيبالية إلى أنه في التاسع من أغسطس الماضي، اكتشفت الكتيبة بالتنسيق مع فريق الهندسة الإسباني مستودع أسلحة في بلدة محيبيب في عملية سُمّيت بـ"ترايدنت غارد 4". وسلّمت الأسلحة المكتشفة إلى الجيش اللبناني بشكل رسمي وفق ولاية "يونيفيل" وإجراءات التشغيل القياسية. وإذ يلفت بانثا إلى أن الكتيبة لا تقدّم شكاوى رسمية مباشرة ضد الهجمات الإسرائيلية، يشير إلى أنها تبلغ مقر القيادة في القطاع الشرقي بجميع الحوادث والانتهاكات فوراً، الذي بدوره يتخذ الإجراءات المناسبة من خلال آليات الإبلاغ والتنسيق المعمول بها في "يونيفيل".

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية