عيد الأضحى في سورية... طقوس متوارثة تنشر الفرح
عربي
منذ 3 ساعات
مشاركة

مع حلول عيد الأضحى الذي يعتبر مناسبة روحية واجتماعية تجمع شمل العائلات وتعيد الدفء للعلاقات، تعيش المدن والبلدات السورية أجواء مميزة رغم الظروف المعيشية والأمنية الصعبة التي ألقت بظلالها على حياة المواطنين، إذ تنتعش الأسواق تدريجياً خلال موسم العيد، وتبدأ الأسر مبكراً تجهيز احتياجاتها من الملابس والحلويات التقليدية والمواد الغذائية.
وتعكس الحركة في الأسواق، وهي حركة متفاوتة بين مناطق سورية، واقع الحال والقدرة الشرائية لدى المواطنين، مع محاولات حثيثة للحفاظ على تقاليد ما يعرف شعبياً بـ"العيد الكبير"، رغم التحديات، ومن بينها ذبح الأضاحي، وزيارة الأقارب، وتوزيع العيدية، والتحضيرات المنزلية المختلفة التي تشمل تجديد البيوت وتنظيفها، وطهي أصناف الطعام الموروثة.
من أحد أسواق دمشق القديمة، تقول ربة المنزل بسمة العلي، إن الأسعار منعتها هذا العام من شراء بعض مستلزمات العيد، لكنها ستحتفل بما تيسر، وستحضر معمول العيد في البيت، حتى لو بكميات قليلة. تضيف: "شراء ثياب العيد للأطفال أصبح من الكماليات، وفي هذا العيد لم أتمكن من شراء ملابس جديدة لأطفالي، وسأكتفي بما اشتريته لهم في عيد الفطر، لكن الظروف الصعبة لم تمنعنا من الاحتفال. حرص الشباب على تزيين الأزقة بالأضواء والفوانيس في أحياء دمشق القديمة، وحتى لو كانت الإمكانيات بسيطة، إلا أن الزينة تضفي أجواء من البهجة، خصوصاً على الأطفال".

من مدينة حمص، يؤكد المدرس رضوان الخطيب أن "طقوس العيد تبدأ قبل شروق الشمس، إذ يستيقظ السوريون باكراً، ويتوجهون إلى أداء صلاة العيد في المساجد والساحات العامة، ثم إلى زيارة قبور أحبائهم. ما يميز العيد الكبير هو الأضاحي التي يبدأ ذبحها بعد الانتهاء من صلاة العيد، وغالباً ما يذبح السوريون الخراف، وفي بعض الأحيان الأبقار أو العجول. الأضحية ليست مجرد ذبح، بل هي تجمع للعائلة حول الطقس، ثم توزيع اللحوم على الفقراء والجيران والأقارب، ما يرسم البهجة على الوجوه، وبعد الذبح، ويعزز صلة الرحم. هذه العادات تميز العيد في سورية، وتجعله فرصة للمصالحة والتواصل".
ويعني العيد عند الأطفال الثياب الجديدة والعيديات، وكلاهما يدخلان الفرح إلى قلوبهم. يقول يوسف البركات (9 سنوات)، من حماة: "أحب العيد لأنني أتلقى عيدية من الأقارب، وأشتري بها الألعاب والحلوى". وتضيف والدته نسرين، وهي موظفة حكومية: "رغم ضيق الحال وقلة الرواتب، نحرص على إدخال الفرحة إلى قلوب أطفالنا، ولو بعيدية بسيطة".
وتستعيد العائلات في كل المدن السورية طقوس الزيارات واللمة. يقول المدرس مازن الرحمون، من دير الزور: "العيد مناسبة للتسامح ولم الشمل، حتى المتخاصمون يتصافحون ويتبادلون التهاني، فالعيد ليس مجرد طقوس، بل قصة إنسانية يرويها السوريون عبر الأجيال، تتحدث عن التضحية والمحبة والأمل".
وللجدات في إدلب طقوس خاصة في العيد، تحكيها السبعينية سامية الخشاب، قائلة: "نحرص على صناعة أنواع متعددة من الحلويات المرتبطة بالعيد، وأهمها المعمول المحشو بالتمر أو الجوز أو الفستق، والغريبة، إضافة إلى كعك العيد، الحلو والمالح، ونضع أجمل الأطباق على المائدة في صباح يوم العيد، ونبخر البيت بالعود والمسك لاستقبال الضيوف، هذه الطقوس تُبقي روح العيد نابضة".

وتتابع: "لا يكتمل العيد إلا بمائدة عامرة تضم الأطباق التقليدية، مثل الفتة والكبة واللحوم المشوية والمحاشي، ويجمع يوم العيد الأول العائلة الممتدة حول المائدة، وبعد الطعام، نتناول الحلوى والقهوة العربية، ورغم الصعوبات التي يواجهها السوريون، يظل عيد الأضحى مناسبة تتجدد فيها روابط الأسرة، ويتعزز فيها الأمل بغد أفضل. لهذا العيد خصوصية، فهو الأول بعد سقوط نظام الأسد، والذي كان يقصف المدن والبلدات في العيد خلال السنوات الماضية لإفساد فرحة الناس".

في السويداء، تحرص الأسر على صناعة حلويات العيد التقليدية في المنازل قبل حلول العيد، وتتسم التحضيرات هذا العام بالتواضع. يقول عادل حرب: "ستقتصر الزيارات في هذا العيد على العائلة، مع التركيز على الأقارب المباشرين، ولن يكون هناك سهرات جماعية. في السابق كنا نسهر طوال الليل في جو بهيج، لكن العيد هذه السنة مختلف".
وأصدرت مشيخة عقل طائفة المسلمين الموحدين الدروز، الخميس الماضي، بياناً دعت فيه إلى اختصار مراسم العيد على أداء الشعائر الدينية والمعايدات، وتجنب مظاهر البذخ في ظل الأزمات الاقتصادية، والامتناع عن إطلاق العيارات النارية والمفرقعات، ووصفت هذه الممارسات بأنها "مرفوضة دينياً واجتماعياً"، مع التزام مظاهر الحداد تكريماً لشهداء مناطق جبل العرب وجرمانا وصحنايا والأشرفية، وشدد البيان على أن المخالفين سيواجهون المساءلة الدينية والاجتماعية.

ورغم كل التحديات، تظل روح العيد حية في درعا، كما تؤكد ربة المنزل هلا الحريري، قائلة: "لا متعة للعيد من دون صنع الحلويات ولبس الثياب الجديدة، وهي أمور نحرص عليها رغم ضعف الإمكانيات، إضافة إلى تعزيز التآلف وجمع الشمل، ويبقى العيد موسماً دينياً ومجتمعياً ينتظره الأطفال في كل عام، وجل همهم التنقل في الحي من منزل إلى آخر للحصول على العيدية، ومهما كانت الظروف لا نستطيع حرمانهم هذه الفرحة. الكبير يمكنه أن يتجاهل الفرحة، لكنه لا يستطيع التقصير مع الصغار، وجميع أطفالنا حصلوا على ثياب العيد الجديدة".
أما في القنيطرة، فيقتصر التحضير للعيد على شراء لوازم الأطفال وصنع بعض الحلويات في المنازل، فيما ينغص وجود الاحتلال الإسرائيلي فرحة العيد. يقول المزارع عمران السبع، من كودنة في ريف القنيطرة: "شعائر العيد ستقتصر على الصلاة وزيارات التهنئة ضمن القرية، فقد حرمنا هذا العام من فرحة العيد، وطالما أن العدو في أرضنا فلن تكتمل الفرحة".

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية