في أقصى شمال شرق سورية، لا تزال تربية الجواميس وصناعة الكيمر (القشطة) حرفة متوارثة لدى بعض العائلات في مدينة القامشلي، وسط تحدّيات بيئية واقتصادية متصاعدة تُهدّد بانقراض هذا النشاط التقليدي، الذي يشكّل جزءاً من الموروث الشعبي لمنطقة الجزيرة السورية.
يُعدّ تناول "الكيمر" صباحاً طقساً يومياً لدى شريحة واسعة من سكان القامشلي بريف محافظة الحسكة، إذ يُعتبر من أبرز وجبات الفطور في المائدة المحلية، بطعمه الدسم وفوائده الصحية، كما أنّه دخل الأغاني الفولكلورية وتحوّل إلى عنصر ثقافي خاص بالمنطقة. لكن شح الأمطار وجفاف الأنهار وتلوّث البيئة، إضافة إلى غياب الدعم من السلطات المحلية، وضعت هذه المهنة في مهبّ الريح.
تقول هوزه أم يوسف، وهي مربية جواميس في حي زنود بمدينة القامشلي، لـ"العربي الجديد": "تربية الجواميس صعبة، وكذلك صناعة الكيمر، لكن لا نملك مردوداً مادياً آخر. العلف غالٍ جداً، والحليب قليل". وتشرح طريقة إعداد الكيمر قائلة: "نغلي الحليب، ثم نتركه من 10 إلى 15 ساعة مغطى بخرق نظيفة وسلال من خشب، ثم نكسره بالسكين ونضيف الثلج الناعم، وبعدها نضعه في الفريزر لفترة قصيرة قبل تعبئته وبيعه في السوق".
ارتفاع التكاليف وغياب الدعم
تواجه العائلات التي ما زالت متمسكة بهذه الحرفة صعوبات في تأمين العلف، مع اعتمادهم الحالي على التبن والقليل من النخالة، بعد أن كانت لديهم في السابق مخصصات علفية شهرية من الدولة. ويؤكد أيهم عبد الله، أحد مربّي الجواميس في المدينة، لـ"العربي الجديد"، أن ارتفاع أسعار الأعلاف أدى إلى انخفاض في إنتاج الحليب، وبالتالي نقص شديد في الكيمر المعروض في الأسواق.
ويضيف عبد الله: "نضطر أحياناً للانتقال إلى مناطق مثل الرقة بحثاً عن الماء والكلأ. طن العلف اليوم يبلغ نحو 2.5 مليون ليرة، وسعر الجاموس الجيد يصل إلى 10 ملايين ليرة، ومع ذلك قد لا ينتج أكثر من 5 كيلوغرامات حليب يومياً. السعر الحالي لكيلو الكيمر يبلغ 120 ألف ليرة، لكنه لا يغطي حتى التكلفة".
مطالب بإعادة التوطين وتوفير الأعلاف
أما في ريف القامشلي، فتتفاقم المشاكل بشكل أكبر. إبراهيم محمد حميد، وهو مربي جواميس يسكن في أطراف المدينة، يوضح لـ "العربي الجديد"، أن السكن غير مناسب لتربية الجواميس. ويقول: "كنا نعيش سابقاً على ضفاف نهر جقجق. اليوم تم ترحيلنا بعيداً، ونعيش ظروفاً صعبة. نطالب بنقلنا إلى امتداد النهر لمسافة 3 إلى 5 كيلومترات لتخفيف الضغط على المدينة".
ويلفت حميد إلى أن "شح الأمطار وجفاف الآبار في المنطقة، إضافة إلى توقف المساعدات العلفية، دفعتنا للاعتماد على أسواق الأعلاف الحرة، ما يزيد العبء. نحن مهددون بخسارة هذه الحيوانات إن لم تتدخل الجهات المعنية لتقديم الدعم".
تراث مهدد بالاندثار
وسط هذه الظروف، تبدو مهنة تربية الجواميس وصناعة الكيمر مهددة أكثر من أي وقت مضى، رغم رمزيتها الثقافية والاجتماعية. ويأمل مربّو الجواميس في القامشلي أن تتحرك الجهات المحلية والإدارة الذاتية لمساعدتهم في الحفاظ على هذا الإرث المتجذر في تاريخ الجزيرة السورية.