"الدنيا" لمحمد بكري: دقائق كافية لتبيان واقع
عربي
منذ 3 أيام
مشاركة
  لا يحتاج المُراد قوله إلى أكثر من ست دقائق، فالمُراد قوله بصرياً مُكثَّفٌ وعميقٌ ومباشر من دون خطابية أو تلقين. "الدنيا" (2025)، لمحمد بكري (قصة يافا بكري، كتابة محمد بكري) يختزل الكثير من الحاصل بمتتاليات سينمائية تبدو لقطة واحدة (مدير التصوير: إبراهيم حنظل)، والمُنجز المكتوب خالٍ من كلّ كلامٍ، والمواربة الجمالية غير متكلّفةٍ في قولٍ يحمل غضباً وقهراً وقسوة وتحدّياً، والنصّ يرويه رجلٌ أعمى (محمد بكري)، ذو ملامح توحي باللاشيء، لكنّها تمتلك شرعية المواجهة وإنْ بصمتٍ تام. "الدنيا" يُقارن بين داخل (مطعم ممتلئ بروّاد، مع ضجيج مخفَّف، وضحكات عادية، واحتفالات غير محدّدة، ولا همّ إنْ لم تُحدَّد، فالأهمّ كامنٌ في مساحة أخرى) وخارج (بدءاً من شاشة تلفزيونية تنقل قصفاً وحشياً إسرائيلياً زمن حرب الإبادة في غزة، ثم بأصوات رصاص وقصف مخفَّفة بدورها، ولقطات عابرة للحاصل بعيداً عن داخلٍ كهذا)، والمقارنة تبوح بصُور كافية لفهم المُراد قوله، والتوليف (عمرو حوراني ومحمود بكري) يُكمِل الوظيفة الإبداعية في تثبيت "اللقطة الواحدة"، وفي تأكيد المقارنة، وفي جعل البوح البصري أجمل وأصدق. لا حكاية تُروى، بل لحظات في سهرةٍ، ومُراهِقةٌ (حنان بكري) توزّع ورداً على الطاولات رفقة شابّة (رنيم ضاهر) تحمل الصينية لها، وهذا بعد خبر على شاشة الجزيرة ينقل عن الدفاع المدني بغزة إعلانه أنّ هناك "50 شهيداً ومفقوداً في قصف إسرائيلي لمنزل بجباليا البلد الليلة الماضية". لن يحصل شيءٌ آخر. الكاميرا ترافق المُراهقة والشابّة بهدوء، والكلام الذي يُقال بين الساهرين والساهرات غير واضح، والابتسامات عادية على وجوه مختلفة، وصولاً إلى الرجل الأعمى الجالس إلى طاولةٍ خالية من كلّ مأكل ومشرب، والجالسة (يافا بكري) أمامه تنتظر معه اللاشيء ربما، قبل مغادرتهما. "الدنيا" فيلم تفاصيل (لن يحول سرد وقائعه دون مُشاهدته)، تُشكِّل انعكاساً لحالة متناقضة بين داخل وخارج، وبين أناسٍ يتمتّعون بسهرة وآخرين وأخريات يعيشون جحيم الأرض. لا إدانة، أقلّه ظاهرياً. فالأهمّ، كما يبدو، موجودٌ في سردٍ هادئ بكاميرا مكتفية بتصوير ما يظهر أمامها، بينما الناتج من هذا كلّه واضحٌ وصريح. دقائق قليلة كافية للإشارة إلى هذه "الدنيا" التي نعيش فيها راهناً.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية