زهران ممداني.. مسلم تقدمي من أجل فلسطين
عربي
منذ 3 ساعات
مشاركة

في لحظة سياسية أميركية تتسم بالتوتّرات الداخلية والانقسام الحاد، يأتي فوز الناشط التقدّمي وعضو الجمعية التشريعية في نيويورك، زهران ممداني، في الانتخابات التمهيدية لمنصب عمدة المدينة، كصفعة مدوية للمؤسّسة التقليدية، وكبريق أملٍ لأصوات كانت طويلاً على هامش القرار. ممداني، الذي تعود أصوله إلى أوغندا، وينتمي لأسرة فكرية مرموقة يتصدّرها والده، مفكّر ما بعد الاستعمار محمود ممداني، لا يخجل من هُويّته الإسلامية ولا من التزامه الصريح بالعدالة في فلسطين، بل جعلهما محوراً لحملته الانتخابية الصاعدة.

في مدينة معقّدة مثل نيويورك، تشكّلت على مدى عقود من مزيج الأقليات، لا يُعدّ صعود مرشّح تقدمي ظاهرة جديدة، لكن أن يأتي هذا الصعود من قلب القاعدة الديمقراطية، بمحتوى سياسي صريح ضدّ العنصرية البنيوية، وضدّ دعم الاحتلال الإسرائيلي، فهذا اختراق يتجاوز البنية الانتخابية إلى المساحات الرمزية والثقافية. لقد أعلن ممداني، بوضوح نادر في السياسة الأميركية، أنه في حال فوزه سيسعى إلى إصدار مذكرة اعتقال بحقّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إذا وطئت قدماه المدينة، على خلفية جرائم الحرب المرتكبة في غزّة.

قد يرى البعض هذا التصريح "شعبوياً" أو غير قابل للتطبيق قانونياً، لكن رمزيته تتجاوز المشهد القانوني المحلي. ففي زمن يُجرَّم فيه التعاطف مع فلسطين، وتُلاحق فيه الأصوات الرافضة للإبادة الجماعية، يعلن ممداني موقفه من دون تلعثم: "ما من استثناءات للعدالة". إنها لحظة تاريخية تضع قيم العدالة الكونية في مواجهة السرديات النفعية التي لطالما حكمت علاقة أميركا بإسرائيل.

لحظة تاريخية تضع قيم العدالة الكونية في مواجهة السرديات النفعية التي طالما حكمت علاقة أميركا بإسرائيل

منذ بداياته في المجلس التشريعي، عبّر ممداني عن موقفه المبدئي من سياسات الشرطة، والسكن، والتعليم، لكنه ظلّ يؤمن أن لا عدالة محلية حقيقية من دون عدالة دولية مبدئية. لم يكن دفاعه عن غزّة مجرد ردّ فعل عاطفي، بل امتداداً لرؤية سياسية تؤمن أنّ النضال من أجل المساواة في بروكلين لا ينفصل عن النضال ضدّ الاحتلال في القدس.

من الملفت أنّ معظم الهجمات التي تُشنّ على ممداني، لا تأتي من الحزب الجمهوري فحسب، بل من داخل الحزب الديمقراطي نفسه، الذي تتفكّك قواعده بين يسار تقدّمي يعيد تعريف السياسة، وقيادة تقليدية تخشى انهيار تحالفاتها القديمة. وبينما يتسابق السياسيون عادةً في إظهار الولاء لإسرائيل، يختار ممداني أن يكشف علناً عن ازدواجية المعايير في السياسة الأميركية، ويربطها بتجربة الأميركيين المسلمين، والسود، واللاجئين، وكل من حوّلتهم الدولة إلى "آخر".

لا عدالة محلية حقيقية من دون عدالة دولية مبدئية

بعيداً عن فُرصه الواقعية في الفوز بمنصب العمدة، فإن مجرّد تصدّره المشهد يعكس تحوّلاً ثقافياً وأخلاقياً عميقاً في المزاج العام لشريحة واسعة من سكان نيويورك، خاصةً في أعقاب الحرب الإسرائيلية على غزّة في 2023–2025، والتي خلّفت آلاف الشهداء والجرحى، وأعادت ترتيب الأولويات الأخلاقية للكثيرين. إنّ خطاب ممداني ليس فقط خطاب مسلم يؤيّد فلسطين، بل هو خطاب أميركي تقدّمي، يطالب بإعادة تعريف معنى القيادة، والمساءلة، والعدالة.

قد لا يتحقّق وعد "اعتقال نتنياهو"، لكن ممداني نجح فعلاً في وضع رئيس الوزراء الإسرائيلي في قفص الاتهام الأخلاقي، على الأقل في أذهان ناخبيه. وهو، بذلك، لا يكتفي بخوض سباق انتخابي، بل يشارك في إعادة رسم خريطة الضمير العام في مدينة ظنّ كثيرون أنها لا تهتز.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية