سباق خليجي على المعادن الحرجة تقوده السعودية
عربي
منذ 3 ساعات
مشاركة
تقود السعودية سباقا خليجيا نحو الاستثمار في المعادن الحرجة (Critical Minerals) عبر سلسلة من الزيارات التي قام بها وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي بندر الخريف، وآخرها إلى الصين في الفترة من 22 إلى 26 سبتمبر/ أيلول المنصرم، والتي استهدفت توسيع الشراكات لنقل أحدث التقنيات في القطاع، ما سلط الضوء على دوافع هذا الاهتمام الاستثنائي وانعكاساته الاقتصادية المتوقعة. ويعرف الجهاز الجيولوجي الأميركي (USGS) المعادن الحرجة بأنها تلك المواد الخام الأساسية التي تشكل الأسس الأساسية للاقتصادات الحديثة والتي تواجه خطر انقطاع سلاسل التوريد الخاصة بها، وتمثل العناصر الأساسية للتقنيات عبر قطاعات الطاقة والدفاع والتصنيع، وتنبع أهميتها الاستراتيجية من قيمتها الاقتصادية والمخاطر الكبيرة التي تواجهها سلاسل التوريد نتيجة التوترات الجيوسياسية أو تركز الإنتاج في مناطق محددة أو القيود في المعالجة، حسبما أورد تقرير نشرته منصة "ديسكفوري أليرت" (discovery alert). وفي هذا الإطار، يشير الخبير الاقتصادي علي سعيد العامري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن التعدين أصبح اليوم محورا رئيسيا في الخطط الوطنية، ولذا أعلنت السعودية عن استثمارات ضخمة في استكشاف وتطوير هذه الموارد بهدف تحقيق إيرادات تصل إلى 64 مليار دولار بحلول عام 2030. وبحسب الجهاز الأميركي، فإن المعادن الحرجة تشمل الليثيوم والكوبال والنيكل والمنغنيز والغرافيت الطبيعي والعناصر الأرضية النادرة، مثل الديسبروسيوم والنيوديميوم، بالإضافة إلى النحاس والغاليوم، ولا تتعلق أهميتها فقط بدورها المحوري في الصناعات التكنولوجية والطاقة النظيفة، بل بكون سلاسل توريدها عرضة للاضطرابات الجيوسياسية أو الاحتكار، وأي نقص فيها قد يؤدي إلى تعطيل الإنتاج العالمي. وهذه المعادن ليست نادرة من حيث الوجود الجيولوجي، لكن استخراجها وتنقيتها يتطلب تقنيات متقدمة، وغالبا ما تتركز مصادرها في مناطق محددة مثل أستراليا، جمهورية الكونغو الديمقراطية، أو الصين، وتصل قيمتها إلى أكثر من أربعة تريليونات دولار في الولايات المتحدة وحدها، بحسب تقرير نشرته منصة Carbon Credits، المتخصصة في الطاقة النظيفة والاستدامة. وتضم المملكة العربية السعودية احتياطيات معدنية هائلة تُقدر بحوالي 2.5 تريليون دولار، يتركز نصفها في منطقة الحدود الشمالية، بحسب تقرير نشره موقع منتدى الخليج الدولي Gulf International Forum، مشيرا إلى أن منطقة الدرع العربي الغربية تحتوي على احتياطيات كبيرة من النحاس، حيث كشفت الحملة الاستكشافية عن رواسب لم يتم استغلالها سابقا في وادي الجو على الساحل الشرقي للبحر الأحمر. كما كشفت شركة أرامكو السعودية تراكيز واعدة من الليثيوم في المنطقة، بحسب تقرير نشره موقع CNBC، المتخصص في الأسواق المالية والأعمال، فيما أورد تقرير منصة WAM Saudi، المتخصصة في التصنيع المتقدم واللوجستيات، أن السعودية تدرك في الوقت ذاته التحديات البيئية المرتبطة بممارسات التعدين في المنطقة، والتي تشمل شح المياه وتدهور الأراضي وتوليد النفايات. وهذه تحديات ملحة يجب معالجتها لضمان الاستدامة طويلة المدى لصناعة التعدين والحفاظ على الموارد الطبيعية الثمينة للبلاد. كما تواجه عمليات التعدين في المناطق القاحلة بالمملكة تحدي شح المياه، حيث تتبنى الشركات أنظمة متقدمة لإعادة تدوير المياه وتقنيات تحلية المياه لتقليل استخدام المياه العذبة. وتشمل هذه الممارسات الاستفادة من الاستخدام الفعال للمياه مع تقليل التأثير البيئي لأنشطة التعدين، بحسب تقرير نشرته منصة Saudi Mining Consulting، المتخصصة في استشارات التعدين المستدام. والسعودية، بحسب العامري، تسعى إلى تأمين سلاسل توريد آمنة من خلال شراكات دولية مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وتطبيق إصلاحات قانونية لتحسين الشفافية وجذب رؤوس الأموال الأجنبية، لافتا إلى أن المملكة، ومعها دولة الإمارات، تعملان على بناء مراكز متخصصة للمعالجة والتحويل المحلي، ما يضيف قيمة صناعية ويعزز مكانتهما الجيوسياسية في سوق عالمية تشهد تنافسا حادا بين القوى الكبرى، خاصة في ظل هيمنة الصين على معالجة هذه المعادن. ويشير العامري إلى أن المعادن الحرجة تلعب دورا لا غنى عنه في صناعات المستقبل، حيث تشكل المكونات الأساسية للطاقة النظيفة والتقنيات الرقمية، ففي السيارات الكهربائية تعتمد بطاريات الليثيوم-أيون على الليثيوم والكوبالت والنيكل والمنغنيز والغرافيت لضمان كفاءة التخزين والشحن، ما يجعلها حجر الزاوية في التحول نحو التنقل المستدام. كما تدخل العناصر الأرضية النادرة، مثل النيوديميوم، في تصنيع المغناطيسات القوية المستخدمة في المحركات الكهربائية، بينما يُستخدم الغاليوم والإنديوم في الرقائق الإلكترونية والشاشات الذكية، وبدون هذه المعادن يتوقف الإنتاج، بحسب العامري، الذي يلفت إلى توقعات بأن يرتفع الطلب على المعادن الحرجة بنسبة 500% بحلول عام 2050 بسبب التوسع الواسع في الطاقة المتجددة، والذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء. وهنا يلفت العامري إلى أن استخراج المعادن الحرجة في السعودية يمكن أن يكون ذا تأثيرات مزدوجة على البيئة والمجتمعات المحلية، حسب طريقة إدارته، فقد يؤدي التعدين بيئيا إلى تآكل التربة وتلوث المياه الجوفية وزيادة الانبعاثات، خاصة في المناطق الصحراوية الشمالية الغربية التي تتركز فيها الاحتياطيات، ما يزيد الضغط على الموارد المائية المحدودة ويهدد التنوع البيولوجي، كالوجود النادر للحيوانات الصحراوية مثل الجرذ الرملي. لكن التزامات المملكة بالاستدامة، كما وردت في رؤية 2030، تفتح الباب لتطبيق تقنيات التعدين الأخضر وإعادة تدوير المعادن واستخدام الطاقة النظيفة في العمليات، وهو ما يراه العامري عاملا في تقليل الأثر البيئي ودعم الحفاظ على التراث الطبيعي على المدى الطويل. وعلى المستوى الاقتصادي، يلفت العامري إلى توقعات بأن يخلق قطاع التعدين مئات الآلاف من فرص العمل بحلول عام 2030، وأن يشجع تطوير البنية التحتية في المناطق النائية، ما يعزز التنمية المحلية والاندماج الاجتماعي، لكنه يشير في الوقت ذاته إلى مخاطر تتعلق بتهميش المواطنين في دول الخليج إذا لم يتم إدماجهم في شراكات حقيقية من شأنها أن تُوزع عوائد الاستثمارات بشكل عادل. ولذا يؤكد العامري على أن النجاح يعتمد على الشفافية والمشاركة المجتمعية وتطبيق المعايير الدولية، مثل تلك المنصوص عليها في اتفاقيات الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية، ما يجعل التأثير الإيجابي لتصاعد الاهتمام بنشاط التعدين هو الأرجح إذا تم التخطيط له بحكمة. ويخلص العامري إلى أن الاستثمار في المعادن الحرجة ليس مجرد مشروع تعديني، بل يمثل تحولا اقتصاديا استراتيجيا يربط بين الأمن القومي والتنمية المستدامة والتحول التكنولوجي، مؤكدا أن السعودية إذا حافظت على التوازن بين النمو والبيئة والعدالة الاجتماعية ستحول مواردها الجيولوجية من مجرد احتياطيات تحت الأرض إلى رافعة لاقتصاد مرن ومستقل وقادر على المنافسة عالميا. المعادن والسيليكون ومزيج الطاقة وفي السياق، يشير الخبير الاقتصادي محمد الناير، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن المعادن الحرجة تشهد طلبا عالميا متزايدا، ويدور حولها سباق دولي محموم نظرا لأهميتها البالغة في الصناعات المستقبلية، لافتا إلى أن معدن السيليكون المستخلص من الرمال البيضاء بات عنصرا جوهريا في صناعة الخلايا الشمسية، التي باتت ركيزة أساسية في مزيج الطاقة العالمي. ومع تراجع الاعتماد التدريجي على الوقود الأحفوري عاما بعد عام، واحتمال انخفاضه بشكل كبير خلال العقدين المقبلين، يزداد الدور الاستراتيجي للمعادن الحرجة في تشكيل مستقبل الاقتصادات والصناعات النظيفة، كما يوضح الناير، لافتا إلى أن دول الخليج تدرك أن امتلاك مصادر مستقرة ومنتظمة من المعادن الحرجة بات ضرورة وطنية، خاصة أنها لا تمتلك احتياطيات داخلية منها. وتتواكب مساعي دول الخليج مع توجه القوى الاقتصادية الكبرى لتأمين سلاسل إمداد موثوقة لضمان استمرارية صناعاتها المتطورة وعدم تعرضها لاختناقات قد تهدد أمنها التكنولوجي والصناعي، بحسب الناير، مشيرا إلى أن من يتملك المعادن الحرجة اليوم يمتلك نفوذا اقتصاديا واستراتيجيا متزايدا في المستقبل، خاصة في أسواق الصناعات الدقيقة والإلكترونية. ومن هذا المنطلق يقرأ الناير الاهتمام السعودي الكبير بالمعادن الحرجة، وإدراج المملكة لها ضمن ركائز رؤية 2030 باعتبارها أحد المحركات الأساسية لتنويع الاقتصاد وتعزيز مصادر الدخل غير النفطية، لافتا إلى أن المملكة تملك إمكانات واعدة في إنتاج هذه المعادن، شأنها في ذلك شأن دول أخرى مثل السودان، التي تعد من الدول الواعدة في هذا المجال. ويخلص الناير إلى أن تصاعد الطلب العالمي يدفع باتجاه زيادة الوعي بأهمية المعادن الحرجة ودمجها في سلاسل القيمة العالمية، ما يمنح الدول الغنية بها موقعا محوريا في المشهد الاقتصادي والصناعي القادم.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية