متى وكيف سيعود السوريون؟
عربي
منذ ساعتين
مشاركة
عانى السوريون، اللاجئون منهم والنازحون، طويلاً من حالة الاستنقاع العدمي في بلاد غريبة، وفي ظروف تتراوح ما بين الجيّدة والسيئة جداً. تتحدث الأرقام عن أكثر من ستة ملايين لاجئ سوري في العالم، في الحقيقة يبدو الرقم أكبر من ذلك، لكن على الجهة الثانية وبعد سقوط النظام الدموي ثمّة إحصائيات تقول إنّ أكثر من 1.4 مليون سوري قد عادوا فعلياً، وأعتقد أن الرقم أيضاً أكبر من ذلك! خاصّة أن البعض قد عاد من لبنان من نفس معابر التهريب التي هربوا منها، وهي لا تعطي أرقاماً حقيقية، كما أنه لا توجد جهة رسمية موثوقة تابعت وأحصت ورصدت العودة والأرقام الحقيقية للعائدين ولا ظروفهم الحالية حتى اللحظة. عودة سريعة رغم عدم توافر البنى التحتية الصالحة للحياة الأساسية، خاصة السكن والخدمات والمدارس والمستوصفات، إضافة إلى عدم وجود خطة رسمية أو أممية مرتبة ومعلنة لتأمين وتحقيق العودة المأمولة، بل الواجبة كخطوة أولى نحو التعافي المجتمعي والإنساني، لكن ثمّة علامات بارزة تؤكد أن العودة مُرتجاة وتحمل بين طياتها أملاً كبيراً بالاستقرار وببدايات جديدة.

العلامتان الأكثر وضوحاً هما تفكيك مخيّم الركبان سيّئ الصيت على الحدود الأردنية، ومخيّم قاح الذي كان يضم أهل قرية التريمسة الذين كسروا، وفي مشهد مؤثر ومهيب، جدران المخيّم البائس والشوادر القميئة الكالحة وعادوا جميعهم إلى قريتهم!، ويُحكى أن من تحمل نفقة سيارات العودة هم متبرعون محليون سوريون من قرى وعبر مبادرات أهلية فردية وجماعية.

تفكيك مخيّمَي الركبان وقاح علامةٌ بارزة على بدء العودة، لكن العائدين يواجهون تحديات البنى التحتية المدمّرة والافتقار للخدمات الأساسية

على المقلب الآخر يعيش اللاجئون، خاصة الذين يعيشون في أوروبا، تردداً واسعاً حيال قضية العودة، ليس بسبب وجود أطفال لا يعرفون اللغة العربية فحسب، خاصة أن ثمة حلاً موجوداً في دمشق تحديداً بسبب وجود مدرسة فرنسية معروفة ومفتوحة أمام الأطفال الذين يحملون الجنسية الفرنسية وهم من أصل سوري، لكن الموانع أعقد من ذلك وتخصّ أساساً سؤال: ماذا سنعمل؟ ومن أين سنحصل على الدخل الكافي للعيش وتأمين الموارد الرئيسية للحياة، التي ترتفع تكلفتها تصاعدياً مثل إيجارات البيوت وتكاليف تأمين الطاقة والمياه النظيفة وتكلفة المدارس الجيدة والمواصلات، والأهم هو مسألة التأمين الصحي التي تطرح نفسها بقوة من ناحية تكلفتها العالية، ومن ناحية غياب الشكل التأميني اللازم والضامن للوضع الصحي للجميع.

تحوّلت قضية العودة إلى مشكلة عائلية حقيقية ما بين الأزواج السوريين وما بين الأهل والأبناء معاً، وقضية العودة لا تحمل سؤالاً واحداً هو متى أو كيف؟ بل تحمل تفاصيل معقدة ومتداخلة، وقد شهدت بعض الحالات نزاعاً أوصل بعض الحالات للانفصال التام، وعودة أحد الطرفين بصورة نهائية قاطعاً أي خطوط لعودة محتملة.

إن القناعة طويلة الأمد بعدم إمكانية سقوط النظام المجرم منحت استقراراً مراوغاً، ووهماً بأن العودة مستحيلة قطعياً. ومن التفاصيل التي أجّلت سؤال العودة هي حالة اكتفاء تبريرية بأن ما يحصل في أوروبا للاجئين حتى بوضعيتهم المؤقتة هو الضامن الوحيد للمستقبل.

بينما يعيش العائدون ظروفاً صعبة وبمفردهم تدفعهم الإرادة القوية بالعيش ولو على تراب البيوت المدمرة، لكنهم كسروا أوهامهم وجدران مخيّماتهم المذلة وعادوا، وما بين الأسئلة منزوعة الأجوبة عن ماذا سيحصل غداً معنا كلاجئين في أوروبا؟ هل ننتظر الترحيل؟ هل نقدم على الجنسية رغم صعوبة قبولها أو الحصول عليها حالياً؟ أم نعود دون وضع قانوني يشكل أي حماية أو أي إمكانية للعودة مقابل وعود بالاستقرار والعمل وبمستقبل وضاء وباهر ومربح في سورية الجديدة، كما يحاول البعض تصويره بصورة خيالية بلا أيّ معالم واضحة.

سقط النظام القاتل، ونهضت معه أكوام من الأسئلة التي لا تحمل أجوبة مهما اكتست بالعاطفة وبالرغبات الدفينة والمعلنة بأنّ بلدنا ينتظرنا! وقد يشكك البعض حتى بالعودة ولو كفكرة، تتحول العودة إلى أساس خلافي، وتتحول الأسئلة إلى نزاع داخلي وعام، لكن بأجوبة مفقودة أو مؤجلة، وإن وُجدت فهي ملتبسة ومُرهقة.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية