
يوثق التقرير استخدام إسرائيل “قنابل الفوسفور الأبيض” في حربها على لبنان منذ أحداث السابع من أكتوبر عام 2023؛ ما تسبّب في تدمير محاصيل زراعية، وإلحاق أضرار صحية بالمدنيين.
منذ بدء حرب السابع من أكتوبر 2023، دأبت إسرائيل على قصف لبنان بالفوسفور الأبيض، الذي أثر سلباً في المحاصيل الزراعية، وتسبّب بمشكلات صحية خطيرة للمدنيين. آخر حادثة قصف (حتى تاريخ كتابة التقرير) كانت في 13 من تشرين الأول/أكتوبر 2024، عندما قصفت إسرائيل قوات اليونيفيل بالفوسفور، ما أدى لإصابة 15 من عناصرها.
ويُعدّ استخدام الفوسفور الأبيض خرقاً للقانون الدولي، نظراً لآثاره الخطيرة على الصحة والبيئة. ورغم ذلك، بدأت إسرائيل باستخدامه في لبنان بين 10 و16 تشرين الأول/أكتوبر 2023، بحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية.
كما يُعدّ استخدامه أيضاً خرقاً للبروتوكول الثالث باتفاقية استخدام أسلحة تقليدية معينة (CCCW)، الذي ينص على تجريم استخدام الفوسفور في المناطق المأهولة بالسكان؛ ما يُتيح للبنان فرصة مقاضاة إسرائيل أمام المحاكم الدولية.
فوفق دراسة أجراها أنطوان الكلاب وليلا روسا معوض، وهما باحثان بيئيان من الجامعة الأميركية في بيروت، بعنوان “الأثر الاجتماعي والبيئي لذخائر الفسفور الأبيض المستخدمة في جنوب لبنان: تحليل واستراتيجيات الحدّ من المخاطر”، قصفت إسرائيل لبنان بالفسفور الأبيض في حزيران/يونيو 1982، وتموز/يوليو 1993، ونيسان/أبريل 1996، وتموز/يوليو 2006، وتشرين الأول/أكتوبر 2023.
هذا القصف المتكرر والمتعمد أتلف مئات الدونمات من الأراضي الزراعية، كما أثر سلباً في صحة المزارعين. حسن سقا (69 سنة)، أحد مزارعي قرية السلطانية في جنوب لبنان، يوضح تأثير هذا القصف: “أعمل هنا لأتمكن من شراء دوائي، لا أعرف ماذا يجب أن أفعل الآن؛ فحالتي صعبة ويكلف علاجي نحو ألفي دولار شهرياً”.
معاناة حسن ليست الوحيدة بين المزارعين، فوفق بيان لتجمع الهيئات الممثلة “لقطاف الزيتون في لبنان”، فإن الموسم الحالي (2024) هو الأشد صعوبة منذ عشرات السنوات: “أدت التغيرات المناخية إلى فقدان جزء كبير من الموسم، وجاء العدوان الإسرائيلي اللئيم ليمنع مزارعي الجنوب من قطاف زيتونهم بعد قصف مناطق واسعة من بساتين الزيتون بقنابل الفوسفور الأبيض واليورانيوم المنضب، في محاولة للقضاء على أهالي قرى الجنوب -الذين يعمل معظمهم في الزراعة- ونشر الأمراض السرطانية والتشوهات الجينية على مدى أجيال”.
والفوسفور الأبيض هو “مادة صلبة شمعية، مائلة للصفرة أو عديمة اللون، لها رائحة تشبه رائحة الثوم، تشتعل تلقائياً في الهواء عند درجات حرارة أعلى من 30 درجة مئوية”. أما اليورانيوم المنضب فهو “القنابل التي تحتوي على اليورانيوم المُنضَّب (Depleted Uranium) الّذي يتمتَّع بقوّة اختراق هائلة…كما أنَّ غبارها يتسبَّب في العديد من الأمراض، خاصَّة عند استنشاقه”، بحسب نقابة الكيميائيين في لبنان.
تهديد الأمن الغذائي
يؤثر الفوسفور الأبيض في كل المحاصيل الزراعية التي تُروى بمياه اختلطت بعناصره، وبالتالي يمتد هذا التأثير للإنسان عن طريق الاستهلاك.
يشرح أنطوان الكلاب، المدير التنفيذي لمركز حماية الطبيعة بالجامعة الأميركية في بيروت، هذا التأثير بالقول: “يمكن أن يؤثر انتشار الفوسفور الأبيض في نظم بيئية متعددة، وقد يُهدّد الأمن الغذائي على المستوى المحلي، كما يمكن أن يتسبّب في تلوث مجاري المياه، ما يؤثر في صحة المجتمعات القريبة التي تعتمد على هذه المصادر لمياه الشرب، كما تصبح مصائد الأسماك القريبة معرضة لخطر التلوث الذي قد ينتقل إلى البشر من خلال الاستهلاك”.
الأمر الذي أكدته “المصلحة الوطنية لنهر الليطاني”، فالاستهداف الإسرائيلي -الذي طال لبنان- وصل لنهر الليطاني أيضاً، وهو ما أثر في لون النهر والرائحة المنبعثة من مجراه، بحسب معلومات حصلت عليها “أريج” من المصلحة عبر مبادرة “غربال”.
أخذت المصلحة عينات من أربع مناطق من نهر الليطاني؛ هي الخردلي وصير الغربية-طيرفلسيه وزوطر الغربية-قاقعية الجسر والقاسمية. أظهرت العينات أن تركيز الرصاص تخطى الحد الأقصى المسموح به في المياه السطحية للمناطق المُعايَنة. وبلغ أدنى معدل رصاص في مياه منطقة صير الغربية-طيرفلسيه نحو 0.122 ميليغرام لكل لتر من المياه؛ أي في البقعة من النهر التي تعد الأقل تلوثاً بالرصاص، يبلغ ارتفاع نسبة الرصاص 1120 في المئة من الحد الأقصى المسموح به، وهو 0.01 ميليغرام من الرصاص لكل لتر من المياه، بحسب منظمة الصحة العالمية.
ويؤدي التعرض للرصاص في الطفولة المبكرة إلى “نقص القدرات الإدراكية وتراجع معدل الذكاء، والسلوك المعادي للمجتمع وضعف التحصيل الدراسي، وقد تشمل العلامات الأولية للتعرض للرصاص التقيؤ المتقطع وفقدان الشهية والتغيرات السلوكية التي تشمل العدوانية والتململ والهيجان والصداع والتعرق والخمول المتقطع”، وفق منظمة الصحة العالمية أيضاً.
تضيف المنظمة عن آثار الرصاص أنه قد يسبب “فقر الدم، وارتفاع ضغط الدم، والقصور الكلوي، وتسمم جهاز المناعة والأعضاء التناسلية، وقد يسبّب التسمم الوخيم بالرصاص الغيبوبة والاختلاجات، بل حتى الوفاة”.
بالإضافة إلى الرصاص، أشارت نتائج “العينات” إلى تركيز الكادميوم الذي “تخطى الحد الأقصى المسموح به في المياه السطحية في منطقة زوطر الغربية-قاقعية الجسر؛ إذ بلغ تركيز الكادميوم نحو 0.032 ميليغرام لكل لتر من مياه النهر في زوطر الغربية-قاقعية الجسر، في حين أن التركيز الأقصى المسموح به هو 0.003 ميليغرام لكل لتر من المياه.
والكادميوم هو عنصر طبيعي موجود بكميات صغيرة في الهواء والماء والتربة والغذاء، بحسب المؤسسة الوطنية للسرطان في الولايات المتحدة الأميركية. وتوضح منظمة الصحة العالمية أنه “يؤثر سلباً في الكلى والجهاز الهيكلي والجهاز التنفسي، ويصنف كعامل مسرطن للبشر، ويمكن أن ينتقل الكادميوم لمسافات طويلة من مصدر الانبعاث عن طريق النقل الجوي”.
وتضيف المنظمة أن هناك “دلائل كافية لتسببه بسرطان الرئة”.
وتُرجح الدراسة (المُشار إليها سابقاً) وجود الرصاص والكادميوم لعدة أسباب، أهمها الغبار وحيطان المباني والمواد المتفجرة الناتجة عن انفجار الصواريخ، وانجراف التربة الملوثة إلى النهر، وتسرب المعادن الثقيلة من الأنابيب حال إصابتها بقصف صاروخي.
بالإضافة إلى الرصاص والكادميوم، سجل التقرير ارتفاعاً ملحوظاً بمستوى الفوسفور والفوسفات اللذين سجلا نحو 20 ضعف معدلهما خلال السنوات الخمس الماضية.
رسم بياني يقارن بين نسبة الفوسفات في نهر الليطاني في حوضه الأدنى خلال شهر كانون الأول 2024 ومعدله السابق ويظهر الحد الأقصى المسموح للفوسفات في مياه النهر
الحد الأقصى المسموح به في مياه الري
المصدر: تقرير المصلحة الوطنية لنهر الليطاني
وأضاف التقرير أن المستويات المسجلة مؤخراً للفوسفور والفوسفات هي مستويات غير طبيعية، لم يسجلها النهر قبل الحرب الإسرائيلية على لبنان؛ ما يجعل الحرب المُسبِّب للتلوث بالفوسفور.
التلوث الزراعي
الاستهداف المتكرر بالفوسفور الأبيض، بالإضافة إلى فقدان آلاف الأمتار من الأراضي الزراعية؛ وضع يهدد الأراضي اللبنانية بالتصحر، كما يشرح المهندس الزراعي حنا مخايل: “خسرنا أشجار السنديان والبلوط، خسرنا الزيتون، خسرنا أنواعاً كثيرة من الشجر، خسرنا ذلك ولا يمكننا زراعة نباتات مكانها، خسرنا الأراضي، تلوثت البيئة… أتصور أن هذه كلها علامات تصحر”.
في هذا الإطار، يوضح وزير الزراعة اللبناني الدكتور عباس الحاج حسن، حجم الأضرار التي لحقت بالمساحات الزراعية: “ستة آلاف دونم تضرّرت بشكل غير مباشر أو بشكل جزئي، وهناك ألفان و500 دونم تضرّرت بشكل كامل، طبعاً رقم مهول… هذه المساحات الحرجية كانت أشجاراً تعطينا مردوداً اقتصادياً كبيراً”.
وبحسب الوزير اللبناني فإن “هذا النهج الإسرائيلي يزيد من معضلة الاحتباس الحراري، ويقضي على كل الجهود الرامية لمساعدة الشرق الأوسط، في التخفيف من درجة حرارة الأرض، والاحتباس الحراري وعملية التصحر”.
إنذار بالتصحر
رغم حجم الدمار الهائل في “حرب تموز” بين لبنان وإسرائيل عام 2006، إلا أن القصف لم يطل سوى نحو 25 في المئة من الأراضي الزراعية؛ خاصة في جنوب لبنان. لكن في الحرب الإسرائيلية الأخيرة (2023-2024) على لبنان، ارتفعت رقعة الأراضي الزراعية المُستهدفة، ما عزز خسائر هذا القطاع، وفق مزارعين التقينا بهم خلال العمل على هذا التقرير.
يشرح المزارع حسن سقا الوضع آنذاك: “كانت (الحرب) لوقت محدود 34 يوماً فقط، ويُحصد الزيتون في تشرين الأول، كما أن معظم الغارات (في حرب 2006) كانت على البيوت”.
تظهر أرقام وزارة الزراعة أن الأضرار لم تقتصر فقط على الأراضي، بل طالت القطاع الزراعي كله والحيواني أيضاً. يشرح الوزير عباس الحاج حسن ذلك التأثير بأن قيمة إنتاج الجنوب من الإنتاج الوطني كانت تشكل نسبة 20 في المئة تقريباً، لكن بعد الحرب الأخيرة تراجعت هذه النسبة.
ومع توسيع دائرة الحرب على لبنان في 23 أيلول/سبتمبر 2024، تأثرت 68 في المئة من المساحات الزراعية بشكل مباشر أو غير مباشر، في مناطق النبطية والجنوب والبقاع وبعلبك الهرمل، في حين لم تتأثر ما نسبته 32 في المئة فقط من المساحات المزروعة في مناطق جبل لبنان وعكار والشمال.
ووفق وزارة الزراعة اللبنانية، فإن الحرب الإسرائيلية تسبّبت في إحراق أكثر من ثلاثة آلاف و220 دونماً بالكامل، وتضرّر نحو سبعة آلاف ومئتي دونم في محافظة الجنوب بين أراضٍ زراعية وحرجية.
ويؤكد وزير الزراعة اللبناني، عباس الحاج، أن ما لا يقل عن 45 في المئة من اللبنانيين يتأثرون بشكل مباشر أو غير مباشر بالقطاع الزراعي، نتيجة ارتفاع أسعار بعض المنتجات.
ووفق وزارة الزراعة اللبنانية، بلغ عدد الحرائق الناتجة عن استخدام الفوسفور الأبيض نحو ألف و42 حريقاً، في الفترة من تشرين الأول/أكتوبر 2023 حتى آب/أغسطس 2024.
امتدت أضرار الحرب الإسرائيلية على لبنان إلى قطاع تربية الماشية أيضاً؛ إذ تشير الأرقام إلى نفوق أكثر من مليون دجاجة، وأكثر من 18 ألف رأس من الماشية.
تكلفة باهظة
يؤكد المهندس الزراعي حنا مخايل أن قصف الفوسفور، فضلاً عن كونه محرماً بالقانون الدولي، يبقى التخلص منه مهمة صعبة: “الفوسفور الأبيض لأنه مادة ممنوعة بالعالم؛ يعني لم تُجرَ دراسات كثيرة عن معالجة الأرض ما بعد القصف الفوسفوري… هناك بعض المحاصيل القادرة على تنظيف البيئة”. بالإضافة إلى وجود بكتيريا يمكن أن تُضاف للأرض لتحويل هذه المادة إلى مواد أخرى تستطيع النباتات امتصاصها، هذه هي الحلول إجمالاً، لكن تبقى التكلفة مرتفعة جداً، وفق حنا.
أنطوان الكلاب، المدير التنفيذي لمركز حماية الطبيعة بالجامعة الأميركية في بيروت، يشير أيضاً إلى ارتفاع تكلفة خطة تنظيف الفوسفور، بالاستناد إلى تجارب دول أخرى. يضيف الكلاب أن الحكومة الأميركية خصّصت 400 مليون دولار لإعادة تأهيل البيئة من آثار مادة العامل البرتقالي، فتُستخدم مدافن النفايات للتخلص من التربة والرواسب الملوثة، وتتمّ معالجة التربة الملوثة بشدة باستخدام التسخين الموصل حرارياً، فتُسخن المواد الملوثة على حرارة لا تقل عن 300 درجة مئوية لتعطيل المركبات السامة.
ويضيف أيضاً أن موقع “إيجل ريفر فلاتس” يُعدّ مثالاً آخر، حيث أُعلن عنه موقعاً شديد السمية بعد سنوات من اختبار الذخائر الملوثة بواسطة الجيش الأميركي، واستمرت جهود تنظيف الموقع عن طريق ضخ البرك وتجفيف الرواسب من عام 1982 حتى عام 2008.
“فساد لبنان” يعزز ثقافة الإفلات من العقاب
المعلومات التي حصلت عليها “أريج” من “مركز حماية الطبيعة”، توضح ارتفاع تأثير الفوسفور الأبيض في المدنيين، منذ أول قصف إسرائيلي بالفوسفور على لبنان سنة 1993، وحتى آخر تحديث في تشرين الأول/أكتوبر 2023.
- 2023 تشرين الأول/أكتوبرجنوب لبنان134 حريقاً
أكثر من مئة جريح من المدنيين.
أكثر من 50 قتيلاً
20 ألف نازح.
تأثير جسيم على الممتلكات. - تموز/يوليو 2006بيروت، البقاع، جنوب لبنانألف و 200 قتيل
وأربعة آلاف و 400 جريح. - آذار/مارس 1996بيروت، جنوب لبنانأكثر من مئة قتيل من بينهم 37 طفلاً.
- تموز/يوليو 1993البقاع، جنوب لبناننحو 50 ألف قتيل وستة آلاف نازح.
تعرّض لبنان مرات عديدة للقصف الفوسفوري الإسرائيلي، ومع ذلك لم تُقدّم الحكومة اللبنانية أيّ شكوى أمام المحكمة الدولية! على الرغم من أن لجنة حقوق الإنسان، التابعة لمجلس البرلمان، كانت تستعد لتقديم شكوى ضد إسرائيل.
يقول الخبير القانوني كريم المفتي، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدولي بجامعة Sciences Po في باريس، إنه يعتقد أن حزب الله كان وراء عرقلة رفع الدعوى ضد إسرائيل: “كانت هناك محاولة في وقت مبكر جداً، قبل أشهر، وقد قمت بإعداد مسودة مع لجنة حقوق الإنسان في اللجنة البرلمانية اللبنانية، لمشروع موجه إلى وزير الخارجية، بفتح المجال على الأقل لتوقيع إعلان المادة 12، الفقرة الثالثة، للحصول على تعويض من إسرائيل”.
يقول المفتي إن التحقيقات يُمكن أن تكون لها عواقب على حزب الله أيضاً، وليس فقط على إسرائيل؛ لأن المحكمة الجنائية الدولية لا تنظر في جانب واحد فقط، بل تنظر في الجوانب كافة، كما هو الحال في فلسطين حيث صدرت مذكرات اعتقال ضد قادة حماس وقادة إسرائيليين أيضاً.
ويضيف أن لبنان ما زال أمامه فرصة للدفاع عن نفسه في المحافل الدولية ضد إسرائيل: “لبنان لديه أيضاً ورقة أخرى لم يوافق على استخدامها، وهي إما الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، كما فعلت فلسطين، أو ببساطة إعلان اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بموجب المادة 12، الفقرة الثالثة من نظام روما، ما يعني أنك لا تنضم، ولا تصادق، ولا توقع على نظام روما، ولكنّك تمنح الولاية للمحكمة الجنائية الدولية على جدول زمني محدد”.
ووفق المفتي، فقد سبق أن طالبت الأمم المتحدة إسرائيل بدفع تعويضات لا تقل عن 800 مليون دولار للبنان، لكن لم تكن المطالبة إلزامية لأنه يتعين الذهاب إلى محكمة العدل الدولية والمضي قدماً في هذا الاتجاه، وهو ما لم يفعله لبنان، خوفاً من الاعتراف بإسرائيل. ويتساءل المفتي أنه حين وقّع لبنان اتفاقية الحدود البحرية، لم تكن هناك مشكلة في الاعتراف بإسرائيل وإبرام صفقة معها، حتى حزب الله لم يمانع.
حصيلة مدنية مرتفعة “لعدوان الفوسفور”
تشير أرقام وزارة الصحة اللبنانية أن عدد المصابين خلال الحرب الجارية منذ الثامن من تشرين الأول/أكتوبر 2023 حتى 20 آب/أغسطس 2024، بلغ ألفين و412 شخصاً، من بينهم 257 شخصاً أصيبوا بالفوسفور الأبيض. ما يشير إلى أن 10.66 في المئة من الإصابات ناجمة عن الفوسفور.
ويؤكّد أنطوان الكلاب، المدير التنفيذي لمركز حماية الطبيعة بالجامعة الأميركية في بيروت، أن سُمّيّة التركيبة الكيميائية للفوسفور الأبيض شديدة الخطورة؛ لدرجة أنه إذا أصابت حروقه 10 في المئة فقط من الجسم، تؤدي إلى وفاة الضحية. علاوة على ذلك، لا يمكن إطفاء لهب الفوسفور الأبيض بالماء؛ ما يستدعي الوصول الفوري إلى رعاية متخصصة، وهي غالباً غير متوفرة في مناطق النزاع.
ويضيف: “غالباً ما يعاني الأشخاص، الذين يستنشقون دخان الفوسفور الأبيض، مضاعفات متعددة الجوانب، مثل اضطرابات الجهاز التنفسي والهضمي، وتشوهات العظام؛ نظراً للسُمّيّة العالية للمادة، كما يتعرض الناجون لمخاطر عالية من فشل الأعضاء، بما في ذلك القلب والكلى والكبد”.
وتشرح ثروة الزهران، وهي أستاذة مشاركة في طب الطوارئ بالجامعة الأميركية في بيروت، مخاطر تعرض الجلد لمادة الفوسفور الأبيض: “يُمكن أن تؤدي التعرضات الجلدية إلى حروق مؤلمة للغاية، بدرجات متفاوتة من العمق، وذات لون أصفر نتيجة التأثيرات الكيميائية والحرارية، مع رائحة تشبه رائحة الثوم، كما يُمكن أن تُحدث حروقاً من الدرجة الثانية والثالثة خلال بضع دقائق إلى ساعات”.
أزمات الحرب والاقتصاد
إضافة إلى الحرب، فاقمت الأزمة الاقتصادية التي يعانيها لبنان منذ عام 2019، المشكلات الزراعية في الجنوب، لا سيّما بعد انخفاض ميزانية البلديات، ما أدى إلى انخفاض استثمارها بالتنمية الزراعية المحلية.
الأمر الذي يؤكده المزارع حسن سقا بالقول: “أصبح العمل مع البلديات معدوماً”، وذلك بسبب تدني ميزانياتها بعد الانهيار الاقتصادي وجائحة كورونا والحالة الاقتصادية. يضيف السقا: “كنت أعمل في عدة بيوت يملكها مغتربون، خافوا أن يهدروا أموالهم وتبدأ الحرب، لذلك انخفض العمل بنسبة 80 في المئة”.
إضافة إلى عوائق القصف والحرب، يؤكد وزير الزراعة اللبناني الدكتور عباس الحاج حسن، الاستهداف الإسرائيلي للمزارعين: “هناك عمليات قنص، ولكن يحاول المزارعون جني المحاصيل، لكنهم لا يستطيعون جني أكثر من 30 في المئة منها”.
يضيف الحاج حسن: “يعرف (الإسرائيلي) أنه مزارع، لكن لا يريده أن يعمل في أرضه”.
ظهرت المقالة تصحر قسري في لبنان.. قصف إسرائيلي بالفوسفور يقضي على الرقعة الزراعية أولاً على إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج).