عام على "تركيا خالية من الإرهاب": معضلة "الكردستاني" لم تنته
عربي
منذ ساعتين
مشاركة
بعد عام على انطلاق مرحلة "تركيا خالية من الإرهاب"، والتي تشمل حلّ حزب العمال الكردستاني نفسه وإلقاء سلاحه، مقابل تعديلات دستورية تضمن حقوقاً أوسع للأكراد في البلاد، يبدو أن المرحلة تصطدم بعراقيل، أهمها استعصاء التطبيق في سورية، بعد زخم استمرّ أشهراً من لقاءات بين حزب ديم الكردي ومؤسس حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، إذ تعتبر الحكومة التركية أن اندماج "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) بالدولة السورية جزء من المسار المرتبط بمنطقة خالية من الإرهاب وترتبط بجناح "العمال الكردستاني" السوري. المرحلة انطلقت بعد مصافحة بين زعيم حزب الحركة القومية اليميني المتطرف دولت باهتشلي مع نواب حزب ديم الكردي في البرلمان يوم افتتاحه في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، ما فتح أجواء سياسية إيجابية قابلتها تصريحات جيدة من الحزبين، وبدعم من الرئيس رجب طيب أردوغان، ليطلق باهتشلي دعوة استثنائية غير مسبوقة في 22 أكتوبر 2024 لأوجلان من أجل توجيه مسلحي حزبه بإلقاء السلاح وإلغاء الحزب مقابل الاستفادة من "حق الأمل"، أي العفو عنه. وإزاء دعوة باهتشلي ومباركة أردوغان، وهما الشريكان في التحالف الجمهوري، أجرى وفد من حزب ديم تسعة لقاءات مع أوجلان في محبسه خلال تسعة أشهر بجزيرة إمرلي حيث يمضي عقوبة السجن المؤبد، إذ زار وفد من "ديم" أوجلان أمس الجمعة. ووجه أوجلان في 27 فبراير/ شباط الماضي دعوته للحزب لحل نفسه وإلقاء سلاحه، ليعلن "الكردستاني" في مايو/ أيار الماضي عن حل الحزب وإنهاء الصراع المسلح استجابةً لمؤسِّسه أوجلان، بعد أيام من إعلانه عقد مؤتمره العام في 5-7 مايو 2025، لتأتي الخطوة التي من المتوقع أن تسدل الستار على صراع استغرق 47 عاماً بعد مسار عسير ومعقّد منذ ظهور الحزب في سبعينيات القرن الماضي حتى اليوم. إلقاء مجموعة من "الكردستاني" السلاح وإزاء هذه التطورات والزخم الكبير للزيارات والدعوات ألقت أول مجموعة من "الكردستاني" في 11 يوليو/ تموز الماضي سلاحها وحرقته في محافظة السليمانية بإقليم كردستان العراق رمزياً، على أن تستكمل المرحلة عبر آليات رقابة من قبل تركيا وحكومتي العراق المركزية وإقليم كردستان العراق. وخلال تواصل المسار أعلن رئيس البرلمان التركي نعمان قورطولموش، نهاية يوليو الماضي، تشكيل اللجنة البرلمانية المعنية بمرحلة ما بعد "الكردستاني"، والتي سمّيت بعد أول اجتماع في 5 أغسطس/ آب الماضي لجنة "التضامن الوطني والإخوة والديمقراطية"، بمشاركة 11 حزباً في البرلمان، لتعقد 13 جلسة، أغلبها جلسات اجتماع لمختلف أطياف الشعب ومنظمات المجتمع المدني. ومن المقرّر أن تنهي اللجنة أعمالها نهاية العام الحالي بتوصيات تقدم للبرلمان من أجل إعداد مسودة دستور للمرحلة المقبلة. جنغيز تشيشك: أهم بند في جدول أعمالنا سنّ القوانين واللوائح القانونية في سياق عملية السلام والمجتمع الديمقراطي ورغم مرور الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي مليئة بالأحداث في هذا المسار، لم يشهد الشهران الأخيران تقدماً كبيراً على هذا الصعيد. وعلى العكس منذ ذلك صعّدت الحكومة التركية من إطلاق التصريحات ضد "قسد" واتهمتها بعدم الالتزام بالاتفاق مع الحكومة الموقع بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد "قسد" مظلوم عبدي في 10 مارس/ آذار الماضي، ولوّحت بعصا العمليات العسكرية، منها تصريحات على لسان المتحدث باسم وزارة الدفاع زكي أكتورك، وأخرى على شكل مصادر في وزارة الدفاع، أو على لسان المتحدّث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم عمر تشليك، فيما قال أردوغان، في افتتاح البرلمان الأربعاء الماضي، إن تركيا لا تريد أن تعيش تجارب أخرى مشابهة للسابق في سورية "ديجافو". وبالتالي واضح من رسائل الحكومة اهتمامها بتطبيق الاتفاق في سورية واعتباره جزءا من المسار، وأنها ترغب بشدّة في تحقيق تقدم كبير ومهم فيه، ليستمر المسار في تركيا. الأكراد يطالبون بتشريعات ومقابل الموقف الحكومي، يبدو أن الجانب الكردي، ممثلاً بحزب العمال الكردستاني وحزب ديم الكردي، يطالب بتشريعات بالتوازي مع عملية تسليم السلاح لكي تكتمل المرحلتان معاً، أي تسليم السلاح والتشريعات، خصوصاً فيما يتعلق بإزالة اسم "الكردستاني" من لوائح الإرهاب وتعديل القوانين المتعلقة بإنفاذ القوانين المرتبطة بالتهمة هذه، والتي ستقود إلى إفراجات عن عناصر "الكردستاني" وقياداته، وتقطع الطريق أمام عزل رؤساء البلديات، وهو ما تبيّن في تسريبات صحافية في الفترة السابقة، من أن حزب ديم بدأ ينزعج من المماطلة في عقد جلسات اللجنة البرلمانية والانتقال إلى مرحلة عملية في سن القوانين والتشريعات المطلوبة من قبل الأحزاب الكردية. وقال النائب عن حزب ديم جنغيز تشيشك، لـ"العربي الجديد"، إن "أهم بند في جدول أعمالنا في السنة التشريعية الجديدة هو، بطبيعة الحال، سنّ القوانين واللوائح القانونية اللازمة في سياق عملية السلام والمجتمع الديمقراطي، حيث ستسرّع هذه اللوائح والتعديلات المتعلقة بالحل السلمي للقضية الكردية من وتيرة التحوّل الديمقراطي في الجمهورية". وأضاف: "اللجنة البرلمانية المعنية لمرحلة ما بعد الكردستاني ستعمل في المرحلة المقبلة على استكمال الخطوات القانونية المطلوبة، إذ رسّخت إنشاء اللجنة الإرادة السياسية، وهذه كانت المرحلة الأولى، أما المرحلة الثانية فهي القانونية، وإذا اتفقت اللجنة على نص إطاري يحدد العناوين الرئيسية للقوانين التي تتطلبها عملية السلام والمجتمع الديمقراطي في المرحلة القانونية، فيسهل هذا الإطار عمل البرلمان أكثر". وفيما يخصّ مطالب حزب ديم، أفاد تشيشك بأن "هدفنا ودافعنا الأساسي في السنة التشريعية الجديدة هو تحمل المسؤولية السياسية اللازمة وتطبيق التحسينات القانونية اللازمة للانتقال بالنظام إلى عملية تحول ديمقراطي، وسنبذل قصارى جهدنا لضمان كون البرلمان تجسيداً للإرادة السياسية والتشريعية". وعن المطالب التي يرغب فيها حزب ديم، وبالتالي هي تجسيد لمطالب حزب العمال الكردستاني، قال: "كان نهج الأحزاب واضحاً منذ بداية العملية، كما حدد أوجلان في بيانه الصادر في 27 فبراير (الماضي) نهجاً قائماً على مبدأ يتطلب نزع السلاح اعترافاً سياسياً وقانونياً في المقابل، وبالتالي من المهم اتخاذ خطوات سياسية وقانونية لتعزيز هذه العملية خلال مرحلة نزع السلاح". إسماعيل جوكتان: مرحلة تركيا خالية من الإرهاب لم تكتمل بعد وحدّد تشيشك الخطوات التالية للمرحلة المقبلة، وهي "أولاً تحسين ظروف عمل أوجلان في محبسه، وهو الفاعل الرئيسي في هذه العملية ووضع حريته الجسدية على جدول الأعمال في إطار حقه في الأمل، وثانياً بالتوازي مع مرحلة نزع السلاح، ينبغي وضع قانون الفترة الانتقالية وتقييم الجهات المعنية به لضمان خدمته الفعلية لعملية نزع السلاح". وأكمل "ثالثاً، ينبغي إدخال تعديلات على قوانين مثل القانون المدني، وقانون العقوبات وقانون محكمة الجنايات بالتوازي مع قانون الفترة الانتقالية، ورابعاً إجراء مراجعة عادلة لقانون إنفاذ الأحكام، ما يغير جذرياً هذا النظام، وخامساً قانون للإدارة المحلية ينهي اغتصاب الإرادة الشعبية، وهو أحد الأسباب الجذرية للقضية الكردية، والوضع الذي يقوض مبدأ اللامركزية. وسادساً تعد المشكلة الكردية أيضاً مشكلة تمييز، فينبغي سن قانون لمكافحة التمييز من قبَل هيئة تدرك أن ثقافة التمييز لن يقضى عليها بالتعديلات القانونية القائمة وحدها، وأن هذه مسألة إجرائية جزائية. وأخيراً المشكلة الكردية في جوهرها مشكلة تعليم وتعلم باللغة الأم، وبالتالي القوانين واللوائح، مثل وضع لوائح تضمن التعليم والتعلم باللغة الأم، لتكون مضمونة قانوناً، ويمكن للدولة سنها". الحكومة التركية جمّدت المسار كلام النائب البرلماني الكردي يوضح أن هناك مطالب متوازية مع تسليم "الكردستاني" لسلاحه، وبشكل مبطن يشير ربما إلى وجود بعض التأخير وجمود في المسار بعد فترة من الزخم السياسي والشعبي. من جهته، قال الكاتب والصحافي إسماعيل جوكتان، لـ"العربي الجديد"، إن "مرحلة تركيا خالية من الإرهاب لم تكتمل بعد، لأن الحكومة التركية جمدت المسار إلى حد ما، وفي الحقيقة كانت بداية المسار بيد أردوغان وباهتشلي وأوجلان، ولم نرَ أي تقدم ملحوظ منذ إلقاء الكردستاني سلاحه رمزياً". وأضاف: "أعتقد أن المسار ينتظر الحل في قضية قسد، بسبب تعنّت الكردستاني في مسألة ربط هذه القضية بالمسار الجاري في تركيا، لذلك لا يمكننا أن نقول إن المسار حقّق تقدماً كبيراً في إحلال السلام الدائم، بينما هناك تطور كبير في علاقة الحكومة التركية مع قوى سياسية كردية في البلاد. ومن المعلوم أن إلقاء السلاح كان خطوة رمزية بالنسبة للعمال الكردستاني، والهدف من هذا المسار إنهاء الصراع الدائر منذ أكثر من 40 عاماً بين الطرفين. ورغم أننا نلاحظ وقفاً لإطلاق النار والعمليات العسكرية، فإنه لا يمكننا أن نقول إننا وصلنا إلى هدف هذا المسار، لأن النجاح مرهون تماماً بالتطورات السياسية". وعن أهداف الطرفين من المرحلة، قال جوكتان: "الهدف الأول للحكومة من هذا المسار هو إنهاء الصراع العسكري وإضعاف المعارضة عبر انتزاع الناخبين الأكراد منها، كما أن الحكومة تشعر باقتراب الصراع الشامل، إما في المنطقة وإما في العالم كله، لأن التصعيد بين الصين والقوى الغربية، على رأسها الولايات المتحدة، يتفاقم". وتابع: "بالنسبة للمنطقة هناك تهديد إسرائيلي بات يهدد تركيا من ناحية عسكرية وسياسية، لذلك تسعى الحكومة التركية للملمة البيت الداخلي وإنهاء التصعيد الداخلي وتقوية الجبهة الداخلية من جميع الأطراف، والأكراد يشكلون قوة كبيرة داخل تركيا. أما بالنسبة للأكراد فهناك مطالب تتعلق بحقوقهم القومية، كالتعليم والتعلم باللغة الأم وزيادة مساهمة الأكراد في السياسة الداخلية وإعطائهم كامل حقوقهم كشعب يعيش في تركيا وهو ليس أقلية مثل المجموعات الأخرى". وعن توقعاته في المرحلة المقبلة، قال جوكتان: "أعتقد أن أردوغان ينتظر أن يحصل على نتيجة مما يحصل مع المعارضة في الآونة الأخيرة، إذ اعتُقل رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو مع عدد من رؤساء معارضين آخرين في إطار دعاوى قضائية تتعلق بالفساد، وبالتالي جُمّد المسار لسببين، الأول هو المسار القضائي الذي يتعلّق بالمعارضة، والثاني هو وضع قسد بعد سقوط نظام بشار الأسد".

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية