
عربي
تواجه الكويت أزمة طاقة حادة دفعت الحكومة إلى تنفيذ انقطاعات كهرباء مبرمجة خلال فصل الصيف الماضي، ما سلط الضوء على الحاجة الملحّة لحلول بديلة، في مقدِّمها الطاقة الشمسية السكنية التي تحظى بشعبية متزايدة حول العالم، خاصة أن الكويت تتمتع بأكثر من 3300 ساعة من أشعة الشمس سنويًا، ما يجعلها بيئة مثالية لتوليد الطاقة الشمسية. وتعاني الكويت من عجز في إمدادات الكهرباء يصل إلى 1600 ميغاواط خلال فصل الصيف، ومن المتوقع أن يتفاقم ليصل إلى 5600 ميغاواط بحلول صيف 2029.
ويعود هذا العجز جزئيًا إلى اعتماد البلاد شبه الكامل على الوقود الأحفوري، حيث تنتج أكثر من 99% من كهربائها من حرق النفط والغاز الطبيعي، بينما لا تشكل الطاقة المتجددة سوى أقل من 1% من إجمالي التوليد، حسب تقرير لشركة "ريستاد إنيرجي" للطاقة المتجددة والكهرباء. وإزاء ذلك، بدأت السلطة العامة لشؤون الإسكان في الكويت بتطبيق مشروع تجريبي لتجهيز المساكن الحكومية الجديدة بألواح شمسية بقوة 3000 واط لكل منزل، مع التركيز على المجمعات السكنية في مدينة صباح الأحمد. ويهدف المشروع إلى تخفيف الضغط على الشبكة الكهربائية وتقليل استهلاك الطاقة التقليدية في القطاع السكني، بحسب تقرير منصة "بي في نو هاو" المتخصصة في تقنيات الطاقة الشمسية.
غير أن عدة عوامل تعيق استفادة عموم الكويتيين من هذه التقنية، في مقدّمِها التكلفة الأولية لتركيب الألواح الشمسية وأنظمة تخزين الطاقة، رغم انخفاض أسعارها تدريجيًا على مستوى العالم. كما تواجه الأنظمة الشمسية في الكويت تحديات بيئية خاصة تتمثل في درجات الحرارة المرتفعة التي تصل إلى 50 درجة مئوية والعواصف الترابية المتكررة التي تؤثر على كفاءة الألواح الشمسية ومتانتها، حسب تقرير نشرته منصة "ميغا بروجيكت" المعنية بشؤون مشروعات الطاقة والبنية التحتية.
وتنفق وزارة الكهرباء والماء والطاقة المتجددة الكويتية أكثر من 10 مليارات دولار سنويًا على دعم الوقود المستخدم في توليد الكهرباء، أي ما يعادل 3200 دولار لكل مواطن، ما يجعل تعرفة الكهرباء للكويتيين من الأدنى عالميًا بواقع 0.7 سنت أميركي لكل كيلوواط ساعة، بما يغطي 5% فقط من التكلفة الفعلية للحكومة، حسب دراسة نشرها معهد بيكر الأميركي. ورغم هذه التعرفة المنخفضة للمواطنين، شهدت الكويت زيادة في تحصيل فواتير الكهرباء والماء بنسبة 30% منذ إبريل/ نيسان 2025، حيث جمعت الوزارة حوالي 400 مليون دينار كويتي.
وفي هذا الإطار، يشير الخبير الاقتصادي، محمد رمضان، لـ "العربي الجديد"، إلى أن المشكلة الحقيقية لا تكمن في تكلفة إنتاج الكهرباء فقط، بل في آلية التحصيل، حيث لا تُرسل الحكومة فواتير استهلاك الكهرباء بشكل دوري للمشتركين. ونتيجة لذلك، تتراكم الفواتير دون علم المستهلكين، ما يُوحي بوجود عبء مالي أكبر مما هو عليه في الواقع. ويؤكد رمضان أن تكلفة الكهرباء التقليدية في الكويت لا تُقارن بتكاليف البدائل مثل الألواح الشمسية، التي تفوقها بكثير من حيث النفقات الأولية والتشغيلية، وعليه لا يوجد حافز اقتصادي كافٍ للاعتماد على الطاقة الشمسية في ظل توافر كهرباء رخيصة جدًا.
وفي السياق، يشير الخبير الاقتصادي، وضاح طه، لـ "العربي الجديد"، إلى أن مستقبل الطاقة الشمسية في الكويت يكتسب أهمية بالغة من جهتين رئيسيتين: البيئية والاقتصادية. فعلى الصعيد البيئي، يسهم الاعتماد على الطاقة الشمسية في تقليل الانبعاثات الناتجة عن محطات توليد الكهرباء التقليدية، التي تعمل إما على الوقود الثقيل أو الغاز، لافتًا إلى أن صحراء الكويت تمتلك مساحات شاسعة يمكن استغلالها لإنشاء مزارع طاقة شمسية مركزية لتوليد طاقة نظيفة.
وعلى الصعيد الاقتصادي، يشير طه إلى إمكانية اتباع نهج لامركزي من خلال تركيب الألواح الشمسية على أسطح المنازل والمساكن بشكل مستقل. ولفعل ذلك، يقترح تقديم تسهيلات ائتمانية للمواطنين على شكل قروض مخصصة لتركيب منظومات الطاقة الشمسية، ما يمكنهم من خفض فواتير الكهرباء بشكل ملحوظ. ونظرًا لأن فترات الحر الشديد في الكويت قد تمتد إلى ثمانية أشهر سنويًا، فإن الطلب على الكهرباء يرتفع بشكل كبير خلال هذه الفترة، ما يجعل الحلول الشمسية خيارًا عمليًا وفعالًا، حسب طه.
ويوضح الخبير الاقتصادي أن هذا التوجه يمكن أن يتخذ شكلين متوازيين: الأول لامركزي عبر المنازل، والثاني مركزي عبر مزارع أو محطات طاقة شمسية كبيرة تغذي الشبكة الكهربائية الوطنية عبر خطوط التوزيع المختلفة. ويخلص طه إلى أن الفائدة في هكذا توجه لا تقتصر على الحفاظ على البيئة فحسب، بل تمتد إلى تقليص الأعباء المالية على المواطنين من خلال خفض تكاليف إنتاج الكهرباء، وهو أمر يكتسب أهمية خاصة في ظل الظروف المناخية القاسية التي تشهدها الكويت.
