تراجع ثقة الشركات الصغيرة الأميركية وسط تباطؤ اقتصادي
عربي
منذ 4 أيام
مشاركة
تراجعت ثقة الشركات الصغيرة في الولايات المتحدة خلال شهر سبتمبر/أيلول إلى أدنى مستوى لها في ثلاثة أشهر، نتيجة تراجع التفاؤل بشأن التوقعات الاقتصادية وتزايد القلق من فائض المخزون. ووفقاً للبيانات الصادرة اليوم الثلاثاء، انخفض مؤشر التفاؤل الصادر عن الاتحاد الوطني للأعمال المستقلة (NFIB) بمقدار نقطتين ليصل إلى 98.8 نقطة، كما تراجعت خمسة من أصل عشرة مكونات تُشكّل المؤشر، بينما استقرت ثلاثة مكونات أخرى دون تغيير، وفق وكالة "بلومبيرغ". وأظهر الاستطلاع أن 23% من أصحاب الشركات الصغيرة يتوقعون تحسن ظروف العمل خلال الأشهر الستة المقبلة، بانخفاض قدره 11 نقطة مئوية مقارنة بشهر أغسطس، كما انخفضت النسبة الصافية للشركات التي اعتبرت مخزوناتها منخفضة للغاية، مسجّلةً أكبر تراجع منذ عام 1997، في حين تراجعت أيضاً نسبة الشركات التي تتوقع ارتفاع المبيعات. إلى جانب ذلك، ازداد قلق أصحاب الأعمال من التضخم، إذ أفاد 14% منهم بأن ارتفاع التكاليف يمثل أكبر تحدٍّ يواجههم في إدارة أعمالهم، بزيادة قدرها 3 نقاط مئوية عن أغسطس/آب. كما يخطط 31% من أصحاب الشركات لرفع الأسعار خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، بزيادة قدرها 5 نقاط مئوية، وهي النسبة الأعلى منذ يونيو/حزيران الماضي. وفي السياق نفسه، قال بيل دنكلبيرغ، كبير الاقتصاديين في الاتحاد الوطني للأعمال المستقلة، في بيان: "بينما يرى معظم أصحاب الأعمال أن أداء شركاتهم جيّد في الوقت الحالي، إلّا أنهم يواجهون تحديات متزايدة في التعامل مع ضغوط التضخم، وتراجع توقعات المبيعات، واستمرار صعوبات سوق العمل". وبحسب "بلومبيرغ"، أظهرت بيانات الاتحاد أيضاً أن مؤشر عدم اليقين ارتفع بمقدار7 نقاط مئوية مقارنة بشهر أغسطس/آب ليصل إلى 100 نقطة، وهو أعلى مستوى منذ فبراير/شباط، ما يعكس تراجع ثقة أصحاب الأعمال بملاءمة الوقت الحالي للتوسع. ومع ذلك، ظل الوضع العام للشركات مستقراً، إذ صنّف 68% من أصحاب الأعمال أداء شركاتهم بأنه ممتاز أو جيّد، مقابل27% وصفوه بالمعتدل. تقلبات حادة في الشركات شهدت الشركات الصغيرة والمتوسطة في الولايات المتحدة خلال العامين الأخيرين تقلبات حادة في مؤشرات الثقة والتفاؤل، انعكاساً مباشراً للظروف الاقتصادية المعقدة التي تواجهها البلاد بعد موجة التضخم غير المسبوقة منذ أربعة عقود. فمنذ جائحة "كوفيد-19" والاضطرابات التي أعقبتها في سلاسل التوريد وارتفاع أسعار الطاقة والعمالة، وجدت المؤسسات الصغيرة نفسها في بيئة تجارية شديدة التقلّب، بين تكاليف تشغيل مرتفعة وتراجع في الطلب الاستهلاكي. ورغم أن الاقتصاد الأميركي أظهر مرونة نسبية خلال عام 2023 والنصف الأول من 2024، بدعم من إنفاق المستهلكين وسوق العمل القوي، إلّا أن هذه المرونة بدأت تتآكل تدريجياً مع استمرار السياسات النقدية المتشددة التي ينتهجها الاحتياطي الفيدرالي للسيطرة على التضخم. فقد أدت أسعار الفائدة المرتفعة إلى تباطؤ في القروض التجارية والعقارية، ما أثر تحديداً على الشركات الصغيرة التي تعتمد على التمويل قصير الأجل لتغطية رأس المال التشغيلي أو التوسع. تاريخياً، يُعدّ مؤشر التفاؤل الصادر عن الاتحاد الوطني للأعمال المستقلة (NFIB) أحد أبرز المؤشرات الدالة على المزاج الاقتصادي العام في الولايات المتحدة، إذ يقيس توقعات أصحاب المشاريع الصغيرة حول المبيعات، والتوظيف، والأسعار، والربحية، وغيرها. وقد أظهر هذا المؤشر في الأشهر الأخيرة أن الشركات الصغيرة أصبحت أكثر حذراً تجاه المستقبل، إذ تراجع عدد من يرى الوقت مناسباً للتوسع إلى أدنى مستوياته منذ مطلع العام. يُضاف إلى ذلك أن ظاهرة تراكم المخزون، التي كانت تُعدّ في البداية مؤشراً على التحسّن بعد أزمة سلاسل التوريد، تحوّلت إلى عبء ثقيل مع تباطؤ الطلب المحلي. ومع ازدياد التكاليف التشغيلية وارتفاع أسعار المواد الخام والعمالة، تجد هذه الشركات نفسها أمام معادلة صعبة: إما رفع الأسعار لتحسين الهوامش الربحية مع خطر فقدان الزبائن، أو الإبقاء على الأسعار المنخفضة على حساب الأرباح. كما أن القلق من التضخم ما زال حاضراً بقوة. فرغم التراجع النسبي في مؤشر أسعار المستهلكين، إلّا أن الشركات الصغيرة، بعكس الشركات الكبرى، لا تمتلك القدرة التفاوضية الكافية لامتصاص الزيادات في التكاليف. ولهذا؛ يبقى التضخم العامل الأكثر تأثيراً في قرارات التسعير والتوظيف لديها، فضلاً عن تأثيره في ثقة أصحاب الأعمال أنفسهم. من جهة أخرى، تلعب التقلبات في السياسة التجارية والانتخابات المقبلة دوراً إضافياً في تشكيل مناخ عدم اليقين، خصوصاً مع تزايد الجدل حول مستقبل الضرائب والرسوم الجمركية والإنفاق الحكومي. هذه البيئة السياسية والاقتصادية المعقدة تجعل قرارات التوسع والاستثمار مؤجلة إلى حين اتضاح الرؤية في عام 2025. مرحلة تباطؤ اقتصادي محتمل تعكس نتائج استطلاع الاتحاد الوطني للأعمال المستقلة مؤشرات حقيقية على مرحلة تباطؤ اقتصادي محتملة، تتجاوز حدود الشركات الصغيرة لتشمل المشهد الاقتصادي الأميركي ككل. إذ يُظهر تراجع التفاؤل بين أصحاب الأعمال الصغيرة ضعف الثقة في قدرة الاقتصاد على الحفاظ على وتيرة نموه الحالية، وسط ارتفاع تكاليف التمويل والتشغيل وتراجع الطلب. وإذا ما استمرت الضغوط التضخمية وتباطؤ الإنفاق الاستهلاكي، فقد يضطر صانعو القرار في الاحتياطي الفيدرالي إلى موازنة دقيقة بين استمرار تشديد السياسة النقدية أو اللجوء إلى خفض الفائدة لدعم النشاط الاقتصادي. لكن بالنسبة إلى الشركات الصغيرة، التي تُعدّ العمود الفقري للاقتصاد الأميركي وتشغّل قرابة نصف القوة العاملة في البلاد، فإنّ أي تأخير في تحسّن الظروف الائتمانية أو استقرار الأسعار سيعني مزيداً من الحذر والتباطؤ في الاستثمار. في المحصلة، تراجع الثقة لا يُعدّ مجرد رقم اقتصادي، بل هو مؤشر على هشاشة بيئة الأعمال في أكبر اقتصاد عالمي، إذ تتقاطع الضغوط الداخلية مع الشكوك العالمية حول مسار النمو المستقبلي. ومن دون سياسة اقتصادية متوازنة تُخفّف من أثر التضخم وتعيد تنشيط الطلب، سيبقى التفاؤل مقيّداً والانتعاش الاقتصادي هشّاً في المدى المنظور.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية