إعمار غزة: كلفة تصل إلى 80 مليار دولار ومدة تمتد لعقود
عربي
منذ أسبوع
مشاركة
منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المحاصر في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، لم يكن الدمار الذي لحق بالقطاع مجرد أرقام عابرة في تقارير الأمم المتحدة، بل تحوّل إلى أزمة تنموية وإنسانية غير مسبوقة في تاريخ المنطقة. ومع الإعلان عن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار اليوم الخميس، تعددت التقديرات والجهات المحتمل إعلان استعدادها للمشاركة في إعادة الإعمار، وسط تباين واضح في الأرقام، والجهات الممولة، والمدة المتوقعة لإعادة الحياة إلى القطاع المنكوب. وفي خضم هذه الصورة، برزت تقديرات دولية جديدة تتحدث عن حاجات تتراوح ما بين 52 مليار دولار و80 ملياراً، إلى جانب تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي دعا فيها الدول في المنطقة إلى تمويل العملية تحت إشراف واشنطن، بينما تتبنى الجامعة العربية ومصر خطة شاملة للإعمار تحظى بدعم أممي وأوروبي. تقديرات أولية بـ18.5 مليار دولار في 2 إبريل/ نيسان 2024، أصدر البنك الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي أول تقييم رسمي للأضرار بعنوان "التقييم السريع لأضرار غزة". وقدّر التقرير الكلفة المادية المباشرة للأضرار التي لحقت بالبنية التحتية بنحو 18.5 مليار دولار حتى نهاية يناير/ كانون الثاني 2024، أي ما يعادل 97% من الناتج المحلي الإجمالي للضفة الغربية وقطاع غزة مجتمعين لعام 2022. ووفقاً للتقرير، تحمّل قطاع الإسكان أكثر من 70% من إجمالي الخسائر، بينما توزعت النسبة المتبقية على قطاعات التعليم والمياه والصرف الصحي والقطاع الصناعي. كما قُدّر حجم الركام المتراكم في القطاع بنحو 26 مليون طن، في واحدة من أكبر كميات الأنقاض المسجلة في النزاعات الحديثة، ما يجعل إزالة الركام مرحلة مكلفة وطويلة قبل البدء بالبناء الفعلي. من جهتها، مؤسسة راند البحثية الأميركية دعمت تقديراً مقارباً في دراسة نُشرت في سبتمبر/ أيلول 2024، أشارت فيها إلى أن الكلفة الإجمالية لإعادة إعمار غزة قد تتجاوز 80 مليار دولار إذا ما أُدرجت ضمنها التكاليف غير المباشرة، مثل إعادة تأهيل شبكات الطاقة والمياه والموانئ والبنية المؤسسية، والخسائر في رأس المال البشري والإنتاج الاقتصادي. وأوضحت "راند" أن هذا الرقم لا يعكس فقط إعادة البناء المادي، بل أيضاً استعادة الوظائف والخدمات العامة المدمّرة، وهو ما يجعل العملية تتطلب التزامات تمويلية متعددة الأطراف تمتد لعقدين على الأقل. رفع الكلفة إلى 53 مليار دولار وفي 11 فبراير/ شباط 2025، أعادت الأمم المتحدة والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي تحديث تقريرها وقدّرت الاحتياجات الإجمالية لإعادة الإعمار خلال عشر سنوات بـ53.2 مليار دولار، منها 20 مليار دولار خلال السنوات الثلاث الأولى لإعادة تشغيل الخدمات الحيوية والبنى الأساسية. وبيّن التقرير المحدّث أن الأضرار المادية المباشرة بلغت 30 مليار دولار، فيما بلغت الخسائر الاقتصادية الناتجة عن توقف النشاط والإنتاج أكثر من 19 مليار دولار. كما قدّم التقرير توزيعاً قطاعياً دقيقاً، إذ احتل قطاع الإسكان الصدارة بنحو 17 مليار دولار، يليه القطاع الصحي والتجاري والصناعي بنحو 6.9 مليارات دولار لكل منها، ثم الزراعة بـ4.2 مليارات دولار، والنقل والمياه والتعليم مجتمعة بنحو 8 مليارات دولار. وأشار التقرير إلى أن الاقتصاد في غزة تقلّص بنسبة 83% خلال عام 2024، محذراً من أنّ "إعادة الإعمار لن تكون ممكنة من دون وقف دائم لإطلاق النار وضمان ممرات آمنة للمواد". من جهته، كتب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس في التقرير أن "المبالغ الضرورية للنهوض وإعادة الإعمار على المدى القصير والمتوسط والبعيد في قطاع غزة تقدر بنحو 53.142 مليار دولار"، مشيراً إلى أن السنوات الثلاث الأولى تتطلب نحو 20.568 مليار دولار". الخطة العربية وفي 4 مارس/ آذار 2025، أعلنت الجامعة العربية خلال القمة الاستثنائية في القاهرة تبني الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة. وقدرت الخطة التكلفة الإجمالية لإعادة الإعمار بنحو 53 مليار دولار. وتضمنت هذه الخطة المؤلفة من 112 صفحة خرائط توضح كيفية إعادة تطوير أراضي غزة وعشرات الصور الملونة التي تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي لمشاريع الإسكان والحدائق والمراكز المجتمعية. كما تضمنت ميناء تجارياً ومركزاً للتكنولوجيا وفنادق على الشاطئ. ووفقاً للخطة المصرية، فإن إعادة الإعمار بالكامل ستستغرق خمس سنوات، وأن التعافي المبكر سيستغرق 6 أشهر ويشمل رفع الأنقاض وتركيب مساكن مؤقتة. ووفقا للخطة، فإن المرحلة الأولى ستستغرق عامين بتكلفة 20 مليار دولار، وتشمل بناء 200 ألف وحدة سكنية. أما المرحلة الثانية فسوف تستغرق عامين ونصف عام وبتكلفة نحو 30 مليار دولار وتشمل بناء 200 ألف وحدة سكنية أخرى ومطار في غزة. وتتضمن الخطة المصرية إمكانية قيام الدول الأعضاء في الجامعة العربية بتوجيه بإنشاء صندوق لدعم الجهة التي ستحكم القطاع مؤقتاً وتنظيم مؤتمرات للحصول على مساهمات من مانحين لخطة إعادة الإعمار والتنمية على الأمد الطويل في غزة. تكلفة بـ80 مليار دولار وتناول باحثون في معهد الشرق الأوسط التحديات الاقتصادية والهندسية والسياسية لإعادة إعمار غزة. وفي مقال تحليلي بعنوان "إعادة إعمار غزة لن يكون سهلاً، لكن يجب أن نحاول" نشر في 6 فبراير/شباط 2025، أوضحوا أن تقديرات التكلفة الشاملة لإعادة إعمار غزة تتراوح بين 50 مليار دولار و80 ملياراً، اعتماداً على سرعة رفع الأنقاض وإعادة تشغيل الخدمات الحيوية. كما أشاروا إلى أن تكلفة إزالة الركام وحدها قد تصل إلى 1.2 مليار دولار، في ظل وجود ملايين الأطنان من الأنقاض والذخائر غير المنفجرة. وأكد المعهد من خلال باحثيه أن أي جهد دولي للإعمار يجب أن يتجاوز الجانب الإنساني إلى تبني رؤية طويلة الأمد للتنمية تراعي استدامة البنية التحتية وخلق فرص العمل وتوفير بيئة سياسية مستقرة تسمح بتدفق الاستثمارات. وتناول الباحث ديفيد فيليبس، في تقرير أكاديمي بعنوان "إعادة إعمار وتأهيل غزة" في يوليو/ تموز 2025 عن جامعة جورج تاون الأميركية، التحديات الهندسية والاقتصادية التي ستواجه إعادة إعمار القطاع بعد الدمار الواسع بشكل علمي. واعتبر أن الإعمار لن يكون مجرد عملية بناء عمراني بل مشروعاً طويل الأمد لإعادة تأهيل منظومة الحياة بأكملها. وأكد التقرير أن الأولوية العاجلة يجب أن تُمنح لإصلاح البنى التحتية الأساسية، وذكر شبكات المياه والطاقة والصرف الصحي والطرق قبل الشروع في بناء المنازل والمرافق، محذراً من أن البيروقراطية الدولية في إدارة التمويل قد تبطئ التنفيذ ما لم تُنشأ آليات سريعة لتوجيه الأموال مباشرة نحو المشاريع الميدانية. وأشار التقرير إلى أن إعادة إعمار غزة ستتطلب عقوداً من الزمن، إذ من المرجح أن تمتد العملية لعشرات السنين بالنظر إلى حجم الدمار وتشابك الجهات المنفذة، لكنه لم يورد رقماً محدداً لتكلفة الإعمار الشامل. الجهات المتوقعة لإعمار غزة من خلال الوثائق الرسمية والتقارير الصادرة عن الأمم المتحدة والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية، يتشكل مشهد أولي لمعادلة الإعمار المقبلة في غزة، تتداخل فيه الأدوار السياسية والتمويلية والتنفيذية. تتولى الأمم المتحدة عبر مكتب خدمات المشاريع وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي مسؤولية القيادة الفنية للعملية، من حيث إدارة المشتريات، والمراقبة الميدانية، وتنسيق العقود الدولية. أما البنك الدولي والاتحاد الأوروبي فسيكونان العمود المالي للمشروع، إذ يُتوقع أن يقدما التمويل الميسر، ويشرفا على برامج إعادة الخدمات العامة وإحياء الاقتصاد المحلي، كما حدث في المراحل السابقة من التقييم. في المقابل، تعتمد الدول العربية، وفي مقدمتها مصر، على الخطة العربية الموحدة لإعادة الإعمار التي تم تبنيها رسمياً خلال القمة العربية الاستثنائية في القاهرة، فيما يُنتظر أن تكون دول المنطقة الممول الرئيس للمشروعات الكبرى في البنية التحتية والإسكان والطاقة. ومن جانب آخر، يُنتظر أن يُسهم الاتحاد الأوروبي بمساعدات تكميلية في مجالات الماء والصحة والتعليم، بينما تلعب الولايات المتحدة دور الراعي السياسي والضامن الدولي لخطة التمويل والتنفيذ. هذه الأطراف كلها تظهر أن الإعمار في غزة ليس مجرد مشروع هندسي، بل عملية سياسية اقتصادية متشابكة تتجاوز حدود القطاع. المانحون ودورهم المنتظر منذ العام الماضي، شددت الأمم المتحدة على ضرورة قيام تحالف مانحين دولي يضم الدول الأوروبية والعربية والمؤسسات المالية الكبرى لتأمين التمويل على مراحل. الدول الأوروبية أعلنت أنها ستواصل تقديم دعم إنساني عاجل، لكنها ربطت المساهمات المالية الكبرى باستقرار سياسي وأمني في القطاع. أما الدول العربية، فستكون وفق المؤشرات الجهة الأكثر قدرة على تمويل إعادة البناء. أما تقديرات البنك الدولي فأشارت إلى أن أكثر من نصف التمويل المطلوب للإعمار يمكن أن يأتي من مساهمات عربية مباشرة أو من خلال الصناديق المشتركة. هذا التوجه يجد صداه في تصريحات ترامب الأخيرة، التي أكدت أن "واشنطن لن تتحمل وحدها كلفة الإعمار، وأن على دول المنطقة أن تقوم بدورها". تصريحات ترامب وفي مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" في فبراير/ شباط 2025، قال ترامب إن "دولاً في الشرق الأوسط تمتلك ثروات ستساعد في إعادة إعمار غزة، لأنها تريد السلام وتملك الإمكانات لذلك"، مضيفاً أن "واشنطن ستساعد في تنظيم العملية لكنها لن تتحمل العبء المالي وحدها". ثم عاد اليوم الخميس ليؤكد أنّ "دول الشرق الأوسط ستكون العمود المالي لإعادة بناء غزة"، موضحاً أن "هذه الدول راغبة في دعم السلام وتطوير البنية التحتية في غزة بعد وقف الحرب". هذه التصريحات وضعت "التمويل العربي" في صدارة النقاش الدولي، واعتبرت مؤشراً على توجه أميركي لجعل دول المنطقة تتحمل الكلفة الأساسية للإعمار تحت إشراف واشنطن. تقديرات الأمم المتحدة الجديدة في اليوم نفسه، 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2025، أعاد خورخي موريرا دا سيلفا، مدير مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع، التأكيد أن "تكلفة البدء الفعلية لإعادة الإعمار بعد وقف إطلاق النار ستبلغ 52 مليار دولار"، مشيراً إلى أن "الأولوية ستكون لرفع الأنقاض وتأمين المناطق المدمرة". وأوضح أن المكتب يعمل على وضع خطة تفصيلية تشمل خرائط هندسية محدثة لمناطق الدمار الكامل والجزئي، تمهيداً لبدء المشاريع فور توفر التمويل. مدة إعمار غزة وبحسب دراسة صادرة عن مركز بروكينغز في 24 إبريل/نيسان 2025، فإن إعادة إعمار غزة قد تستغرق ما بين 16 عاماً في أفضل السيناريوهات إلى 80 عاماً في حال تأخر التمويل أو استمرار القيود الأمنية. كما قدّرت الأمم المتحدة أن إزالة الأنقاض وحدها قد تحتاج إلى 20 عاماً؛ بسبب حجم الركام الهائل ووجود ذخائر غير منفجرة. بينما أشارت مصادر لوكالة رويترز إلى أن "إعادة بناء المنازل وحدها قد تمتد حتى عام 2040 على الأقل". ومهما تضخمت الأرقام، تبقى رهينة الواقع الميداني، ومرتبطة برفع الأنقاض وفتح المعابر وضمان أمن العاملين، فإعمار غزة ليس مشروعاً هندسياً فقط، بل اختبار دولي جديد لمدى صدق الإرادة السياسية في تحويل وعود المانحين إلى بناء حقيقي يعيد الحياة إلى أرض دمرها الاحتلال الإسرائيلي بالكامل.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية