قنبلة مائية تُخيف مصر: سد النهضة يعرقل مشروعات الطاقة والزراعة
عربي
منذ 3 ساعات
مشاركة
أحدث التوقف المفاجئ لتشغيل مولدات الكهرباء والتصريف غير المتوقع، بمشروع سد النهضة الإثيوبي، حالة من الارتباك لدى الوزارات المعنية في مصر بما سببه من حالة عدم اليقين للاقتصاد ومشروعات الزراعة واستقرار إنتاج الكهرباء وسلامة منشآت الطاقة والصناعة والري في البلاد، من جراء الفيضان العارم الذي توجه نحو الأراضي والسدود السودانية، وبدأ الزحف إلى داخل الأراضي المصرية، مهددا السدود الواقعة على مسار نهر النيل بكل من مصر والسودان. وفقا لبيانات وزارة الموارد المائية المصرية، فإن إيرادات النيل الأزرق خلال شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، بلغت 50 مليار متر مكعب، ليصبح أعلى من المتوسط المحقق تاريخيا، بما يضع السد العالي وخزان أسوان أمام اختبار جديدة في إدارة التخزين والتصريفات، رغم قدرته على استيعاب فيضان بقدرة 160 مليار متر مكعب. مخاطر سد النهضة وصف خبراء مصريون الفيضانات التي وقعت خلال الأيام الماضية، بعد قرار إثيوبيا بفتح بوابات حجز المياه بسد النهضة فجأة، وبعد انقضاء فترة الفيضانات الموسمية منتصف شهر سبتمبر الماضي، بأنها "قنبلة موقوتة" تعكس النقص الشديد في البنية التحتية بسد النهضة وعدم قدرة إثيوبيا على الاستخدام الفعلي لطاقة الكهرباء المتوقعة من المخزون الهائل أمام السد الذي يقارب 74 مليار متر مكعب، جرى تخزينها على مدار السنوات الخمس الماضية، بدون موافقة أو تنسيق مسبق مع الدولتين المتضررتين من سوء إدارة المياه بالسد. قال أستاذ جيولوجيا المياه بكلية الدراسات الأفريقية بالقاهرة، عباس شراقي، إن أحد المخاوف التي تمثل خطرا على مصر وجود احتمالات لانهيار السد أو تعرضه لمخاطر طبيعية كالزلازل والفيضانات والانزلاقات الأرضية. وبيّن لـ"العربي الجديد" خطورة أن تتحول إدارة السد إلى أداة ضغط سياسي على مصر، إذ إن التحكم في التوقيت وكميات التصريف تملكها إثيوبيا منفردة، في غياب اتفاق ملزم، يجعل مستقبل إمدادات المياه مليئا بالمفاجآت والمخاطر، سواء في صورة جفاف مدمر أو فيضانات جارفة، تؤدي إلى تقليص إنتاج الغذاء وزيادة كلفة استيراد السلع الأساسية، ودمار بيئي واقتصادي واسع. ومع إعلان السلطات السودانية حالة "الإنذار الأحمر" على امتداد الأراضي المحيطة بنهر النيل، نتيجة الارتفاع غير المسبوق في منسوب مياه النيلين الأزرق القادم من إثيوبيا والأبيض القادم من روافد النيل من أوغندا وبحيرة فيكتوريا، انتقلت الأزمة المائية إلى مرحلة جديدة تثير قلقا متزايدا في مصر. فبينما يواجه السودان تهديدا مباشرا للقرى والبنية التحتية خاصة في سدي مروى والروصيرص، تحاول القاهرة امتصاص الآثار السلبية لتأثيرات سد النهضة الإثيوبي، بفتح مفيض توشكا المغذي لفرع نهر النيل القديم بالصحراء الغربية وبوابات السد العالي وخزان أسوان جنوب مصر، وسط مخاطر بغرق الجزر النيلية المؤهلة بالسكان، وارتفاع معدل المياه بالمسار الرئيسي وفروع نهر النيل، بما يعرض مئات الآلاف من الأفدنة الزراعية والمساحات السكنية المحيطة بشاطئ النيل للغرق. الإنذار الأحمر لم يعد الإنذار الأحمر في السودان مجرد حدث محلي، رغم ما مر به من كوارث طبيعية خلال العام، بل أضحى إنذارا استراتيجيا لمصر أيضا، فهو يذكر بأن النيل لم يعد نهرا يمكن التنبؤ بتقلباته كما في الماضي، بل أصبح ساحة صراع بين الطبيعة المتقلبة والمشروعات ذات الطابع السياسي الكبيرة، عدا أن مصر تعيش على النيل ومصيرها متربط بقدرتها على إدارة مياهه في وقت الفيضان وخارجه. في تقرير لمؤسسة "فيتش سوليوشنز" المالية، صدر أخيرا حذرت من أن سد النهضة الإثيوبي قد يؤدي إلى انخفاض إنتاجية المحاصيل المصرية، خاصة القمح والذرة والأرز، نتيجة تراجع إمدادات المياه للري، حيث تستهلك الزراعة نحو 80% من المياه في مصر، بما سيرفع الاعتماد على الاستيراد وزيادة فاتورة الغذاء. مع بدء وصول المياه للأراضي المصرية، أطلقت وزارة الري حالة الطوارئ، لمتابعة حجم التدفقات اليومية، من مياه النيل، وربطها بمعدلات الصرف خلف السد العالي، في تصرف اعتبره أستاذ الأراضي وهندسة المياه بجامعة القاهرة، نادر نور الدين، غير كاف في ظل تغير المعادلة الهيدرولوجية للنهر التي تأثرت أخيرا بفعل سد النهضة، فضلا عن تقادم البنية الإنشائية للمشروعات المنظمة لمياه نهر النيل التي تحتاج تحديثات دورية مكلفة ماليا. يشير نور الدين في بيانات صحافية إلى وجود مخاطر جسيمة من ارتفاع مناسب المياه على امتداد نهر النيل، الأمر الذي قد يؤدي إلى غرق مساحات من الأراضي القريبة من مجرى النهر، خصوصا في دلتا النيل التي تزرع بالمحاصيل الشتوية كالقمح والفول والبرسيم، وبفقدانها يمكن أن تتجاوز الخسائر مليارات الجنيهات. أرجع أستاذ التربة بكلية التخطيط العمراني بجامعة القاهرة مجدي قرقر، لجوء إثيوبيا إلى فتح بواب سد النهضة، بقرار منفرد، دون مراعاة خطورة الأمر على السودان ومصر، إلى وجود مشاكل فنية في تركيب توربينات السد، الأربعة من بين 13 توربينة يفترض وجودها به، وخاصة التي شيدت بين عامي 2022 و2024، وظهرت عيوبها بوضوح منذ سبتمبر/ أيلول 2024. ويأتي ذلك، مع عدم اكتمال الشبكات الكهربائية اللازمة لنقل الطاقة المولدة من السد إلى أنحاء إثيوبيا، بالإضافة إلى عدم حاجة المناطق المحيطة بالسد لأي تصرفات مياه للزراعة، بما رفع مخاطر تخزين المياه في البحيرة الخاصة بها حسب قرقر الذي شدّد على أن معظم السدود التي تعرضت لانهيارات كبرى، حدثت أثناء أو فور حدوث الملء الأول. فشل سد النهضة كهربائياً أكد قرقر في حديثه مع "العربي الجديد" فشل سد النهضة بوصفه مشروعاً لتوليد الكهرباء، بسبب المشاكل الفنية في توربينات سد النهضة، الناتجة عن صعوبات في التركيب والتشغيل، وأدت إلى توقفها عدة مرات بالتوازي مع نقص في البنية التحتية التي تشمل خطوط النقل والمحولات على الجهود الفائقة 400 كيلو فولت والعالية جهد 220 كيلو فولت، بما يحد من الاستفادة الفعلية من مشروع توليد الكهرباء بالسد، بما جعل إثيوبيا تصرف المياه عبر بوابات مفيض سد النهضة، ثم فتح البوابات، أمام الضغوط الهائلة للمياه المتراكمة في بحيرة السد. أكد قرقر حرص تحالف شركات "كونسورتيوم" ألستوم الفرنسية المسؤولة عن تزويد السد بـ 8 توربينات طراز" فرانسيس" للمرحلة الأولى للمشروع، وشركة "ساليني" الإيطالية المشاركة في بناء التوربينات والأعمال الكهربائية، على عدم إثارة المشاكل الفنية التي تواجه المشروع، خشية مخاوفها على سمعة وكفاءة المعدات الفرنسية والإيطالية، وبما يؤثر على ثقة الدول النامية وخاصة الأفريقية في التعاقد على مثل هذه المشروعات الكبرى المتعلقة بالكهرباء وإدارة السدود مستقبلا. هذا الأمر دفع الشركات الصينية والألمانية المنافسة لاستغلال الموقف في مصالحهم بالسوق الأفريقية، للترويج لنفسها باعتبار منتجاتها أكثر موثوقية من الفرنسية – الإيطالية، لاسيما في مشروعات الطاقة الأفريقية، حسب الخبير المصري. أشار قرقر إلى محاولة السلطات الإثيوبية التكتم على المشاكل الفنية التي تواجه سد النهضة إلى أن ظهرت تقارير إثيوبية محلية وجهت انتقادات حادة للشركات الأجنبية المنفذة للمشروع. يوضح قرقر أن إصلاح التوربينات وتشغيلها بكفاءة في سد النهضة التي شرعت إثيوبيا في بنائه منذ عام 2011، سيعيدان المخاوف حول تقليل حصة المياه لدولتي المصب، خاصة في سنوات الجفاف، إذ لن تمرر إثيوبيا إلا كمية المياه اللازمة لتوليد الطاقة الكهربائية المستهدفة لتوليد نحو 5 آلاف و150 ميغاوات من الطاقة المائية النظيفة، وهو أمر يصعب تحقيقه في ظل الأوضاع السيئة للمشروع. قنبلة مائية قال وزير الري الأسبق وأستاذ المشروعات المائية بجامعة القاهرة محمد نصر علام، إن تصريفات المياه من خزان سد النهضة تمثل قنبلة مائية ملقاة على السودان، حيث بلغت خلال الأيام الماضية، أكثر من 700 مليون متر مكعب، بزيادة 400 مليون عن أقصى تصرفات في الظروف العادية، مشيرا في صفحته على "فيسبوك" إلى أن هذه الكميات الزائدة التي بلغت حوالي 5 مليارات متر مكعب خلال الأسبوع الأخير شكلت ضغوطا على مجرى النيل الأزرق والمنشآت المقامة عليه، عدا التصرفات القادمة من النيل الأبيض وسد عطبرة، بالإضافة إلى تفريغ بعض السدود السودانية في حدود ما بين 7-8 مليارات متر مكعب وكذلك المقامة على نهر النيل بمنطقة الخرطوم، وحتى بحيرة ناصر خلف السد العالي، الأمر الذي يشكل خطرا داهما على السودان. بينما ساعد ذلك على زيادة المخزون المائي لمصر، حيث يمكن تصريف الزائد منها إلى مفيض توشكى المتجه إلى الصحراء الغربية، حال تجاوز المنسوب أمام السد العالي ارتفاع 182 مترا. أطلقت الحكومة خطة وطنية لتوظيف استغلال الموارد المائية، حتى عام 2027، تستهدف استثمار 50 مليار دولار لتعظيم الاستفادة من مياه الصرف الزراعي والتوسع في محطة تحلية مياه البحر، وترشيد الاستخدام الزراعي بالري الحديث، لمواجهة التراجع الحاد في مصادر المياه حيث دخلت مصر مرحلة الشح المائي، وفقا لتقديرات البنك الدولي.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية