
عربي
تحرّكت 400 شاحنة مساعدات إنسانية متنوعة إلى قطاع غزة، صباح أمس الأحد، من معبر رفح إلى معبرَي كرم أبو سالم والعوجة، تمهيداً لدخولها إلى القطاع المحاصر.
ووفق مصادر ميدانية، عبرت 90 شاحنة خلال الساعة الأولى من معبر رفح في الاتجاهين المصري – الإسرائيلي، استعداداً لإدخالها إلى غزة.
وحسب مصدر فلسطيني مطلع تحدّث إلى "العربي الجديد"، تتضمن المرحلة الأولى من الاتفاق تشغيل خمسة منافذ رئيسية لإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة عبر مصر والأردن، وذلك في إطار خطة دولية لإعادة تدفق الإمدادات وتهيئة الظروف لإعادة الإعمار.
مساعدات ووقود وآليات هندسية
أوضح المصدر، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، أنّ هذه المنافذ ستسمح بمرور ما لا يقل عن 400 شاحنة يومياً محمّلة بالمساعدات الغذائية والطبية ومواد الإيواء الأساسية، إلى جانب معدات وآليات هندسية لفتح الطرق، وإزالة الركام، وترميم المراكز الصحية والمؤسّسات الخدمية والبنى التحتية التي دمرتها الحرب الإسرائيلية.
وفي السياق ذاته، قال مصدر مصري في معبر رفح لـ"العربي الجديد" إنّ السلطات المصرية تجهّز مئات الشاحنات المموّلة من دول عربية وإسلامية وأجنبية، إضافة إلى الدعم الحكومي المصري، تمهيداً لإدخالها إلى غزة.
وأضاف أن التنسيق جارٍ مع الأطراف الدولية لإدخال الوقود وغاز الطهي إلى القطاع عبر معبر رفح مروراً بمعبر كرم أبو سالم، بهدف ضمان استمرار الخدمات الأساسية، خصوصاً تشغيل المستشفيات ومحطات المياه والكهرباء، وبيّن أنّ إدخال الوقود يُعدّ من أكثر الملفات حساسية وتعقيداً في الترتيبات الجارية، نظراً للتقييدات الإسرائيلية السابقة على دخول المحروقات إلى القطاع.
وتشهد أسواق قطاع غزة تراجعاً ملموساً في أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية، عقب دخول شاحنات المساعدات بعد إعلان وقف إطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، وعاشت الأسواق حراكاً متزايداً في حركة البيع والشراء، وسط تفاؤل حذر لدى التجار والمستهلكين على حد سواء. ويعزو مراقبون هذا التحسّن إلى زيادة نسبية في تدفق البضائع خلال الأيام الأخيرة، مع ترقّب إدخال مئات الشاحنات الجديدة.
وتجاوزت أسعار بعض السلع الأساسية نسبة 8000% مقارنة بقيمتها الطبيعية قبل الحرب على غزة، ونجم عن ذلك استنزاف واسع لجيوب المواطنين الذين فقد أغلبهم القدرة الشرائية مع تجاوز معدلات الفقر 90%، وارتفاع البطالة إلى نحو 83%، ما جعل الحياة اليومية شبه مستحيلة لمعظم العائلات الغزّية.
وقال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، الأسبوع الماضي، إنّ الاحتلال الإسرائيلي أدخل خلال شهر سبتمبر/ أيلول الماضي 1.824 شاحنة مساعدات فقط من أصل 18 ألف شاحنة كان من المفترض وصولها؛ أي ما يعادل نحو 10% فقط من الاحتياجات الإنسانية الفعلية لأكثر من 2.4 مليون مواطن في القطاع، بينهم أكثر من مليون طفل.
استعدادات معبر رفح
كانت بعثة الاتحاد الأوروبي للمساعدة الحدودية (EUBAM) قد استأنفت عملها في معبر رفح بين غزة ومصر الجمعة الماضي، بعد تعليق دام منذ مارس/آذار الماضي، وذلك عقب وقف إطلاق النار. وأعلنت إيطاليا أن الهدف من نشر البعثة هو تأمين وجود طرف ثالث محايد على المعبر، وتشمل البعثة عناصر شرطة من إيطاليا وإسبانيا وفرنسا، ومن المقرّر إعادة فتح معبر المشاة في رفح يوم 14 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.
من جهته، قال القيادي في حركة حماس أسامة حمدان لوكالة فرانس برس، أمس الأحد، إنّه من المتوقع فتح خمسة منافذ لدخول الإغاثة بموجب الاتفاق، موضحاً أن معبر رفح سيُعاد فتحه أمام الأفراد في الاتجاهَين الأربعاء المقبل.
وتُعدّ هذه التحركات خطوة مفصلية في إنعاش الاقتصاد المحلي داخل غزة، إذ من المتوقع أن تسهم المساعدات والوقود في إعادة تشغيل المخابز والمستشفيات والمرافق الحيوية التي توقفت عن العمل منذ شهور بسبب الحصار ونفاد الموارد، كما تسعى الجهات المصرية والأممية إلى تنظيم عملية دخول السلع التجارية تدريجياً في مراحل لاحقة، بما يخفف الضغط على معيشة سكان غزة في ظلّ اقتصاد شبه مدمر.
وفي 2 إبريل/ نيسان 2024، أصدر البنك الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي أول تقييم رسمي للأضرار بعنوان "التقييم السريع لأضرار غزة"، وقدّر التقرير الكلفة المادية المباشرة للأضرار التي لحقت بالبنية التحتية بنحو 18.5 مليار دولار حتى نهاية يناير/ كانون الثاني 2024، أي ما يعادل 97% من الناتج المحلي الإجمالي للضفة الغربية وقطاع غزة مجتمعَين لعام 2022.
وفي 11 فبراير/ شباط 2025، أعادت الأمم المتحدة والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي تحديث تقريرها وقدّرت الاحتياجات الإجمالية لإعادة الإعمار خلال عشر سنوات بـ53.2 مليار دولار.
وحسب مصادر متطابقة، يجري التنسيق بين مصر وإسرائيل والاتحاد الأوروبي لفتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني غداً الثلاثاء، تمهيداً لاستقبال الجرحى والمصابين والمرضى القادمين من غزة، وكذلك عبور الأفراد الفلسطينيين والأجانب وحاملي الجنسيات المزدوجة والعالقين في مصر.
ويُتوقَّع أن يبدأ العمل في المعبر تدريجياً وفق ترتيبات أمنية ولوجستية محدّدة، على أن تكون أولوية العبور للمرضى والجرحى والإنسانيات العاجلة، فيما يُفتح السفر للأفراد تدريجياً بعد ذلك، بالتزامن مع توسيع نطاق دخول المساعدات والإمدادات الحيوية إلى القطاع.
وينتظر مئات الفلسطينيين العالقين في مصر إعادة تشغيل معبر رفح البري للعودة إلى قطاع غزة بعد نحو عامَين من المكوث في مصر، منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع عام 2023.
معيشة الفلسطينيين في مصر
يُقدَّر عدد الفلسطينيين المقيمين حالياً في مصر بأكثر من مئة ألف شخص، بينهم جرحى ومصابون جاؤوا لتلقي العلاج، وآخرون يحملون الجنسية المصرية أو أقاموا مؤقتاً بهدف السفر لاحقاً إلى غزة، لكنهم تَعذَّر عليهم العودة بسبب إغلاق المعبر من الجانب الفلسطيني منذ مايو/أيار 2024.
وقال أحد الفلسطينيين المقيمين في القاهرة، محمد نور، في حديثٍ إلى "العربي الجديد"، إنه ينتظر بفارغ الصبر إعادة فتح المعبر للعودة إلى عائلته التي تفرَّقت بين القاهرة وغزة نتيجة إغلاق المعبر، وأضاف: "لم أكن أتصوَّر أن أبقى في مصر كل هذه المدة، ظننت أن الأمر سيستغرق أسابيع قليلة فقط، لكن مرَّ عامان دون أن أتمكن من العودة أو العمل".
وأشار نور إلى أنه يتابع الأخبار ساعة بساعة لمعرفة موعد تشغيل المعبر، مطالباً الجهات المعنية باتفاق وقف إطلاق النار بـ"ضرورة الإسراع في فتح المعبر في الاتجاهين، لتمكين العالقين من العودة إلى غزة، والسماح بخروج الجرحى والمرضى الذين يحتاجون إلى العلاج في الخارج".
وأكد أن مئات العائلات الفلسطينية التي دخلت مصر في بداية الحرب كانت تتوقع البقاء لأيام أو أسابيع، لكنها فُوجئت بامتداد فترة مكوثها إلى عامين في ظلّ ظروف اقتصادية صعبة، إذ لا تملك مصادر دخل في مصر ولا تستطيع الاعتماد على تحويلات من غزة بسبب الحصار والإغلاق.
من جانبه، قال مصدر مسؤول في معبر رفح البري من الجانب المصري إنّ المعبر "على أتمّ الجاهزية" لاستقبال المسافرين الفلسطينيين والعالقين في مصر، موضحاً أن هناك قدرة مصرية لوجستية كافية لتسهيل عبور الفلسطينيين في الاتجاهَين، إلى جانب إدخال المساعدات والمواد الطبية والإنسانية إلى القطاع.
وأضاف أن المعبر قادر على استقبال آلاف المسافرين يومياً بالتوازي مع عبور قوافل الإغاثة، مشيراً إلى أنّ سيارات الإسعاف المجهزة تقف على أهبة الاستعداد لنقل المرضى والجرحى فور تلقي إشارة بدء التشغيل.
وفي السياق ذاته، نقلت "العربي الجديد" عن مصدر مسؤول في السفارة الفلسطينية بالقاهرة قوله إنّ السفارة لم تتلقَّ حتى الآن أي إخطار رسمي حول آلية تشغيل المعبر أو مواعيد فتحه، مشيراً إلى أنه لا يوجد حالياً أي نظام تسجيل للعالقين الراغبين في العودة إلى غزة بانتظار ما ستسفر عنه الترتيبات الجارية بين الأطراف المعنية.
