
عربي
تشهد ميزانيات الأسر في المملكة المتحدة أفضل حالاتها منذ أكثر من عقدين، بعد فترة من ضبط الإنفاق التي أثّرت سلباً على الاقتصاد البريطاني. وانخفضت نسبة الدين إلى دخل الأسر بنحو 40 نقطة مئوية عن ذروتها في عام 2008 لتصل إلى 117.1% في الربع الثاني من هذا العام، وهو أدنى مستوى منذ عام 2002، وفقاً لما أصدره مكتب الإحصاءات الوطنية في 30 سبتمبر/أيلول الماضي.
وجاء نحو نصف هذا الانخفاض منذ نهاية عام 2020، وهي فترة شهدت تضخماً متسارعاً وارتفاعاً في أسعار الفائدة، ما رفع الأجور وخلق في الوقت نفسه حوافز لتجنب الاقتراض. وبحسب بلومبيرغ فإن تحوّل هذا التحسن إلى انتعاش "طال انتظاره في الإنفاق الاستهلاكي" يعتمد إلى حد كبير على وزيرة الخزانة راشيل ريفز، بينما تستعد لتقديم ميزانية أخرى يُتوقع أن تتضمن زيادات ضريبية في 26 نوفمبر/تشرين الثاني.
وأشارت بلومبيرغ إلى أن البريطانيين قد يكونون على استعداد للإنفاق بحرية أكبر إذا أعفت وزيرة الخزانة العمال العاديين من الضرائب وعززت التفاؤل بشأن الآفاق الاقتصادية، "مما يساعد حزب العمال على إصلاح المالية العامة والوفاء بوعده برفع مستويات المعيشة". ومع ذلك، "فإن تكرار ميزانيتها الأولى التي أضعفت الثقة في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي قد يحكم على البلاد بمزيد من سنوات الركود".
المستهلكون
ويعد المستهلكون عاملاً حاسماً في أي تعاف اقتصادي، لأن إنفاقهم يمثل نحو 60% من الناتج المحلي الإجمالي. وظلت الأسر البريطانية متحفظة في إنفاقها بعد سلسلة من الأزمات في السنوات الأخيرة، بدءاً من الجائحة وصولاً إلى صدمة أسعار الطاقة. وبدلاً من الإنفاق، فضل البريطانيون الادخار، وهو مصدر رئيسي لقوة الإنفاق في حال قرروا استخدامه. على عكس نظرائهم في الولايات المتحدة.
وقال الخبير الاقتصادي في الأسواق المتقدمة لدى بنك "آي إن جي"، جيمس سميث لبلومبيرغ: "إن وجود الميزانيات العمومية للأسر في وضع جيد تعد مؤشراً مساعداً بشكل عام"، مشيراً إلى أن المستهلك يشكل عنصراً إيجابياً محتملاً للنمو، وأوضح أن المشكلة في الوقت الراهن هي أن الثقة لا تزال منخفضة نسبياً.
ارتفاع استهلاك الأسر
وتُظهر بيانات من شركة "نومورا" (شركة قابضة مالية) أن استهلاك الأسر البريطانية ارتفع بوتيرة أبطأ بكثير من جميع الاقتصادات المتقدمة الأخرى في أوروبا وأميركا الشمالية ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ. فقد ارتفع بنسبة 0.7% فقط منذ نهاية عام 2019، مقارنة بزيادة قدرها 3.9% في منطقة اليورو، وارتفاع بنسبة 16.4% في الولايات المتحدة. والنتيجة أن الاقتصاد البريطاني أصبح اليوم أكبر بنسبة 5% فقط مما كان عليه قبل الجائحة، مقارنة بـ13% في الولايات المتحدة، وأكثر من 8% في كندا، وما يقرب من 7% في إيطاليا. وتشير تقديرات شركة "برايس ووترهاوس كوبرز" (شبكة خدمات مهنية عالمية تقدم خدمات التدقيق، والضرائب، والاستشارات مقرها في لندن) إلى أن النمو قد يبلغ 1.6% في العام المقبل إذا كانت الأسر مستعدة للسحب من مدخراتها، أي أعلى بـ0.4 نقطة مئوية من السيناريو الأساسي.
رفع الأجور
ويستمر حذر الأسر البريطانية رغم أن ديونها انخفضت إلى ما دون المتوسط طويل الأمد بقليل في بيانات تعود إلى عام 1987. وقد أدى النمو القوي في الأجور إلى رفع الدخل القابل للإنفاق لدى الأسر بنسبة تقارب 33% منذ عام 2019، أي بوتيرة أسرع بكثير من الزيادة البالغة 16.5% في ديون الرهن العقاري و7.4% في الائتمان الاستهلاكي، وفقًا لشركة "دبليو بي آي ستراتِجي".
وقال مارتن بيك، كبير الاقتصاديين في "دبليو بي آي ستراتِجي" (وكالة متخصصة في الشؤون العامة والاتصالات والتحليل الاقتصادي): "إن الأسعار والأجور ترتفع بسرعة كبيرة، وهذا من شأنه أن يقلل من القيمة الحقيقية للديون. وفي الوقت نفسه، كان الطلب على الاقتراض ضعيفاً جداً، إذ مرّ بفترة خلال جائحة كوفيد قام فيها الناس بسداد ديونهم".
ويتوقع بنك إنكلترا المركزي تعافياً في الإنفاق الاستهلاكي خلال السنوات المقبلة. لكن عضو لجنة تحديد أسعار الفائدة، كاثرين مان، وفي خطاب ألقته يوم الخميس 9 أكتوبر/تشرين الأول، قالت إن الإبقاء على السياسة النقدية مشددة أمر ضروري لتحفيز ثقة المستهلكين، لأن الناس في حاجة إلى أن يروا أن التضخم قد أصبح تحت السيطرة.

أخبار ذات صلة.

تجدد التوغلات الإسرائيلية في القنيطرة
العربي الجديد
منذ 9 دقائق