
عربي
رغم أنها انتخابات غير مباشرة وتجرى في ظروف استثنائية، فإن الكثير من السوريين يشعرون لأول مرة منذ عقود بأن لهم دوراً ما في اختيار ممثليهم إلى مجلس الشعب السوري في الانتخابات التي تجرى اليوم الأحد، خلافاً للعقود الستة الماضية، إذ اعتاد السوريون على صورة نمطية من الانتخابات المعدّة نتائجها مسبقاً في الدوائر الحزبية والأمنية التابعة للنظام السابق. وما يزيد من مصداقية انتخابات مجلس الشعب السوري في نظر البعض أن اللجنة العليا المشرفة عليها فتحت الباب أمام الرقابة الدولية ومشاركة المنظمات الدولية والمحلية، وهو ما يعزز فرص إجراء انتخابات شفافة تضمن تمثيل جميع المناطق وتؤسس لمجلس شعب يواكب المرحلة الانتقالية المحدّدة بموجب مرسوم رئاسي بخمس سنوات، بينما ستكون ولاية مجلس الشعب السوري الجديد 30 شهراً قابلة للتمديد، على أن تجرى بعد السنوات الخمس انتخابات طبيعية، ويوضع دستور دائم للبلاد.
اختيار 210 أعضاء في مجلس الشعب السوري
وتستهدف الانتخابات التي تجرى اليوم الأحد اختيار 210 أعضاء في مجلس الشعب السوري، على أن يُنتخب ثلثاهم عبر هيئات ناخبة ضمن الدوائر الانتخابية الموزعة في جميع أنحاء البلاد، والتي ستنتخب حصة كل محافظة وفق عدد سكانها، والثلث الأخير يعيّنه رئيس الجمهورية. ووفق المراسيم والقرارات التي نظمت العملية الانتخابية، تُشكّل اللجان الفرعية في كل محافظة هيئاتٍ ناخبةً تعبّر عن مجمل شرائح المجتمع السوري، ويُركَّز على أن تتكوّن الهيئات الناخبة بنسبة 70% من الكفاءات وأصحاب التخصصات المتنوعة، و30% من الأعيان والوجهاء الذين يمثلون شرائح اجتماعية مهمة.
باسل سعيد مانع: إجراء الانتخابات بالطريقة التقليدية قد لا يناسب الوضع السوري الراهن
وقال المحلّل السياسي بسام سليمان، لـ"العربي الجديد"، إن "مؤتمر النصر" الذي عُقد في نهاية الشهر الأول من العام الحالي، كلّف الرئيس أحمد الشرع بتشكيل مجلس شعب انتقالي، لكن بعد الاجتماع الذي عُقد بين الشرع ولجنة صياغة الدستور، تقرّر أن يُنتخب ثلثا الأعضاء عبر لجان ناخبة، ويعيّن الثلث الباقي من الرئاسة، موضحاً أن الثلث الأخير كان مبعثه الحاجة إلى وجود لجان قانونية واقتصادية متخصصة في مجلس الشعب السوري قد لا تُنتخب، إضافة إلى ضرورة تعيين ممثلين عن الأقليات التي قد لا تحظى بتمثيل أمام الأكثرية. وأوضح سليمان أنه اعتُمد آخر إحصاء للسكان قبل عام 2011 لتحديد حصة كل محافظة من النواب، وجرى اعتماد أن لكل 150 ألف شخص ممثلاً في مجلس الشعب.
وحول بواعث إجراء الانتخابات بهذه الطريقة، بدل إجراء انتخابات مباشرة، رأى المحامي باسل سعيد مانع، لـ"العربي الجديد"، أن إجراء الانتخابات بالطريقة التقليدية قد لا يناسب الوضع السوري الراهن، بسبب عدم توفر بيئة مناسبة، فنحو نصف الشعب السوري ما زال مهجراً داخل البلاد وخارجها، ونسبة كبيرة من هؤلاء لا يملكون وثائق سورية، ما يعني استحالة إنشاء سجل دقيق للناخبين وإجراء تصويت شعبي في هذه المرحلة، مع الصعوبة البالغة في ترتيب الأمور اللوجستية اللازمة للسوريين في المهاجر للتصويت في بلدان إقامتهم. وأضاف: كما أن الدولة مقسمة جغرافياً، وبعض مناطقها خارج سيطرة الحكومة في دمشق، مثل محافظة السويداء جنوبي البلاد، وقسم كبير من محافظتي الحسكة والرقة في الشمال الشرقي.
ورأى مانع أن الوضع في سورية لا يسمح بالانتظار إلى حين تسوية هذه الأوضاع، لأن البلاد بحاجة إلى مجلس يتولّى المهام التشريعية في المرحلة الانتقالية، لافتاً أيضاً إلى التداخل السكاني الذي حصل خلال السنوات الماضية نتيجة عمليات التهجير الداخلي، بحيث إن هناك محافظات فيها نسبة كبيرة من أبناء المحافظات الأخرى، وإن كان القانون يسمح لهم بالانتخاب حيث هم، لكن النتيجة لا تكون معبّرة على نحو كافٍ عن هموم ورغبات أبناء المحافظة، ذلك أن أبناء المحافظات الأخرى يعتبرون أنفسهم غالباً في إقامة مؤقتة، وسيعودون عندما تسمح ظروفهم إلى محافظتهم الأصلية.
وأشار إلى أن عدم وجود مجلس تشريعي يعوق سنّ التشريعات وإصلاح القوانين، ومن المتوقع أن يتصدى مجلس الشعب السوري الجديد لعدد كبير من القوانين التي لم تعد صالحة من عهد النظام السابق، ولم يكن هدفها مصلحة البلاد والناس، بل خدمة مصالح ضيقة لقوى مرتبطة بالنظام السابق. وأضاف أنه في المرحلة الثانية يحق لأعضاء الهيئات الناخبة الترشح لعضوية مجلس الشعب، وتجرى عملية اقتراع حرّ ومباشر وسري داخل الدوائر، ليُعلن فوز من ينال أعلى الأصوات وفق المقاعد المخصصة لكل دائرة. وتقوم اللجنة العليا بالإشراف على العملية، وتمثّلها اللجان الفرعية في بقية المحافظات. وتشارك جهات محلية، منها نقابة المحامين، ودولية، في الرقابة على هذه الانتخابات، فضلاً عن وجود تغطية إعلامية مباشرة.
آليات اختيار الهيئات الناخبة
وحول آليات اختيار الهيئات الناخبة التي سيترشح من بينها أعضاء مجلس الشعب السوري أوضح مانع أن ثمة شروطاً عديدة طُبّقت على اختيارهم، منها التشاور مع الكفاءات وأعيان البلدات، وألا تكون للعضو عداوات ظاهرة مع المجتمع المحلي، أي أن يكون شخصيةً توافقية، فضلاً عن ضرورة ألّا يكون مرتبطاً بالنظام السابق، أو ما يسمّى بالفلول.
أحمد المسالمة: بعض المرشحين يرون في عضوية المجلس فرصةً لتعزيز حضورهم في المشهد الاقتصادي
غير أنّ العديد من المناطق شهد انسحابات بين أعضاء الهيئات الناخبة، احتجاجاً على طريقة اختيارهم. وقال عضو الهيئة الناخبة لمحافظة القنيطرة، مزعل العلي، إن سبب انسحابه من الهيئة الناخبة هو "السياسة المتبعة من اللجنة العليا، وإقصاء أبناء الثورة"، مشيراً، في بيان، إلى "انسحاب ثمانية من أعضاء اللجان الناخبة في محافظة القنيطرة، وهناك العشرات في باقي المحافظات، نظراً للإقصاء الذي تعرّض له الثوار الحقيقيون"، وفق تعبيره.
في المقابل، انتقد آخرون عملية اختيار أعضاء الهيئات الناخبة، التي لم تخضع لتقييم حقيقي مبني على الكفاءة والمهنية، بل خضعت لحسابات شخصية، تحت لافتة الأولوية لأبناء الثورة. ويُفترض أن يصوّت ما مجموعه سبعة آلاف عضو في الهيئات الانتخابية المحلية في 60 دائرة موزعة في أنحاء البلاد، لاختيار 140 عضواً في مجلس الشعب. ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" عن رئيس اللجنة الوطنية للانتخابات، محمد طه الأحمد، قوله، أخيراً، إن النساء شكّلن 14% من أصل 1578 مرشحاً وصلوا إلى القوائم النهائية، مشيراً إلى أنه في بعض الدوائر، شكّلت النساء 30 أو 40% من إجمالي المرشحين، بينما في دوائر أخرى لا توجد مرشحات على الإطلاق. ولا تعكس هذه النسبة بالضرورة الصورة النهائية للفائزين في الانتخابات، فقد ترتفع أو تنخفض نسبة تمثيل النساء بعد إعلان أسماء الفائزين.
وبالنسبة لتمثيل الأقلّيات، لاحظ مراقبون أن الدوائر الانتخابية صُمّمت بطريقة تسمح بتمثيل ملموس للأقليات، ولم تعمد الحكومة إلى دمج أماكن وجود الأقليات في دوائر انتخابية ذات أغلبية سنّية، ما يعني تضاؤل فرص نجاح ممثلين عنها. كما أن ترك نسبة الثلث بيد الرئيس يستهدف كما يبدو أساساً ضمان وجود تمثيل كافٍ للأقليات والنساء، بحيث إذا كانت نسبتهم محدودةً في الانتخابات، يعمد الرئيس إلى رفعها من ضمن حصة الثلث التي يحق له تعيينها. وتثير مسألة تمثيل الأقليات والنساء حساسية لدى الأطراف الدولية، وهو ما تدركه الحكومة السورية، وتخطط كما يبدو لتلافي أي ثغرات في العملية الانتخابية من خلال حصة الرئيس.
ولفت الصحافي والكاتب السياسي أحمد المسالمة إلى ارتفاع عدد المرشحين للمجلس. واعتبر، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ مرد ذلك أن الترشح لمجلس الشعب "يحمل قيمة رمزية في المجتمع السوري، حيث يُنظر إليه كنوع من الوجاهة والمكانة الاجتماعية". وأضاف أن بعض المرشحين يرون في عضوية مجلس الشعب السوري فرصةً لتعزيز حضورهم في المشهد الاقتصادي، سواء عبر شبكة العلاقات أو النفوذ المرتبط بالموقع التشريعي، كما أن فتح باب الترشح أمام الجميع لعدم وجود الأحزاب والحياة السياسية، شجّع الكثيرين على خوض المنافسة، حتى لو كانت فرص الفوز محدودةً. ولفت المسالمة إلى أنه رغم الحديث المتكرر عن عدم قبول ترشيح أي شخص من أتباع النظام السابق، لكن الواقع أظهر ترشح عدد كبير من الشخصيات التي ارتبطت بالمشهد السياسي السابق، معتبراً أن هذا التناقض بين التصريحات الرسمية والواقع العملي مرده أن العملية الانتخابية تخضع لمعايير انتقائية أكثر من كونها تجسيداً لمبادئ التغيير أو تجديد النخبة السياسية.
