المعارضة السورية الجديدة
عربي
منذ 5 أيام
مشاركة
كما أن صورة السلطة الجديدة في سورية وبرامجها لم تكتمل بعد، لم تتشكل معارضاتها السياسية، فكلٌّ منهما مرتبكٌ في أجندته وفي خطواته العملية، وفي إعادة تشكيل نفسه في مرحلة انتقالية شديدة التعقيد. وإنّ فهم طبيعة السلطة وتركيبتها، وتحليل طبيعة المرحلة، عاملان مهمان في تحديد شكل معارضتها، ومن الصعب أن تتطابق حدود الأحزاب والتيارات السياسية المعارضة لنظام الأسد مع التي تعارض السلطات السورية الجديدة، ولا بدّ من رسم حدودٍ جديدةٍ ضمن تشكيلات وتحالفات محدّثة، في ظلّ تباين كبير في تقييم المرحلة الانتقالية داخل معظم التيارات والأحزاب والتجمّعات السياسية السابقة أو التي تشكّلت سريعاً عقب انهيار نظام الأسد، تتراوح بين راضين عن أداء السلطة ومتفائلين بقدرتها على تصويب الأخطاء، وآخرين ناقدين لسياساتها. وهناك رافضون لها بالمطلق ويتطلّعون إلى إسقاطها. وعلى ذلك، من التسرّع بمكان إطلاق أحكامٍ مسبقة عن معارضات "إيجابية" و"سلبية"، أو وصم أي معارضة للسلطة بالطائفية. ليس من هُويَّة دقيقة للجماعة الحاكمة في سورية، لكن من الواضح اتجاهها إلى حكم الفرد المطلق بخصوص التوصيف الأول بشأن وجوب أن تكون المعارضة إيجابيةً وناصحةً، اتصفت كل خطوات السلطة السياسية بمركزة القرار في يد الرئيس، واعتماده على المقرّبين، مع إرضاء قادة الفصائل الموالية له ببعض المناصب. إذ لا يبدو أن هيئة تحرير الشام، التي يفترض أنها حُلّت في "مؤتمر النصر"، هي الحاكمة بالضبط، رغم أن السلطة تعتمد على عناصرها في الصفَّين الأول والثاني، وعلى العصبة الموالية لها من المقاتلين، مع توسيع دائرة المنتسبين لتشمل مقاتلين من العرب السُّنّة. وبالتالي، ليس هناك اسم وهُويَّة دقيقان للجماعة الحاكمة، لكن من الواضح اتجاهها إلى حكم الفرد المطلق، خصوصاً مع اعتماد الرئاسة السيطرة الكلّية على بيروقراطية الدولة، واستغلال السلطة تناقضات المجتمع الدينية والعرقية، مع سياسات أمنية للسيطرة على المساحات الجغرافية التي تحصل فيها أشكال من التمرّد. وكان مؤتمر الحوار شكلياً، رُفض فيه حضور أيّ تنظيمات سياسية، واشتُرِطت مشاركة السوريين أفراداً، فيما صدر الإعلان الدستوري وصفةً جاهزةً من دون التشاور مع قوى وشخصيات سياسية في صيغته، وأخيراً اُختير ثلثا أعضاء مجلس الشعب، وغالبيتهم العظمى موالون للحكم الجديد تحت دوافع مختلفة، بعد استثناء ثلاث محافظات من العملية، مع رفض أيّ مشاركة للأحزاب والتيارات والمجموعات الراغبة في الدخول كتلاً، وهذا يدحض فكرة أن السلطة تقبل بدور ما للمعارضة، إيجابية أو سلبية، أو أيّاً كانت. وكان الأولى استصدار قانون ناظم للأحزاب، وفتح المجال للحياة السياسية، قبل التفكير بانتخاب أو تشكيل مجلس تشريعي، الذي كان من المفترض أن يكون بيتاً للمعارضة السياسية للسلطة، وقناةً للتواصل معها وموازنة قراراتها، إضافة إلى دور النقابات والمجالس المحلّية ومنظّمات المجتمع المدني، التي تعتبر حوامل للديمقراطية بصورتها الموسّعة. إذا كان من الصعب إجراء انتخابات تشريعية لمجلس الشعب، وهذه الفكرة لم تناقش مطلقاً في أوساط السلطة وداعميها، فإن الانتخابات النقابية والمحلّية كانت ممكنةً اعتماداً على القوانين السابقة، مع إمكانية تعديلها في حال تشكيل مجلس تشريعي. لكن تلك المؤسّسات، التي من المفترض أن تكون ديمقراطيةً، تُعيّنها أجهزة السلطة وأمانتها العامَّة للشؤون السياسية، والتي تحلُّ تدريجياً محلّ حزب البعث قائداً للدولة والمجتمع، كما تسيطر على أدائها ثقافةُ التدجين القائمة على الولاء، التي ورثتها من مرحلة الأسدَين الطويلة، فالنقابات لا تعي دورها حاملاً لمصالح منتسبيها ضدّ أيّ سياسات تعسّفية للسلطة، بينما تحكم المجالس المحلية العقلية العائلية والقبلية، في ظلّ تفكّك عام وغياب أيّ دور للدولة. أمّا منظّمات المجتمع المدني، فتتعامل معها السلطات بشكل مختلف، إذ تشجِّع عملها وتسهِّل التراخيص، مع مراقبة نشاطاتها وتمويلها إن وُجد، في محاكاةٍ لما كان سائداً خلال فترة حكمها في إدلب، باعتبار أنها لا تشكّل خطراً عليها، إذ لا يوجد في سورية مجتمع مدني حقيقي، فيما حاولت منظمات غير حكومية محلّية ودولية ملء هذا الفراغ، وهي منظّمات تحمل غالباً أجندات مموليها، وغير ديمقراطية بل فوقية، وقيمة تمويل خبرائها أعلى من تمويل الدعم المقدّم للمجتمع المُستهدَف، وبالتالي ليس لها تأثير حقيقي ينهض بالواقع الديمقراطي للمجتمع، وفي الوقت نفسه تفيد السلطة في علاقاتها الدولية وفي تمويلها. وقد قبلت السلطة مثلا بأدوار شكلية لهؤلاء في مؤتمر الحوار الوطني. هذا لا ينفي أن هناك مساحة حرية يمكن استغلالها لتفعيل منظّمات مجتمع مدني بطابع ديمقراطي وانخراط الشعب فيها، رغم أن هناك مخاوف أن تُقيّد نشاطاتها مستقبلاً عبر التحكم الأمني. وحول توصيف أيّ معارضة للسلطة بالطائفية، فهناك بالفعل أشكال معارضة للسلطة ردّت على الحلول الأمنية الطائفية للسلطة المتمثّلة بمجزرتَين في الساحل والسويداء، إضافة إلى مجمل سياسات السلطة في احتكار القرار، وحصره بيد الرئيس، بمحاولة تشكيل تكتّلات طائفية صريحة، ولم تستبعد الاستقواء بالتدخّلات الخارجية، وفي السويداء رُفِع شعار حقّ تقرير المصير الذي يقطع مع كل السوريين، وليس فقط مع السلطة. لا تعبّر هذه الآراء المتطرّفة عن كل معارضي السلطة، لأنها لا تعارضها، بل تُقوّيها بالانطلاق من نقطة قوة السلطة الوحيدة، وهي إيحاؤها للعرب السُّنّة أنها تمثّلهم، وهذا وهم تحاول سلطة دمشق زرعه في عقول السوريين، وتؤكّده الطروحات الطائفية في تيار حكمت الهجري، وفي ما سمّي "مجلس غرب ووسط سورية" الذي ينشط في الخارج. ولأن الحلول الطائفية الأمنية لسلطة تحكم منذ عشرة أشهر فقط باتت تُشكِّل خطراً على النسيج الاجتماعي السوري وعلى وحدة البلاد، بانتهاكاتها، وتفتح على كل أشكال التدخّلات الخارجية، وعلى تدويل الأزمة السياسية السورية، فإن الأَولى بمعارضي السلطة التفكير في تفكيك نقطة قوة السلطة هذه، وليس تقويتها بطائفية مضادَّة. ليس كلُّ معارضٍ للسلطة طائفياً وانفصالياً، بل هناك توجّهات وطنية تحاول وعي المرحلة الجديدة ليس كلُّ معارضٍ للسلطة طائفياً وانفصالياً، كما يحلو لبعضهم توزيع الاتهامات، بل هناك توجّهاتٌ وطنيةٌ تحاول وعي المرحلة الجديدة، ربّما لم تتشكّل بعد في كيانات وائتلافات مُعارِضة، ولكن من الطبيعي أن تتشكّل لاحقاً، خاصّة أن واقع الحال يقول إن غالبية السوريين عازفون عن الانخراط في الشأن العام، نتيجة الإنهاك خلال سنوات الثورة وحكم الأسد من جهة، وبسبب حالة الاستقطاب الطائفي والقومي السائدة في الخطاب السوري العام اليوم، من جهة أخرى. كما أن فكرة المعارضة السياسية باتت تحيل في أذهان النخب السورية على إسقاط السلطة. وفي الواقع، لا يوجد مشروع وطني في الأفق قادر على إسقاطها، كما أن إسقاطها من الخارج غير مطروح في ظلّ الدعم والحماس الدوليَّين اللذَين تحظى بهما. المرحلة الانتقالية شديدة التعقيد والحساسية، في ظلّ حجم التدخّلات الخارجية المستمرّ منذ انطلاق الثورة، وفي ظلّ سلطة ليس لها اسم مُعلَن وهُويَّة محدّدة، بسبب تناقضاتها الداخلية، وهذا يجعل مهمَّة تشكيل معارضة وطنية تحمل هموم السوريين مهمة عاجلة، وفي الوقت نفسه، مهدَّدة بالفشل إذا لم تكن تعي الواقع بدرجة كافية.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية