
عربي
في أحد ممرّات مستشفى السويداء الوطني، تتكئ السورية رشيدة العرب "أم نبيل" البالغة 65 سنة، على جدار باهت، حاملة حقيبة صغيرة فيها علبة دواء فارغة، وتقول بصوت متعب، إنها تراجع المستشفى منذ أسبوعين من أجل الحصول على دواء ارتفاع ضغط الدم، وإنهم في كل مرة يقولون لها إنه غير متوفر. بدوره، يقول المريض زهير السلمان (37 سنة): "طلبوا مني في المستشفى الحكومي الذهاب إلى عيادة خاصّة لأن الأجهزة معطلة، وهذا يعني تكاليف إضافية لا أقدر عليها".
ويلخص هذان المشهدان الواقع الصحي في محافظة السويداء، التي تعاني من انهيار قطاعها الصحي منذ أشهر، وسط نقص حاد في الأدوية والكوادر الطبية، ومشاكل متزايدة في تجهيزات المستشفيات. يقول نقيب أطباء السويداء، عمر عادل عبيد، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأزمة مزدوجة، إذ يشهد القطاع نقصاً حاداً في أعداد الأطباء، خصوصاً أطباء الاختصاصات النادرة، كما يعاني من هجرة الكوادر إلى الخارج، أو إلى القطاع الخاص، بسبب ضعف الرواتب وظروف العمل الصعبة. العديد من أطباء التخدير والجراحة والعناية المركزة وأطباء الأطفال هاجروا أو تركوا العمل الحكومي، والبقية يعملون فوق طاقتهم".
ويضيف عبيد أن "عدد الأطباء العاملين في القطاع الحكومي لا يتجاوز 150 طبيباً، بينما تحتاج المحافظة إلى أكثر من 300 طبيب لتغطية الاحتياجات، أي أنّ أكثر من نصف الوظائف الأساسية غير مغطاة. هذا النقص ينعكس مباشرةً على تقديم الرعاية الطارئة، إذ يجد المرضى أنفسهم أحياناً من دون أطباء متخصّصين في الحالات الحرجة، كما أن صيانة الأجهزة شبه معدومة بسبب ضعف التمويل، وتأخر وصول قطع الغيار".
ويوضح أن "المستشفى يضم نحو 500 سرير، بينما تحتاج المحافظة إلى أكثر من 800 سرير لتغطية المرضى، أما الأدوية الأساسية فتتوفر بنسبة لا تتجاوز 40%، ما يضطر المرضى إلى شرائها من الصيدليات الخاصة بأسعار مرتفعة، ما يزيد من معاناتهم في ظل وضع معيشي صعب".
والوضع الصحي أكثر صعوبة في قرى السويداء، إذ تضطر الأسر إلى قطع عشرات الكيلومترات للوصول إلى مستشفى، وسط ارتفاع أسعار النقل ونقص الوقود، ويعاني مرضى الريف على نحوٍ مضاعف، ليس من نقص الأدوية فحسب، بل من قلة المراكز الصحية، وغياب وسائل النقل، ونقص الكوادر الطبية في العيادات القريبة، وهؤلاء هم المرضى الأكثر ضعفاً، ويجدون أنفسهم في مواجهة مباشرة مع نظام صحي لا يستطيع تلبية احتياجاتهم.
ويواجه العاملون في القطاع الصحي ضغوطاً هائلة بسبب نقص التجهيزات والإمكانات. من مستشفى السويداء الوطني، يقول الطبيب فراس الخليل لـ"العربي الجديد": "نعمل لساعات طويلة من دون راحة، ونضطر للتعامل مع حالات طارئة ونحن غير مجهزين بالأدوات اللازمة. كل يوم هو معركة لإبقاء المستشفى يعمل، وهذا الضغط النفسي والجسدي يؤدي أحياناً إلى أخطاء طبية، ما يزيد معاناة المرضى، ويزيد إحباط الطواقم الطبية، ونقص التدريب والدعم للعاملين يزيد من حدة المشكلة، ويؤكد الحاجة إلى تدخل عاجل على مستوى الوزارة والمنظمات الدولية".
بدوره، يؤكد وزير الصحة السوري، مصعب العلي، لـ"العربي الجديد"، أن الوزارة جاهزة لتقديم الخدمات الطبية لجميع أبناء السويداء، مضيفاً أن هناك خطة لتعزيز الكوادر الطبية من خلال التعاقد مع أطباء اختصاصيين، وتأمين تجهيزات طبية عاجلة للمشفى الوطني في السويداء، وتمكنت الوزارة من إدخال العديد من شاحنات الدواء والأجهزة الطبية بالتعاون مع منظمات دولية.
في المقابل، يرى نقيب أطباء السويداء أنّ "هذه الوعود لم تنعكس حتى الآن على أرض الواقع، وأن الكادر الطبي لا زال يعمل في ظروف صعبة، وغير آمنة، فيما يظل المرضى في مواجهة مباشرة مع واقع متردٍ للقطاع الصحي".
وحذرت منظمة الصحة العالمية من أنّ المراكز الصحية في السويداء تعمل تحت ضغط هائل، مع نقص حاد في الكوادر والمعدات، مؤكدة أن المستشفى الرئيسي لم يعد قادراً على استيعاب المزيد من المرضى، وأن استمرار هذا الوضع قد يؤدي إلى انهيار شبه كامل للمنظومة الصحية في المحافظة.
وبينما تواصل وزارة الصحة الحديث عن "خطط دعم عاجلة"، ينتظر مرضى السويداء لساعات طويلة توفّر طبيب، أو جهاز يعمل، أو يبحثون عن دواء مفقود. ومع استمرار نقص الأدوية والمستلزمات الطبية، وتواصل هجرة الأطباء، يصبح من الصعب توقع تحسّن قريب في الخدمات الصحية، ما يضع السويداء أمام اختبار حقيقي للقدرة على الحفاظ على صحة السكان.
