البحث عن هوية
عربي
منذ أسبوع
مشاركة
الراجح أن التأكيد على نظرية الاندماج في الهوية القومية التي تبنّاها حزب البعث، قد ساهمت في إضعاف الهوية السورية، إذ كانت تلك الأيديولوجيا تتقدم على الانتماء إلى الوطنية السورية. لم يكن بوسع السوري أن يلفظ جنسيته إلا مشفوعة بالعربي؛ العربي السوري. بينما يمكنه أن يقول أردني ومصري وتونسي ومغربي وجزائري، غير أنه لم يسع مطلقاً لتأسيس هوية قومية، وتكفي حروب النظام مع العراق شاهداً على انعدام الاستعداد لدى النظامين البعثيين لحل أي مشكلة ذات طابع قومي.   ولم يكن نظام البعث وحيداً، إذ كانت كل الأيديولوجيات التي احتدم الصراع بينها على الأرض السورية، تضع "السورية" وراء ظهرها، الماركسية والإسلامية وغيرهما، وكانت النتيجة أن السوري كانتماء وهوية جامعة ظل في طور التحضير، دون أن يثبت، وفي ظل الأنظمة العسكرية تقطعت الصلات الحميمة بين المكونات السورية يوماً بعد يوم. وإذا قيل إن السلطة كانت تخشى من أن يتوحد السوريون ضد النظام، فهذا صحيح، وقد أفضى في الوقت نفسه، بالمجتمعات المحلية لأن تبحث داخل كل منها عن حمايات، وتبني وحدات أصغر، لا تعتبر النظام وحده هو الخطر، بل المجتمعات السورية الأخرى. ولعل إعادة قراءة الروايات السورية التي كتبت عن مدن أخرى، غير مدينة، أو ريف الروائي (ويمكن أن تحوز دمشق العدد الأكبر من النصوص) انطلاقاً من نقص الخبرات، وقلة التعايش، لا من مركزية المدينة، ولا من هامشية الريفي، قد يسهم في التعرف إلى واحد من مظاهر انقسام الهوية السورية إلى هويات تعجز عن أن تتعايش. أما الإثنيات غير العربية، فقد غابت كأفراد، أو كشخصيات روائية تتفاعل مع الأحداث بوصفها كذلك، عن معظم الروايات السورية، باستثناء القليل من الروايات التي كتبت خلال الثورة السورية، أو باستثناء روايات الكرد السوريين الذين كانوا أكثر انفتاحاً على الداخل السوري العربي، من العرب في انفتاحهم على المجتمع الكردي، دون أن يتورط الكلام هنا في توصيف الموقف أيديولوجياً، أي كان الغياب ناجماً، بحسب ما أرجح، عن عدم المعرفة، ونقص التعايش، الذي أعاق النظام السابق، والنظام الحالي، تحققه بين السوريين كافة، لا رفضه، أو محاربته، من قبل معظم الروائيين، كي لا نعمم الاستنتاج على الجميع. في ظل الأنظمة العسكرية تقطعت الصلات الحميمة بين المكونات السورية وهو الأمر الذي بدا طوال العقود الماضية الثغرة التي كان بوسع كل الحكام التسلل منها، أو إعادة شحنها بما يخدم أجنداتهم،  لإثارة العداوات، بين مجتمعات لا تعرف شيئاً بعضها عن بعض، وتحشيد التوترات، وتأليب المدن على الأرياف، وإشاعة الأنماط الموحدة التي يقاس السوري الآخر وفقها فقط. كل المجازر التي ارتكبت في العقد الماضي، وفي هذه السنة، كانت تعيد الأفراد إلى النمط، كي يسهل قتلهم. وفي هذه الحالات يرى حملة السلاح أنفسهم كأنماط، وهذا إحدى النتائج الأكثر دموية لرفض النظام الجديد في سورية صيغة العدالة الانتقالية، وتغليب روح الثأر والانتقام وأخذ حق الدم بالطريقة القبلية، لا بالمحاكم القانونية، استناداً إلى الصور النمطية التي عمل على ترسيخها، وإعادة إرسالها إلى مؤيديه، وخاصة بين العناصر الشابة الجاهلة التي ظلت شبه سجينة داخل محافظة واحدة، طوال عشر سنوات، تزود فقط بثقافة الأنماط المعادية.     * روائي من سورية

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية