
يخشى الأشخاص ذوو الإعاقة بتونس إجراء تنقيحات للتشريعات لا تلبي تطلعاتهم لتحسين اندماجهم بالمجتمع، وذلك بالتزامن مع تعدّد الاقتراحات البرلمانية لتطوير قوانينهم
قدّم برلمانيون تونسيون مطلع العام الحالي مشروعَين لتنقيح القانون التوجيهي الصادر في 15 أغسطس/ آب 2005، ويتعلق بالأشخاص ذوي الإعاقة وحمايتهم، كما قدموا مشروعاً ثالثاً لتطوير لغة الإشارة وتعميمها لفائدة الأشخاص الصمّ، وتنص التعديلات على تحفيز ودعم مبتكري الأجهزة الخاصة بذوي الإعاقة مادياً ولوجستياً، وتحسين الامتيازات لحاملي بطاقة الإعاقة، من بينها الحصول على المساعدة القضائية المجانية، وتمكين حاملي هذه البطاقة من منحة مالية شهرية لا تقل عن مائة دولار، وقد تصل إلى 130 دولاراً للعاجزين عن العمل.
واقترح برلمانيون رفع حصة انتداب ذوي الإعاقة في القطاع الحكومي من 2 إلى 5% من مجموع الوظائف التي توفرها الدولة سنوياً، على أن تسند الأولوية لذوي الإعاقة الذين لديهم مؤهلات دون أن يؤخذ في الاعتبار السنّ القانوني للانتداب.
وتنص بنود القوانين المقترحة على منح ذوي الإعاقة إعفاءات ضريبية شاملة على توريد الأجهزة والمركبات، التي يمكن تفويض أحد أفراد العائلة قيادتها في الحالات التي يتعذر فيها ذلك على غرار فقدان البصر.
وترى جمعيات مدنية تدافع عن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة أن القانون القائم لم يعد صالحاً بعد 20 عاماً من إصداره، وتطالب بفتح حوار وطني حول وضعية حاملي بطاقة الإعاقة في تونس، تفضي إلى سنِّ تشريعات جديدة أكثر ملاءمة لاحتياجاتهم.
تقول الكاتبة العامة للمنظمة التونسية للدفاع عن حقوق ذوي الإعاقة بوراوية العقربي لـ"العربي الجديد": "الاجتهادات التي ينفذها البرلمان لتطوير التشريعات الخاصة بذوي الاحتياجات الخصوصية لن تكون مجدية، في ظل غياب عمل تشاركي مع هذه الفئة يفضي إلى تحديد احتياجاتهم الحقيقية وسبل تكريسها على أرض الواقع".
وبحسب بوراوية لا يزال قانون عام 2005 يواجه صعوبات في التطبيق، في ظل نقص الإمكانيات المالية والأرقام الدقيقة عن أوضاع الأشخاص ذوي الإعاقة في تونس وتصنيفاتهم، وتعتبر أنّ أي إصلاح يجب أن ينطلق من تشخيص دقيق لاحتياجات هذه الفئة، ومساهمتها الفعّالة في كتابة نص القانون الجديد.
وتشير إلى أن "واقع ذوي الإعاقة في تونس مخالف تماماً لما ينصّ عليه الدستور والاتفاقيات الدولية والقوانين المحلية، إذ تمنع حواجز حقيقية تأمين حقوق أساسية للأشخاص ذوي الإعاقة، أبرزها الصحة والتعليم والنقل، كما كانت الجمعيات الراعية لحقوق ذوي الإعاقة تتمتع بنفوذ في المشاركة بصنع القرار الرسمي وصياغة القوانين، أما حالياً فتغلق المؤسّسات التشريعية أبوابها في وجه المنظمات، وتنفرد في صياغة نصوص قانونية قد تحدّد مصير آلاف حاملي بطاقة الإعاقة من دون استشارتهم، وهم الأكثر دراية باحتياجاتهم الحقيقية والمؤكدة".
ويقدّر مسح أجراه معهد الإحصاء الحكومي عام 2022 عدد الأشخاص ذوي الإعاقة في تونس بنسبة 4.3% من مجموع السكان، أي نحو 500 ألف من مجموع 11 مليون نسمة، بينما تقول إحصاءات منظمة الصحة العالمية إنّهم نحو 12% من مجموع السكان.
أما بوراوية فتقول إنّ هذه الأرقام غير دقيقة، وإنّ تونس لا تملك قاعدة بيانات شاملة حول عدد الأشخاص ذوي الإعاقة وأوضاعهم. وتوضح أن السلطات تعتمد في تحديد فئة الأشخاص ذوي الإعاقة على عدد بطاقات الإعاقة التي تمنحها وزارة الشؤون الاجتماعية، الذي يبلغ 480 ألفاً، مرجحة أن يكون عددهم أكبر بسبب غياب التصنيف العلمي لنوعيات الإعاقة ودرجاتها.
وتعتبر أن "تنقيح القانون لا يمكن أن يصوّب الأخطاء الأساسية في التعامل مع هذه الفئة، رغم كل محاولات الدمج التي حاولت الدولة تنفيذها على مدار السنوات العشرين الماضية، وترجح أن يتسبب ذلك في هدر حقوق أجيال جديدة من أصحاب الاحتياجات الخاصة، في وقت يوفر التطور العلمي والرقمنة والذكاء الاصطناعي آلاف الحلول المبتكرة للارتقاء بأوضاعهم.
وعام 2022 أظهر التقرير الوطني حول وضع الطفولة أن حق الإناث ذواتِ الإعاقة في الدراسة غير مكفول على نحوٍ كافٍ، "إذ تبقى هذه الفئة مهدّدة بالأمية بسبب عدم القدرة على النفاذ إلى التعليم، خصوصاً في المناطق الريفية التي يصعب فيها دمج الأشخاص ذوي الإعاقة"، وأشار إلى أن عدد ذوي الإعاقة في المرحلة الأولى من التعليم الأساسي يقدّر بـ4439، تحتضنهم 1564 مدرسة، ويمثل الذكور نحو الثلثين، أي 2921 تلميذاً مقابل 1518 تلميذة.
وأقرّ التقرير بعدم وجود تكافؤ في فرص التعليم بين الجنسين من ذوي الإعاقة لعدم تهيئة المدارس الدامجة وتجهيزها بالمستلزمات التي تتلاءم مع فضاءات احتضان التلاميذ المعنيين بالمدارس الابتدائية والإعدادية والمعاهد. وخلص إلى أن برنامج الدمج المدرسي لحاملي بطاقة الإعاقة لا يزال يتطلب بذل مزيد من الجهد، ولم يرتقِ إلى الاستجابة لاحتياجات الأطفال ذوي الإعاقة ومطالب أوليائهم، ولم يستوعب الحدّ الأدنى من حقهم في الدّمج".

أخبار ذات صلة.
