سياسة "إعادة ضبط المصنع" في مصر
عربي
منذ 4 أيام
مشاركة
هيمنت الدوائر الأمنية والعسكرية على المشهد السياسي في مصر، منذ العام 2013، ليس بالتدخل المباشر باختيار قيادات الأحزاب أو مرشّحيها للانتخابات فحسب، وإخضاعهم لمراجعة أمنية دقيقة، وإنما أيضاً بدفع عسكريين وأمنيين سابقين نحو الحياة السياسية، من خلال تدشين الأحزاب، أو المشاركة في قيادتها، والاستحواذ على نسبةٍ من تمثيلها البرلماني، سواء في مجلس النواب أو مجلس الشيوخ، ومن لا يتسع له المجال ليأتي انتخاباً يأتي تعييناً. وشهدت الحياة السياسية في مصر انتقالاً أكثر جذريةً نحو "عسكرة السياسة"، مع سيطرة القيادات العسكرية والأمنية على مفاصل العملين، الحزبي والبرلماني، بل وعلى هيكلية كل المؤسّسات المدنية، بما فيها مؤسّسات المجتمع المدني، وأصبح تأثيرهم جزءاً أصيلاً من بنية النظام الحاكم. وحرص النظام على وضع حدود صارمة للعمل السياسي في مصر بعد 2013، اتسمت بتقليص هامش الحرّيات والحفاظ على صورة ديمقراطية كرتونية، تحظى فيها أحزاب الموالاة وحدها بامتيازاتٍ واسعة، مقابل الولاء الكامل للسلطات. وارتبط ذلك بدرجة الثقة التي يمنحها النظام لهذه الفئات القادمة من المؤسّسة العسكرية التي تحكم البلاد فعليّاً، إذ يراها أكثر جدارة وولاءً من المدنيين، وأكثر قدرة على الالتزام بالخطوط العامة التي يحدّدها النظام. ومن ناحية ثانية، رسوخ العلاقة التبادلية بين الطرفين، إذ يضمن النظام لهؤلاء الضباط السابقين مكاناً ودوراً بعد خروجهم من الخدمة العسكرية أو الأمنية، بينما يقدّمون له، في المقابل، الولاء والانضباط وأداء الأدوار المطلوبة منهم، بما يضمن بقاءه واستمراره. هندسة سياسية تهدف إلى إنتاج أحزابٍ وكياناتٍ صورية، تسعى إلى تجميل صورة النظام خارجيّاً، من دون أن تعكس تعدّدية سياسية أو اجتماعية أو فكرية حقيقية وأصبح الوضع أقرب إلى هندسة سياسية تهدف إلى إنتاج أحزابٍ وكياناتٍ صورية، تسعى إلى تجميل صورة النظام خارجيّاً، من دون أن تعكس تعدّدية سياسية أو اجتماعية أو فكرية حقيقية، إذ يقتصر دورها على تمثيل مصالح فئاتٍ ضيقةٍ متحالفةٍ مع السلطة أو خاضعة لتوجيهات الأجهزة الأمنية، والمنافسة بينها مجرد انعكاس لأدوات إدارة الهيمنة وفرض السيطرة داخل دوائر السلطة نفسها. ولم تقف حدود عسكرة الحياة السياسية والحزبية والنيابية عند انخراط أفراد بعينهم من ذوي الرتب السابقة في الجيش أو الشرطة داخل البرلمان، أو في مواقع حزبية قيادية، بل تجسد أيضاً في إعادة تشكيل الأحزاب نفسها على نحو يجعلها أذرعاً داعمة للسياسات الرسمية، وفي مقدّمتها حزب مستقبل وطن الذي صار القوة المهيمنة على البرلمان، وحزب حماة الوطن الذي تأسّس على يد قيادات عسكرية سابقين وأصبح بمثابة واجهة سياسية للعسكريين، ففي برلمان (2015 - 2020)، استحوذت القيادات الأمنية والعسكرية على نحو 75 مقعداً، أي بنسبة تقارب 13% من إجمالي مقاعد البرلمان (596 عضواً)، وكانت الكتلة الأكبر منهم داخل حزب مستقبل وطن، الذي سيطر على 316 مقعداً، إذ بلغ عدد الضباط السابقين داخله أكثر من 50 عضواً، بجانب نحو 15 نائباً في حزب حماة الوطن. وفي انتخابات 2020 التي أفرزت مجلس النواب المكوَّن من 568 عضواً منتخباً و28 معيّناً، ضم المجلس أكثر من 70% نائباً من الضباط السابقين في الجيش والشرطة، أي ما يعادل نحو 12% من إجمالي الأعضاء، وترسخ السيناريو في تعيينات مجلس الشيوخ التي جرى الإعلان عنها الأحد الماضي، 12 أكتوبر/ تشرين الثاني الجاري، فمن بين مئة شخصية عيّنها رأس النظام، تمثل ثلث أعضاء المجلس، بلغ عدد القيادات العسكرية والأمنية السابقة نحو 15 نائباً، بنسبة 15% من المعيّنين. يقوم النظام في مصر بـ "تدوير الجميع" في حلقاتٍ مفرغةٍ من "الأوهام السياسية" وهذا التوجّه، القائم على ترسيخ العسكرة، ومحاولات النظام بناء ظهير سياسي موالٍ له، ولكن أيضاً الهيمنة على بنية التشريعات والقوانين التي ترسّخ الاستبداد. وعلى سبيل المثال، نجد أن الغالبية العظمى من القوانين التي أقرّها البرلمان الحالي (2020 - 2025) وقد بلغ عددها نحو 879 قانوناً كانت مقدّمة من الحكومة (863 مشروع قانون)، في حين لم يُقدم النواب سوى 16 مشروع قانون بشكل مستقل. وأصبح من غير الدقيق القول إنّ النظام الحاكم يحاول إعادة هندسة النخب السياسية وبناء نخب موالية فحسب، بل الأكثر دقّة أنه يقوم بـ"تدوير الجميع" في حلقاتٍ مفرغةٍ من "الأوهام السياسية" تحت مسمّيات "أحزاب" "نواب" "شيوخ"، لهدف رئيس، وليس وحيداً، ضمان البقاء وترسيخ الهيمنة، فلا "الأحزاب" أحزاب حقيقية، ولا "النواب" نواب حقيقيون، ولا "الشيوخ" شيوخ حقيقيون، ولكن كلها مسمّيات مصطنعة بالكامل، ومن يتحكّم في صنعها يتحكّم ليس بـ"ضبط المصنع" فحسب، ولكن أيضاً في "إعادة ضبط المصنع" تحت يافطة عريضة عنوانها "الجمهورية الجديدة". ويرى العضو المؤسّس لحزب العيش والحرية (تحت التأسيس)، أكرم إسماعيل، أن "هذا الواقع متسقٌ مع طبيعة المرحلة كلها، إذ فُتحت أبواب السياسة والاقتصاد أمام ضبّاط سابقين ومن خدموا في الأجهزة الأمنية، ليكون لهم دور كبير في الحياة العامة. لكن الأهم أن الأحزاب التي تشكّلت في هذه المرحلة هي في جوهرها كيانات مهندسة للغاية، فهي ليست أحزاباً حقيقية، ولا أحزاباً نابعة من الشارع أو تعبر عن قواعد جماهيرية، بل كيانات مصطنعة بالكامل".

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية