الصين تطمح لاستغلال الانكفاء الأميركي لإعادة هندسة النظام الدولي
عربي
منذ 6 أيام
مشاركة
شنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب هجوماً حاداً على الأمم المتحدة خلال خطابه أمام الجمعية العامة في 23 سبتمبر/أيلول الماضي، متهماً المنظمة الدولية بتمويل هجوم على الدول الغربية وحدودها بدعمها للمهاجرين. وادّعى أنها لم تقدم سوى القليل من المساعدة عندما كان ينهي سبع حروب لا نهاية لها. وتساءل أمام مبعوثي نحو 193 دولة في الأمم المتحدة، ما هو هدف المنظمة؟ مدعياً أن كل ما فعلته هو كتابة رسائل شديدة اللهجة والتحدث بكلمات فارغة. في أعقاب ذلك، سلطت مراكز أبحاث حكومية في الصين الضوء على التحديات التي تواجهها الأمم المتحدة، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة باعتبارها المهندس الرئيسي للمنظمة، والمساهم المالي الأكبر فيها والدولة المضيفة، أدارت ظهرها بشكل متزايد للنظام متعدد الأطراف الذي ساعدت في بنائه. وأن المنظمة العالمية تقف عند مفترق طرق، وأن عصراً بلا قائد قد ينشأ خلال إدارة ترامب الثانية، التي بدأت في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، في ظل تعرضها لأشد الضغوط التي واجهتها منذ تأسيسها قبل ثمانية عقود. الصين وملء الفراغ الأميركي في هذا الصدد، ذكر المركز الصيني للدراسات الدولية المستقلة، وهو مؤسسة بحثية مؤثرة تابعة لوزارة أمن الدولة، إن الأطر متعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة تتعرض بشكل متزايد للتهميش والاستغلال والتفريغ في الشؤون العالمية. وتوقع مدير مركز دراسات الأمم المتحدة بجامعة فودان، جانغ هونغ، أن تقلّل الولايات المتحدة من مشاركتها مع المنظمات الدولية مع تحول أولوياتها الاستراتيجية. وقال إنه مع تراجع واشنطن عن دورها القيادي التقليدي في الأمم المتحدة، يبدو أن دولاً، بما في ذلك الصين تتسابق لملء الفراغ. يشار أنه منذ عودته إلى البيت الأبيض، انسحب ترامب مرة أخرى من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ومنظمة الصحة العالمية، واتفاقية باريس للمناخ، في حين توقفت واشنطن عن دفع فواتيرها للأمم المتحدة وتتخلف عن السداد لعام 2024، ومن شأن طلب الميزانية الذي قدمه الرئيس الأميركي للسنة المالية 2026 إلى الكونغرس في مايو/أيار الماضي، أن يجمد تقريباً كل مدفوعات البلاد للأمم المتحدة. لين وي: لدى بكين رؤية واضحة بشأن الحوكمة العالمية هل تسعى الصين بالفعل إلى ملء الفراغ الأميركي، وما هي الأدوات التي تؤهلها لذلك؟ في رده على أسئلة "العربي الجديد"، قال الباحث في معهد جيانغ شي للدراسات السياسية لين وي، إن بكين لا تسعى إلى مكانة سياسية ونفوذ دولي، ولكن لديها رؤية واضحة بشأن الحوكمة العالمية وإعادة تشكيل النظام الدولي بما يحقق مصالح الدول والشعوب المهمشة بعيداً عن الهيمنة الأحادية. وأضاف بأن ذلك تجسد في عدة مبادرات قدمتها الصين عبر المنصات والمنابر الدولية، مثل: مبادرة التنمية العالمية، ومبادرات أخرى ذات صلة بالأمن والحضارة والحوكمة، وهي جميعها تتمحور حول إصلاح النظام والمؤسسات الدولية، وإعادة صياغتها بما يلبي تطلعات جميع الدول على مبدأ المساواة والمصالح المشتركة والمتبادلة. وأوضح لين أن مضي الصين قدماً في هذا الاتجاه لا يعني بالضرورة إزاحة الولايات المتحدة عن موقعها ومكانتها على الساحة الدولية باعتبارها قوة عالمية مؤثرة، لكنه يؤكد على فشل النظام الدولي في مواجهة التحديات الراهنة في ظل الهيمنة الأميركية التي تسببت في فوضى عارمة وقوّضت سلطة الأمم المتحدة. هذه الحقيقة التي تكشفها الصين، تمثل جرس إنذار مبكر لباقي الدول من أجل التكاتف وتضافر الجهود للعمل معاً على تشكيل عالم يقوم على التعددية دون استئثار قوى أو دولة بسلطة القرار، وفرض أجندتها الخاصة على الآخرين. وعن الأوراق التي تملكها الصين للعب هذا الدور، قال لين وي، إن الصين دولة مسؤولة وثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، فضلاً عن أنها أكبر مزود لقوات حفظ السلام بين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، وبالتالي لديها من التأثير والفاعلية ما يؤهلها للقيام بأدوار كبيرة على الخريطة الدولية، ولكن الأمر أبسط من ذلك بكثير، ورياح التغيير لا تحتاج إلى مدافع وصواريخ وقنابل نووية، بل إلى حكمة ودعوة صادقة للتعاون والعمل من أجل إصلاح النظام الدولي. يشار إلى أن الصين انضمت رسمياً إلى عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في عام 1990، ولكن كان أول إرسال لجنود صينيين إلى الخارج في عام 2007 حين غادر الصين 380 جندياً إلى إقليم دارفور غربي السودان ضمن بعثة أممية. ومنذ ذلك الحين كثفت الصين عملياتها، وشارك جنود حفظ السلام الصينيون في نحو 30 عملية حفظ سلام (معظمها في القارة الأفريقية وبعض مناطق شرق آسيا)، حيث أرسلت الصين حوالي 50 ألف جندي إلى أكثر من 20 دولة ومنطقة حول العالم. ولطالما فُسرت المشاركة الصينية في عمليات حفظ السلام على أنها غطاء للتمدد وتوسيع النفوذ العسكري خصوصاً في مناطق الجنوب العالمي، بينما رأى آخرون أنها محاولة لإبراز ملمح إنساني يبدد المخاوف التي تحيط بنفوذ الصين ومشاريعها التنموية، في حين تقول بكين إن مشاركتها في حفظ السلام الدولي واجب وطني وغاية نبيلة. بدوره، أبدى الباحث الزميل في جامعة آسيا (تايوان)، جو فانغ، في حديث مع"العربي الجديد"، اعتقاده أن دفاع الصين عن دول الجنوب في اجتماعات الجمعية العامة في نيويورك الشهر الماضي، ودعوتها إلى توسيع الأمم المتحدة تمثيل هذه الدول، يعكس ملمحاً عن استراتيجية بكين تجاه الحوكمة العالمية، إذ هي ببساطة، تريد جر الدول النامية التي ترتبط معها بمشاريع تنموية (في إطار مبادرة الحزام والطريق الصينية) إلى مجلس الأمن والمؤسسات الدولية ذات الصلة، للاستفادة من أصواتها في دعم مصالحها الخاصة. وقد عزز هذا التوجه انسحاب الولايات المتحدة من عدة اتفاقيات وشراكات دولية مثل اتفاقية باريس للمناخ. لذلك، تحاول بكين عبر تسويق مصطلحات مثل الحوكمة وإصلاح النظام الدولي، حشد الحلفاء حولها وإظهار نفسها قوةً بديلة تقوم بأدوار ريادية. ليو وانغ: أولى خطوات التغيير يجب أن تبدأ من إسقاط حق النقض الإملاءات الأميركية من جهته، قال الخبير في العلاقات الصينية الأميركية ليو وانغ، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن أولى خطوات التغيير يجب أن تبدأ من إسقاط حق النقض الذي حال دون وقف العديد من الصراعات والحروب، والذي استخدمته الولايات المتحدة مراراً خلال العامين الماضيين في إجهاض مشاريع أممية وجهود دولية لوقف آلة القتل الإسرائيلية في قطاع غزة. واضاف، أن هذا الحق أظهر عجز المنظمة الدولية في التعامل مع الأزمات الكبرى، ومدى ارتهانها للإملاءات الأميركية. ولفت إلى أن الصين استنكرت هذا الأمر، عبر مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة فو كونغ، الذي قال في اجتماعات الجمعية العامة الشهر الماضي، إنه لولا إساءة الولايات المتحدة المتكررة لاستخدام حق النقض، لما كان رد مجلس الأمن على أزمة غزة بهذا القدر من القصور، ولولا حماية الولايات المتحدة لإسرائيل، لما انتُهكت قرارات المجلس والقانون الدولي بهذا الشكل الصارخ. في المقابل، استغرب لي يانغ، الأستاذ في معهد تسيونغ كوان للدراسات والأبحاث ومقره هونغ كونغ، استنكار الصين لإساءة استخدام حق الفيتو من قبل واشنطن، وسأل في حديثٍ لـ"العربي الجديد": كيف للصين التي استخدمت هذا الحق مراراً لصالح حليفتها روسيا في الأزمة السورية أن تعطي دروساً للآخرين في طريقة استخدام حق النقض. كما استبعد أن تتصدر الصين المشهد في مسألة ملء الفراغ الأميركي، وقال لا أعتقد أن بكين مستعدة لتقوم بهذا الدور نظراً للمسؤوليات الكبيرة المتعلقة بالتمويل وإدارة السياسات بشكل متوازن، وهذا بحد ذاته يمثل عبئاً كبيراً على أي دولة. واستبعد لي يانغ، أن تتنازل واشنطن عن هذا الدور لدولة منافسة ومصنفة على أنها أكبر تهديد للولايات المتحدة. ورأى أنه بالرغم من انكفاء الدور الأميركي وتهديدات ترامب المستمرة للمنظمة العالمية، يبقى للوجود الأميركي فيها قوة وازنة قادرة على ضبط إيقاع العمليات والسياسات الدولية، ودون ذلك سيكون العالم عرضة لاضطرابات وصراعات إقليمية ودولية.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية