جدل مصري حول تعيين أحمد مراد في مجلس الشيوخ
عربي
منذ 4 أيام
مشاركة
في كتابه "عباس العقاد في تاريخ الصحافة المصرية"، يذكر الكاتب راسم محمد الجمال أن العقاد هدد الملك فؤاد تحت قبة البرلمان عام 1930 قائلاً: "ليعلم الجميع أن هذا المجلس مستعد لأن يسحق أكبر رأس في البلاد في سبيل صيانة الدستور وحمايته". لم تمر الواقعة مرور الكرام، إذ اتُهم العقاد بالعيب في الذات الملكية (إهانة الملك) وسُجن تسعة أشهر، لكنه خرج من السجن ومكانته أكثر رسوخاً؛ مثقف يرى في الكلمة سلطة موازية لسلطة الحكم. بعد نحو تسعة عقود، يُستعاد المشهد نفسه ولكن بصورة مختلفة تماماً، مع تعيين الروائي وكاتب السيناريو أحمد مراد عضواً في مجلس الشيوخ المصري، وهو الغرفة الثانية للبرلمان التي تضم عدداً من المعيّنين بقرار من رئيس الجمهورية. لا تتعلق المسألة هنا بمجرد انضمام كاتب إلى مؤسسة تشريعية، بل بما يعكسه هذا التعيين من تحول أعمق في تصور الدولة لوظيفة المثقف ودوره في المجال العام. فبينما مثّل العقاد نموذج المثقف الذي يرى في المنبر السياسي ساحةً للمساءلة والدفاع عن القيم المدنية، يبدو أن تعيين مراد يأتي في سياق مختلف، تُمنح فيه الثقافة وظيفة زخرفية تُضفي على المشهد الرسمي مظهراً من التنوع والانفتاح، دون أن تفتح الباب بالضرورة أمام النقاش أو الجدل. على امتداد تاريخ الحياة النيابية في مصر، كان هناك وجود بارز للمثقفين المصريين داخل البرلمان، وبرزت أسماء مهمة مثل أحمد لطفي السيد والعقاد وتوفيق الحكيم. تلك الأسماء مثّلت ما يمكن تسميته بالمثقف المشتبك، الذي يدخل المؤسسة الرسمية من موقع النقد والمساءلة، لا من موقع التجميل، ثم لاحقاً أنيس منصور وسكينة فؤاد ويوسف القعيد وفاروق جويدة، ورغم أن حضورهم اتسم في كثير من الأحيان بالنقد الهادئ والرمزي، فإنهم استندوا إلى تجارب إبداعية مشغولة برصد تحولات الوعي العام والسعي إلى التعبير عنه. كان هناك وجود بارز للمثقفين المصريين داخل البرلمان غير أن التعيينات الأخيرة في مجلس الشيوخ تشير إلى تبدّل هذا الدور، من المثقف الذي يؤثر في القرار العام، إلى مثقف يُستدعى لتمثيل صورة من صور النجاح الجماهيري أو الشعبية الأدبية. ينتمي أحمد مراد إلى جيل مختلف من الكتّاب الذين صاغوا شهرتهم عبر وسائط جماهيرية كالسينما والسوشال ميديا، أكثر مما صاغوها عبر المعارك الفكرية أو الجدل النقدي. أعماله، التي تمزج بين الخيال البوليسي والعناصر التاريخية، حققت رواجاً واسعاً في سوق القراءة والترجمة والسينما، لكنها لم تُعرف بانخراطها في قضايا الفكر أو الحرية أو العدالة الاجتماعية. قد تتجاوز دلالة هذا التعيين شخصية أحمد مراد إلى ما يمكن تسميته بمنطق المثقف المأمون في تصور السلطة للثقافة. ففي الوقت الذي تتراجع فيه الوظيفة التنويرية للمثقف بوصفه منتجاً للأسئلة والقيم النقدية، تبرز وظيفة أخرى تجعل منه واجهة رمزية أو "ديكوراً ثقافياً" ضمن مشهد رسمي يوازن بين السلطة والتمثيل الاجتماعي. يرى البعض أن عضوية المثقف في البرلمان لم تعد تكريماً لمكانته الأدبية والمعنوية، بقدر ما أصبحت أداة لضبط المجال الثقافي داخل إيقاع منظم وخالٍ من المفاجآت.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية