رد روسيا على استهداف طيرانها: رسائل تحذيرية بلا تصعيد
عربي
منذ 4 ساعات
مشاركة

بعد مرور أسبوع على الهجمات الأوكرانية بالمسيّرات، الأحد الماضي، على مطارات عسكرية روسية عدة تحتضن قاذفات استراتيجية تابعة لقوات الردع النووي الروسي، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أول من أمس الجمعة، عن شن ضربة جوابية مكثفة بواسطة أسلحة، قالت إنها عالية الدقة واستهدفت مكتب تصاميم ومصانع معنية بإنتاج وصيانة الأسلحة والمعدات العسكرية الأوكرانية، زاعمة "تحقيق الهدف من الضربة" وإصابة جميع الأهداف المصوب عليها. وجاء الرد الروسي بعد أيام من غموض الموقف حول ذلك، إذ أحجم الكرملين حتى آخر لحظة عن الكشف عن طبيعة الرد على الهجوم، مع اكتفاء المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، الخميس الماضي، بالتوضيح أن روسيا سترد على الهجوم الأوكراني على المطارات العسكرية الروسية في 1 يونيو/ حزيران الحالي في الوقت الذي يراه العسكريون مناسباً، معرباً عن أمل موسكو في سماع تنديد حازم لهذا "العمل الإرهابي" من قبل المجتمع الدولي. ومع ذلك، أقر بيسكوف أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تطرق خلال اتصاله الهاتفي الرابع مع نظيره الأميركي دونالد ترامب، إلى الرد المحتمل على الهجمات.

روسيا وعقيدتها النووية

فتح الهجوم على القاذفات الاستراتيجية الروسية الباب على مصراعيه أمام سيل من التكهنات حول ما إذا كان يقع تحت طائلة العقيدة النووية الروسية (أساسيات سياسة الدولة في مجال الردع النووي وفق التسمية الرسمية) المعدلة في نهاية العام الماضي، والتي دعمت موسكو تعديلها حينها بالاستخدام الأول والوحيد لصاروخ أوريشنيك البالستي فرط الصوتي بلا ذخيرة نووية، وذلك رداً على استخدام أوكرانيا صواريخ أميركية وبريطانية بعيدة المدى لضرب العمق الروسي. ويشير البند الـ11 من العقيدة النووية الروسية المعدلة إلى أن العدوان ضد روسيا الاتحادية و/أو حلفائها من قبل أي دولة نووية، بمشاركة أو بدعم من دول نووية، يصنف على أنه "هجومهما المشترك"، ما يعني أن الهجوم الأوكراني يقع تحت طائلة هذا البند في حال ثبت تنفيذه بدعم استخباراتي أو فني غربي. وكذلك تتيح العقيدة المعدلة استخدام السلاح النووي في حال تعرض منشآت حكومية أو عسكرية روسية حيوية، لتأثير قد يمنع الأعمال الجوابية للقوات النووية الروسية، ومن بينها القواعد المحتضنة للقاذفات الاستراتيجية.

فاديم ماسليكوف: الهجوم الأوكراني على المطارات الحربية الروسية لا يقع تحت طائلة العقيدة النووية

ومع ذلك، اعتبر فاديم ماسليكوف الخبير في "مكتب التحليل العسكري - السياسي"، الأستاذ المساعد في قسم التحليل السياسي في جامعة بليخانوف الاقتصادية الروسية، أن الهجوم "الإرهابي" الأوكراني على المطارات الحربية الروسية لا يقع تحت طائلة العقيدة النووية الروسية بصورة مباشرة، كونه لم يعطل القدرات الروسية على الرد على أي هجوم نووي. وقال ماسليكوف لـ"العربي الجديد": "حتى قبل هذا الهجوم الإرهابي الأوكراني، المدعوم على الأرجح من الاستخبارات البريطانية أو غيرها، نفذت طائرات استراتيجية روسية بعض العمليات المفاجئة لإعادة التموضع، ولكن ثمة حالة من الفراغ القانوني جراء استمرار التطبيق الجزئي لمعاهدة ستارت-3 التي حرمت روسيا من بناء حظائر لمثل هذه الطائرات حتى تكون موضعاً للمراقبة. وفّر ذلك ثغرة لأوكرانيا، ولكن ما جرى لا يترك مجالاً للشك في أنه ستتم إقامة مثل هذه الحظائر بصرف النظر عن أحكام المعاهدة".

وتحدد معاهدة ستارت-3 الأعداد المسموح لكل طرف بامتلاكها من القاذفات الثقيلة والصواريخ البالستية العابرة للقارات والصواريخ البالستية التي تطلق من الغواصات. وفي وقت أعلن فيه بوتين عن تعليق العمل بالمعاهدة في عام 2023، إلا أن بعضاً من أحكامها يسري مفعولها حتى فبراير/ شباط 2026، بما في ذلك في النقاط المتعلقة بتعزيز إجراءات الثقة الرامية إلى الحفاظ على الاستقرار العالمي، ومن بينها إخطار الطرف الآخر بعمليات إطلاق الصواريخ والنشر "المكشوف" للطيران الاستراتيجي، مما حرم روسيا من إيداع قاذفاتها في حظائر خرسانية. وفي معرض إجابته عن سؤال حول ما إذا كان الهجوم الأوكراني يقع تحت طائلة العقيدة النووية الروسية المعدلة، قال ماسليكوف: "يمكن تفسير هذه الأحكام بطرق مختلفة. نظرياً تنطبق العقيدة النووية على ما جرى ويترك لروسيا حق الرد، ولكن عملياً، تدمير بعض الطائرات القديمة لا يمنع روسيا من الرد على ضربة نووية، نظراً لتوفر عدد هائل من الطائرات الأخرى وامتلاك روسيا ثالوثاً نووياً برياً وبحرياً وجوياً".

وبعد مرور أسبوع تقريباً على الهجوم، كشف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن مزيد من التفاصيل حول تنفيذه، موضحاً في مقابلة مع شبكة "إي بي سي نيوز" الإخبارية الأميركية أن سائقي الشاحنات التي أطلقت منها المسيّرات على المطارات، لم يكونوا على علم بما ينقلونه، بل كانوا يقومون بعملهم. وتعليقاً على هذا الإقرار، اعتبر ماسليكوف أنه يعزز فرضية "العمل الإرهابي" من جهة إشراك أفراد مدنيين في عمل عسكري خلسة من دون علمهم.

من جهته، اعتبر الخبير في مركز بحوث قضايا الأمن التابع لأكاديمية العلوم الروسية، قسطنطين بلوخين، أن الهجوم الأوكراني يملي على روسيا تعزيز إجراءات تأمين المطارات المحتضنة لطيرانها الاستراتيجي وحتى شن ضربة استباقية، مقراً في الوقت في نفسه بأن إحجام روسيا عن إبداء رد فعل حازم كان متوقعاً. ورأى بلوخين في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن "الإجراءات المراد اتخاذها هي تعزيز نظم الدفاع الجوي في محيط المطارات العسكرية وشن ضربات استباقية على العدو حتى لا يفكر في تكرار مثل هذه العمليات من أساسها، خصوصاً أن ما جرى يقع تحت طائلة العقيدة النووية المعدلة، إذ إن الطيران الاستراتيجي الذي استُهدف تشمل مهامه حمل الذخائر النووية، ولكن القرار النهائي اعتمد على تفسير النخبة السياسية - العسكرية لما جرى، ومن الواضح أن قيادة بلادنا لم تكن تعتزم الرد باستخدام السلاح النووي على عكس الولايات المتحدة التي كانت ستفسر مثل هذا الهجوم على أنه تهديد يتطلب رداً".


قسطنطين بلوخين: الهجوم الأوكراني يملي على روسيا تعزيز إجراءات تأمين المطارات

احتمالات استخدام السلاح النووي

بدوره، اعتبر الخبير العسكري الروسي، يفغيني كروتيكوف، أن تفسير أحكام العقيدة النووية الروسية يخضع للسياق، مشيراً إلى أن حتمية استخدام السلاح النووي تقتصر على نشوب تهديد لوجود الدولة الروسية ووحدتها، مع تطبيق مبدأ "تناسبية الرد" على العدوان في باقي الحالات. وفي مقال بعنوان "المسيّرات بمواجهة القاذفات تقرب سيناريو الحرب النووية" نشر بصحيفة فزغلياد الإلكترونية الموالية للكرملين، أوضح كروتيكوف أن "السلاح النووي لا يستخدم تلقائياً حتى في حالات تجمع بين ملامح وشروط الهجوم الخطر من الخارج". ومع ذلك، أقر الخبير العسكري الروسي أن "حقيقة وقوع مثل هذا الهجوم في حد ذاته ترفع الرهانات بصورة حادة وتقرب بشكل خطير تهديد اندلاع حرب نووية"، واصفاً ما جرى بأنه "سلوك غير مسؤول للغاية من قبل كييف لا يرمي إلى نسف العملية التفاوضية فحسب، وإنما أيضاً إلى توريط بلدان ناتو (حلف شمال الأطلسي) وربما حتى الولايات المتحدة في مواجهة خطرة".

وكانت أوكرانيا قد استبقت الجولة الثانية من مفاوضات إسطنبول التي انعقدت الاثنين الماضي، بموجة من التصعيد العسكري، مستهدفة مطارات عسكرية تحتضن قاذفات استراتيجية بعيدة المدى في خمس مقاطعات روسية، بما فيها مقاطعة إركوتسك الواقعة في سيبيريا، مما شكل سابقة لتمكن أوكرانيا من شن هجوم في العمق الروسي على مسافة تزيد عن أربعة آلاف كيلومتر في إطار عملية أطلق عليها زيلينسكي، اسم "شبكة العنكبوت"، مشيراً إلى أن الاستعدادات لها استمرت لأكثر من عام ونصف العام بهدف مهاجمة القاذفات الاستراتيجية الروسية بمواقع مرابطتها. ومع تباين التقديرات لعدد الطائرات المصابة، أقرت وزارة الدفاع الروسية باشتعال "بضع" طائرات، لافتة إلى أن المسيّرات أُطلقت من مسافة قريبة من المطارات، من دون وقوع ضحايا بين الأفراد العسكريين والموظفين المدنيين بالمطارات. وحينها، ذكرت الدفاع الروسية أيضاً أنه تسنى التصدي للهجمات في ثلاثة مطارات، مع إصابة طائرات في مقاطعتي مورمانسك وإركوتسك.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية