
عربي
في محافظة السويداء جنوبي سورية، أعلنت مديرية التربية عن برنامج امتحانات شهادة الثانوية العامة التي تقرّر إجراؤها ما بين الثامن من نوفمبر/ تشرين الثاني 2025 والـ27 منه. وجاء القرار بعد أشهر من الغموض والجدال حول مصير هذه الامتحانات على خلفية الحوادث الدامية التي وقعت في المحافظة، وبضغط من أهالي التلاميذ الذين أصرّوا على ضرورة إجرائها انطلاقاً من خوفهم على ضياع جهود أبنائهم طوال العام الدراسي الماضي.
ويُقدَّر عدد التلاميذ السوريين الذين أنهوا المرحلة الثانوية في السويداء بنحو سبعة آلاف تلميذ، يتوزّعون ما بين الفرعَين الأدبي والعلمي بالإضافة إلى الفرع المهني، لكنّ مديرية التربية لم تحدّد بعد عدد الذين سوف يخضعون للامتحانات، فثمّة عدد كبير من التلاميذ خارج المحافظة نتيجة نزوح عائلات من القرى الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية، الأمر الذي يجعل حضور هؤلاء غير مضمون، مع تسجيل حالة من الترقّب والخوف لدى الأهالي والتلاميذ على حدّ سواء.
وكانت محافظة السويداء قد شهدت، في الأشهر الماضية، تراجعاً في سيطرة حكومة دمشق وزيادة في نفوذ الهيئات المحلية على مجالات عدّة، بما في ذلك التعليم. وهذا الواقع تسبّب في فجوات في الرقابة والإشراف على المدارس، وكذلك في تأخير منح التراخيص وتنظيم الامتحانات، وارتفاع معدّلات النزوح التي أثّرت على انتظام التلاميذ في العملية التعليمية.
وأدّت مطالبات الأهالي والتلاميذ المتكرّرة بإجراء الامتحانات، خصوصاً مع بداية العام الدراسي الجديد، إلى دفع مديرية التربية في السويداء إلى اتّخاذ قرار غير تقليدي، يتمثّل في إجراء الامتحانات على الرغم من غياب الموافقة الرسمية من قبل وزارة التربية والتعليم السورية.
وفي محاولة لطمأنة التلاميذ وأهاليهم، قال المسؤول الإعلامي لدى مديرية التربية في السويداء ملهم علم الدين لـ"العربي الجديد" إنّ المديرية قرّرت إجراء الامتحانات حفاظاً على حقّ التلاميذ في إنهاء عامهم الدراسي، مضيفاً أنّ "قرارنا جاء بعد استنفاد كلّ السبل للحصول على موافقة الوزارة ولتفادي خسارة جهد التلاميذ على مدى عام". أضاف علم الدين أنّ "وضع أسئلة الامتحانات سوف يكون من مسؤولية المدرّسين والموجّهين العاملين في القطاع التربوي بالمحافظة، مع توثيق كلّ خطوة بالصوت والصورة واتّباع الإجراءات الاحترازية لضمان نزاهة الامتحانات".
وتابع علم الدين: "نأمل أن تعترف الوزارة بهذه الامتحانات في الفترة المقبلة، خصوصاً أنّ موعد إجرائها يقارب الشهر تقريباً"، مؤكداً أنّ "الهدف منها هو حماية حقوق التلاميذ وتأمين إمكانية استخدام شهاداتهم في المستقبل". وردّاً على سؤال حول موقف الحكومة المؤقتة من هذه الامتحانات، أفاد المسؤول الإعلامي لدى مديرية التربية في السويداء بأنّ "الوزارة لم تصدر أيّ تعليق رسمي حتى الآن، لكنّنا نعمل وفقاً لما يضمن حقوق التلاميذ ويصون جهدهم العلمي".
وبينما ترى مديرية التربية في السويداء والتلاميذ بمعظمهم أنّ إجراء الامتحانات خطوة ضرورية، يرى عدد من المدرّسين أنّ القرار يحمل انعكاسات سلبية واضحة. وقال مدرّس لدى قطاع التربية في السويداء، فضّل عدم الكشف عن هويته، لـ"العربي الجديد"، إنّ "من غير المعقول إجراء مثل هذه العملية من دون موافقة وزارة التربية والتعليم، خصوصاً أنّنا محافظة تتبع الدولة السورية، ومديريتنا تتبع الوزارة". وأشار إلى "مشكلة حقيقية تتعلّق بمن يتحمّل تكاليف تصحيح الأوراق والمراقبة وتجهيزات الامتحانات، فيما نحن لم نتقاضَ رواتبنا منذ ثلاثة أشهر تقريباً".
أضاف المدرّس نفسه: "من هنا، لا أتوقّع أن تنجح هذه الامتحانات إلا في حال تكفّلت منظمة دولية بالموضوع أو أحد المغتربين. كذلك فإنّ ثمّة مشكلة كبيرة تواجه التلاميذ، مفادها احتمال عدم الاعتراف بنتائج الامتحانات في حال قيامها، سواء في داخل سورية أو عند السفر للخارج. بالتالي فإنّ جهد هؤلاء التلاميذ ووقتهم قد يكونان ذهبا بلا فائدة". ويُبرز هذا الرأي الأبعاد المالية والتنظيمية والقانونية لقرار مديرية التربية في السويداء، ويبيّن أنّ التحديات أمام التلاميذ كما المدرّسين أكبر من مجرّد إجراء امتحانات، إذ ترتبط بمستقبل التلاميذ الأكاديمي وقدرة المديرية على إدارة العملية بطريقة متكاملة وفعّالة.
وإزاء ذلك، يُسجَّل قلق بين التلاميذ من احتمال عدم الاعتراف بشهاداتهم، في حين لا يمكن غضّ النظر عن التفاؤل الملحوظ. في هذا الإطار، قال محمد الجباعي، تلميذ في الفرع العلمي، لـ"العربي الجديد": "نحن نحاول فقط إنهاء العام الدراسي. حتى لو لم تعترف الوزارة بذلك، نريد أن نثبت أنّنا بذلنا كلّ ما في وسعنا"، مشدّداً على أنّ "الأمر ليس عادلاً، ولا ذنب للتلاميذ ليُحرَموا (من الشهادة)".
من جهتها، رأت إلهام الزعبي، تلميذة في الفرع الأدبي، أنّ القرار ينطوي على أمل وقلق. وقالت لـ"العربي الجديد": "أنا سعيدة لأن الامتحانات سوف تُجرى، فهذا يعني أنّ كلّ تعبنا لم يذهب سدى. لكنّني أخشى من أن نواجه صعوبة في الاعتراف بالشهادة خارج السويداء". أمّا هاني العرب، تلميذ في الفرع المهني، فأشار إلى تحديات لوجستية، وقال لـ"العربي الجديد" إنّ "كثيرين من زملائنا لم يتمكّنوا من العودة بعد نزوحهم، وربّما لن يتمكّن الجميع من الخضوع للامتحان". ولفت إلى أنّ هذا "يمثّل ضغطاً إضافياً على الذين بقوا هنا. لكن على الأقلّ، سوف نعلم أنّنا أنهينا عامنا الدراسي".
وفي حين يمثّل قرار مديرية التربية في السويداء خطوة لإنقاذ العام الدراسي الماضي بالنسبة إلى تلاميذ شهادة الثانوية العامة، فإنّه ينطوي على تحديات، لا سيّما في ما يتعلّق بالاعتراف بالشهادات وحقّ التلاميذ في متابعة تعليمهم العالي. ويُطرَح السؤال حول ما ستؤول إليه جهود المديرية في ما يتعلّق بتأمين اعتراف بالشهادات، وسبل حماية حقوق التلاميذ في ظلّ الظروف المعقّدة اقتصادياً وسياسياً. في هذا السياق، قد يكون للمنظمات الدولية أو المغتربين الداعمين للتعليم المحلي دور حاسم في نجاح الامتحانات. لكن حتى ذلك الحين، يظلّ الترقّب سيّد الموقف بين التلاميذ والمدرّسين، لا سيّما في حال ذهاب جهدهم هباءً مع عدم الاعتراف بالشهادات رسمياً لا في سورية ولا خارجها.

أخبار ذات صلة.

إيران وسؤال المرحلة
العربي الجديد
منذ 28 دقيقة

فيلم يواجه ديكتاتورية ترامب
العربي الجديد
منذ 28 دقيقة

الرجل البغيض والحزن المسيطر
العربي الجديد
منذ 28 دقيقة