
دخلت ليبيا النصف الثاني من العام الجاري دون إقرار موازنة موحّدة للدولة، في ظلّ استمرار الخلاف بين الحكومتَين المتنازعتَين على السلطة، وعدم التوصل إلى توافق بشأن إدارة الإنفاق العام. وكشفت مصادر برلمانية لـ "العربي الجديد" أن المفاوضات الأخيرة بين ممثلي الحكومتَين بشأن إعداد موازنة مشتركة باءت بالفشل، رغم جولات عدّة من النقاشات التي حاولت تقريب وجهات النظر حول أوجه الصرف وأولويات التمويل.
وحسب المصادر، التي رفضت ذكر اسمها، فإنّ مسودة الموازنة التي جرى تداولها كانت تقشفية بطبيعتها، وتركز أساساً على تغطية الرواتب والدعم المباشر، مع تقليص النفقات التشغيلية إلى أدنى مستوياتها، وإيقاف تمويل مشاريع التنمية الجديدة كلياً، في محاولة للحدّ من التوسّع المالي في ظل الانقسام السياسي.
ووفق خبراء اقتصاد فإنّ غياب موازنة عامة للعام الجاري يفتح الباب أمام صيغ إنفاق غير خاضعة للرقابة، ويزيد من الضغوط على مصرف ليبيا المركزي، الذي يجد نفسه مضطراً لإدارة التمويل في بيئة من عدم اليقين والانقسام المؤسّسي.
وقال المحلّل المالي محمود سالم لـ "العربي الجديد" إن غياب الموازنة لا يعكس تعثراً فنياً في التوافق بين الحكومتَين فحسب، بل يعكس أيضاً هشاشة الأطر المالية للدولة، وعجز المؤسّسات السيادية عن فرض إطار موحّد للإنفاق، ما يعمّق الأزمة الاقتصادية ويهدّد بمزيد من التدهور في الخدمات الأساسية والاستقرار النقدي. وأوضح أنّ استمرار هذه الحالة، يُبقي الأسئلة معلقة بشأن مصير الإنفاق العام، وقدرة المؤسّسات المالية على الاستمرار في تغطية المصروفات الأساسية دون موازنة قانونية تنظمها.
من جانبه، أعرب المحلّل الاقتصادي أبو بكر الهادي عن قلقه من استمرار الإنفاق العام في ليبيا خارج إطار موازنة موحدة، في ظل وجود حكومتَين متنازعتَين، مؤكداً أن هذا الوضع ستكون له آثار سلبية مباشرة على الاستقرار المالي في البلاد.
وأضاف الهادي، في تصريح لـ "العربي الجديد"، أن مصرف ليبيا المركزي سبق أن حذر من تنامي الدين العام، الذي بلغ حتى نهاية عام 2023 نحو 270 مليار دينار، وسط مخاوف من أن يتجاوز 330 مليار دينار بنهاية عام 2025، في حال استمر غياب موازنة موحّدة واستمرار وتيرة الإنفاق الحالية (الدولار = نحو 5.45 دنانير).
وأوضح أنّ "الوضع المالي هشّ للغاية، ويستدعي اعتماد موازنة تقشفية تركّز على الحد الأدنى من النفقات الجارية، ما من شأنه المساهمة في استقرار سعر صرف الدينار، خاصّة بعد أن أقدم مصرف ليبيا المركزي على خفض قيمته مطلع إبريل/ نيسان الماضي".
وكان مصرف ليبيا المركزي قد أكّد في بيان رسمي أن الإنفاق المزدوج من حكومتَي الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والحكومة المكلفة من مجلس النواب برئاسة أسامة حماد، ساهم في اتساع الفجوة بين العرض والطلب على العملات الأجنبية، وأدى إلى ضغوط متزايدة على سعر الصرف، وأسهم في تآكل قيمة الدينار الليبي.
وأشار المصرف إلى أن عام 2024 شهد "تدهوراً غير مسبوق" في التوازنات المالية، إذ بلغ الإنفاق العام 224 مليار دينار، مقابل إيرادات لم تتجاوز 136 ملياراً، ما خلق فجوة نقد أجنبي كبيرة.

أخبار ذات صلة.
