
عربي
بعد أكثر من أسبوع على انطلاق احتجاجات حركة "جيل زد 212" في المغرب، في 28 سبتمبر/ أيلول الماضي، يبدو أنها تكتسب زخماً يوماً بعد آخر، على الرغم من وقوع أحداث شغب وعنف في عدد من المناطق، وسقوط ثلاثة قتلى وعشرات الإصابات إضافة إلى مئات المعتقلين، لكن هؤلاء الشباب كما يبدو مصرّون على إظهار أنّ حراكهم ليس موجة عابرة كما يظن البعض. هذا الأمر يظهر من خلال تجمّع آلاف الشباب في التظاهرات التي لم تعد تقتصر على الرباط، بل امتدت إلى معظم المدن الكبرى، من الدار البيضاء، إلى مراكش، وأكادير، وفاس، ومكناس، وطنجة، وتطوان، وقنيطرة، والمحمدية، وآسفي، والجديدة، ووجدة، وغيرها. وبات مطلب هؤلاء الشباب واضحاً، رحيل حكومة عزيز أخنوش، إضافة إلى شعارات تطالب بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وبالحرية للمحتجين الذين اعتقلوا منذ بدء الاحتجاجات، وأخرى تنتقد الأوضاع في قطاعَي الصحة والتعليم، وغلاء المعيشة، وتطالب بمحاربة الفساد. واللافت بدء الحركة بالتنظّم أكثر في احتجاجاتها، عبر دعوتها أمس الأول الجمعة للالتزام بالأماكن المعلنة للاحتجاج، و"التحلي بالانضباط والمسؤولية حفاظاً على سلمية تحركاتنا".
غياب القيادات في "جيل زد"
لم تعلن حركة شباب "جيل زد" إلى حدّ الساعة عن هوية قادتها، لكنّها تتبع طريقاً للتعبير عن غضب اجتماعي، من خلال النضال عبر منصات رقمية وطرق تعبير غير تقليدية لتحقيق مطالبها المتمثلة أساساً في صحة وتعليم جيدَين ومحاربة الفساد. وبحماس الباحث عن الحرية والراغب في تغيير أوضاع البلاد انطلق شباب "جيل زد" في نضالهم من أجل تحسين خدمات الصحة والتعليم ومحاربة الفساد وتوفير فرص العمل في البلاد، يعينهم على ذلك امتلاكهم لسلاح التعبئة والحشد عبر منصات التواصل الاجتماعي، خصوصاً تطبيق "ديسكورد".
رضا الساسي: الشباب عبّروا عن صوتهم بقوّة ومسؤولية والكرة الآن في ملعب المسؤولين
ويقول العضو في مجموعة "جيل زد" رضا الساسي، لـ"العربي الجديد": "نجتمع على منصة ديسكورد كل ليلة، لتبادل الأفكار حول القضايا والمستجدات التي تقتضي الحسم، سواءً ما يتعلق باستمرار الاحتجاجات أو طبيعة المطالب أو الخطوات المقبلة لتحركاتنا، كل المواضيع مطروحة للنقاش، لا توجد حدود عندنا. بعد عرض وجهات النظر المختلفة نلجأ إلى الفصل في الأمر بطريقة ديمقراطية باللجوء إلى التصويت في غرفة للمجموعة مخصصة لذلك. نحن أبناء هذا الوطن، ومطالبنا واضحة يتفق معها غالبية المغاربة"، ويتابع: "هامش التعبير عن الرأي في المجموعة كبير جداً ولا حدود له، ومعه تتحوّل إلى فضاء حقيقي للنقاش، وحين يُتخذ القرار بتصويت الأغلبية وبطريقة تشاركية وديمقراطية، فإن الجميع يلتزمون به. الشباب عبّروا عن صوتهم بقوة ومسؤولية والكرة الآن في ملعب المسؤولين"، ومن خلال تتبّع "العربي الجديد" للنقاشات التي تجري في تطبيق "ديسكورد" طيلة الأسبوع الأول من اندلاع احتجاجات "جيل زد"، يبدو لافتاً وجود توجّه رافض للأحزاب بمختلف تلويناتها، وللنقابات، ولباقي مؤسّسات الوساطة، وكذلك لفكرة تحوّل الحركة إلى حزب يؤسس المشهد السياسي في البلاد، وعن ذلك يقول الساسي: "لنا موقف مناهض للأحزاب على اختلافها؛ لما تقدّمه من غطاء للانتهازيين والمنتفعين لتحقيق مآربهم الشخصية، ولأنها عاجزة عن التعبير عن تطلعات الشباب المغربي والدفاع عن قضايانا الحقيقية. لهذا حرصنا منذ البداية على إسقاط فكرة الحزب من أجندة الحركة، كما حذرنا من محاولات ركوب الأحزاب على حركتنا"، ويتابع: "نحن لا ننتمي إلى أيّ حزب ولا نريد أن نؤسس أيّ حزب".
ويمثّل "جيل زد" في المغرب حوالى 26% من السكان، وتتراوح أعمارهم ما بين 13 و28 سنة، وفق الأرقام الرسمية. وهو جيل يتميّز "بارتباط قوي بالتكنولوجيا. له طموحات عالية وقدرة على التأثير المجتمعي والاقتصادي"، حسب توصيف المندوبية السامية للتخطيط (مؤسّسة حكومية تعنى بالتخطيط). تضم حركة "جيل زد" المغربية أطيافاً متعدّدة من الشباب لا ينتمي أغلبيتهم إلى أي تيار سياسي، شباب كان يعتقد الكثيرون حتى 28 سبتمبر الماضي، أنهم بعيدون كل البعد عن الحياة السياسية، غير أن المتتبع لنقاشاتهم التي تنطلق مساء كل يوم وتستمر حتى ساعات متأخرة من الليل في مجموعة الحركة على تطبيق "ديسكورد"، يدرك أنه أمام جيل هَدَمَ جدار الخوف والصمت، ويصرّ بشدة على ممارسة حقوقه، ويحاول جاهداً إعادة تشكيل عالم يختلف عمّا عاشه مَن سبقوهم.
ويقول نبيل الأندلوسي، رئيس المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية في المغرب، إن "الشباب والجيل الصاعد يطالبون بالاعتراف بوجودهم وحقوقهم في الكرامة والعدالة والحرية والديمقراطية ومقومات العيش الكريم، في وطن تتساوى فيه الفرص"، ويلفت في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "جيل زد 212 يتميز بخصوصيات مختلفة وأساليب تواصل مستجدة، فهؤلاء الشباب يتحركون في فضاء مفتوح تهيمن عليه الثقافة الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي، ما يجعلهم أكثر أفقية وأقل ارتباطاً بقيادات أو تنظيم بمفهومه الكلاسيكي"، مضيفاً: "هم شباب غير مؤطرين بالمفهوم التقليدي للكلمة، لكن بوعي سياسي رافض للأحزاب وأدوات الوساطة التقليدية".
عز الدين العرماني: جيل زد يعيد تشكيل الخريطة السياسية بأدواته الخاصة
جيل وُلد في عصر الإنترنت
من جهته، يقول الباحث في العلوم السياسية عز الدين العزماني، في حديث لـ"العربي الجديد": "نحن أمام جيل ولد في عصر الإنترنت، ويتقن استخدام منصاته. هم رقميون بالفطرة، ما يجعلهم يفضّلون النضال الرقميَّ خطوةً أولى... هو جيل يرفض الخوف والصمت، ويتحدى التقليد، ويعيد تشكيل الخريطة السياسية بأدواته الخاصة: الإبداع في أشكال التعبئة، والسرعة، والتضامن، واللامركزية. هو جيل مرن، سريع الاستجابة"، ويضيف الباحث المتابع لنقاشات حركة "جيل زد": "لا يستقيم النظر إلى جيل زد عموماً بوصفه جيلاً افتراضياً فحسب، بل هو جيل التحوّلات بامتياز. يستعمل التغريد أو النشر، ثم يحوّل أدواته الرقمية إلى سلاح ناعم في مواجهة الاستبداد والظلم. إنه جيل يعيد تشكيل أدوات النضال السياسي والاجتماعي عبر منصات رقمية وطرق تعبير غير تقليدية".
وعلى الرغم من مواجهة الحركة منذ انطلاقتها وخروجها للعلن اتهامات بعداء الوطن والارتباط بجهات خارجية، لكن يبدو أن هناك رابطاً واضحاً بين ممارساتها والمطالب التي رفعتها. يقول العزماني، إنّ "سرديات التخوين تعني أن المتصدرين للرأي في الفضاء العمومي ليس لديهم أدنى فهم لطبيعة الجيل ومدركاته الاجتماعية... هم ليسوا كتلة صماء، بل هم ينصتون ويتفاعلون بسرعة مثيرة للانتباه"، ويؤكد أن الحركة "ليست موجة عابرة كما قد يظنّ البعض".
