لئلا تتحوّل خطة ترامب وحل الدولتين إلى أوسلو ثانية
Arab
2 hours ago
share
نعم، الأولوية لوقف جرائم الإبادة الجماعية والتجويع والتهجير التي يشنّها الاحتلال الصهيوني على غزّة، بدعم لم ينقطع من الولايات المتحدة، خلال إدارتَي جو بايدن ودونالد ترامب، وسط فشل عربي وفلسطيني رسميَّين، يرافقه عجز الشعوب العربية عن الضغط على حكوماتها، ولا أولوية تتقدّم على ذلك، مهما كانت الادّعاءات وتعدّدت التفاصيل. نعم لوقف المذبحة المستمرة والتدمير الممنهج فوراً، كي نتمكّن من إعادة تنظيم الصفوف، وحشد القوى لمواجهة ما هو قادم، ليس في فلسطين فحسب، وإنما في الإقليم بأسره، مدركين تماماً أن وقف الإبادة لا يعني، كما يُروَّج ويُشاع، وقف الحرب التي ستستمر بأشكال أخرى، أهمّها الاستمرار في استخدام القوة (النموذج اللبناني)، لفرض التهجير والضمّ والتفتيت، وترسيخ الاحتلال، وإنهاء السلطة الفلسطينية، أو تحويل ما يتبقى منها إلى كياناتٍ لحدية، وتثبيت يهودية الدولة، وفرض نظام أبارتهايد على فلسطين كلها، في حين تستمر الاعتداءات، وتتوسّع في سورية ولبنان، وتمتد إلى العراق واليمن وإيران، بمستويات مختلفة، في محاولة لتنفيذ ما يدّعيه بنيامين نتنياهو من إعادة تشكيل خريطة الإقليم، إذ بات واضحاً أن بقاء إسرائيل يعتمد على فرض سطوتها بالقوة، ولم يعد مرهوناً ببرامج تطبيعية، أو اتفاقات سياسية. وما يجري تداوله اليوم لا يعدو محاولة لفرض ما يدعونه باليوم التالي لما بعد الحرب. وهو لا ينهي الحرب بمعناها الشامل، بقدر ما يفتح لها أبواباً أخرى لاستمرارها بأنماط مختلفة في فلسطين وعموم المنطقة، بما يوحي بعودة أشكال استعمارية تقترب من حقبة ما بعد الحربَين العالميتَين الأولى والثانية، وتتراوح ما بين الانتداب والتقسيم وتغيير الخرائط والتبعية، في استمرار ممجوج للأفكار الاستعمارية الغربية، ومن جهة أخرى، يلخّص مدى التراجع والعجز في الموقف العربي الرسمي، والفجوة الكبيرة التي تفصله عن شعوبه، واليقين الراسخ لدى بعضه (على الأقل) بأنّ بقاءه يرتكز على علاقته مع القوى المهيمنة. لم يكن الوضع الفلسطيني أحسن حالاً، إذ أصاب الترهل الحركة الوطنية الفلسطينية العاجزة عن تأدية أي دور، والمتماهية في وظيفتها مع المؤسسة الرسمية التي لم تعد تبحث سوى عن بقائها، مهما كانت شروط هذا البقاء وثمنه، وتمثل ذلك جليّاً في موقف السلطة الفلسطينية خلال العامَين الفائتَين، منذ 7 أكتوبر (2023)، حين علقت آمالها ومصيرها على الوعود الأميركية، واتخذت موقفاً سلبيّاً من الحرب الدائرة على الشعب الفلسطيني، وتمادت في تقديم التنازلات والتعهدات لإثبات مطواعيّتها و"حسن" سلوكها، لعلها تحظى ببعض الفتات، فخاب أملها، واستُثنيت من الترتيبات المقترحة كلها، وبات مفروضاً عليها أن تُخضع أجزاء من وطننا لانتداب دولي، وأجزاء أخرى مهدّده بالضم وبتحويلها إلى كانتونات. لم يأتِ مشروع ترامب من فراغ، شأنه شأن مشروع حل الدولتين، فكلاهما جاءا بعد عامين من حرب الإبادة والتجويع، وفي ظل عودة القضية الفلسطينية بقوة إلى واجهة الرأي العام العالمي في عام 1988، وعلى أثر إعلان الاستقلال، اعترفت مئة دولة بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على أرضه، وتنامى هذا العدد ليصل إلى 149 دولة، قبل أن تنضم إليها حديثاً 12 دولة غربية، بينها دول مؤيدة تاريخيّاً للكيان الصهيوني، مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا. وقد جاءت هذه الاعترافات من الدول الغربية نتيجة الضغط الشعبي المناهض لحرب الإبادة الجماعية، ولكن من المهم ملاحظة أن الاعتراف يجب أن يكون ناجزاً وغير مشروط، على خلاف اعترافات بعض الدول التي جاءت مشروطة بإطلاق "الرهائن"، أو تنفيذ تعهّدات الرئيس محمود عبّاس المجانية التي شملت دولة منزوعة السلاح، ورفض العنف والإرهاب، والاستعداد للعمل على ترتيباتٍ أمنية جديدة، وإلغاء نظام دفع مخصّصات الأسرى والشهداء، وإصلاح المناهج الدراسية، وتعديل بنود الدستور الخاصة بقانون الانتخابات، ليحصر حق الترشيح والانتخاب في من يؤيد برنامج السلطة والتزاماتها، بما في ذلك الاعتراف بإسرائيل، وهو ما يناقض أنظمة منظمّة التحرير التي تنصّ على أن كل فلسطيني عضو طبيعي في المنظّمة، ويتعارض مع أبسط قواعد الديمقراطية التي تتيح للمرشّح معارضة قرارات السلطات ونقضها، إذا حقّق الأغلبية المطلوبة. ولم نشهد مثل هذا التعديل حتى لدى الحكومات العربية التي وقّعت اتفاقات سلام مع إسرائيل، إذ لا يُفرض على المرشّح أو الناخب تأييد اتفاقية وادي عربة في الأردن، أو كامب ديفيد في مصر. والأخطر أنّ الاعتراف بإسرائيل لا يندرج ضمن المنظور السياسي فحسب، وإنما بحقها في الوجود، أي بروايتها التاريخية النقيضة للرواية الفلسطينية، وهو ما أعاد الرئيس عبّاس تأكيدَه في خطابه أخيراً، واللافت أن الرئيس لم يستخدم مصطلح الإبادة الجماعية، ولو مرّة في خطابه، كما أضاع للمرّة العاشرة فرصة انضمام فلسطين إلى الأمم المتحدة من خلال الجمعية العامة، خشية إثارة غضب الولايات المتحدة، متناسياً تهديداته باللجوء إلى ذلك على مدى السنوات الماضية. لذا؛ ثمّة خوفٌ حقيقيٌّ أن تتحوّل هذه التعهدات التي أطلقها الرئيس، قبل الدخول في أي مسار، إلى صيغة جديدة من اتفاق أوسلو الكارثي، خصوصاً أن التعهدات والاشتراطات كلها طُلبت فقط من الطرف الفلسطيني، ولم نسمع بمطالب موجهة إلى الجانب الإسرائيلي، مثل المطالبة بتغيير المناهج الإسرائيلية، أو الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، أو تعديل الانتخابات ومكافحة الإرهاب الصهيوني. أصبحت إسرائيل دولة معزولة عالميّاً، وهذا ما دفع دولاً غربية إلى ادّعاء محاولتها حلّ القضية الفلسطينية، ولعله أيضاً ما حفّز الرئيس الأميركي دونالد ترامب على تقديم مشروعه الجديد الذي يدّعي وقف الحرب، والذي عدّل النص المقترح في اجتماعه مع قادة دول عربية وإسلامية في نيويورك، بعد اجتماعه في واشنطن مع نتنياهو، ليتوافق مع المشروع الإسرائيلي، ويترك المجال واسعاً أمامه للتنصّل من أي التزامات قد تقيّده، ويفرض شكلاً جدّيّاً من الانتداب، ويجهض أي محاولة لتحقيق العدالة أو الحفاظ على وحدة الأرض والنظام السياسي الفلسطيني. أسلحتنا كثيرة وفاعلة إذا أحسنّا استخدامها، وهي الكفيلة بتغيير ميزان القوى، وإيصالنا إلى شاطئ الحرية والعدالة لم يأتِ مشروع ترامب من فراغ، شأنه شأن مشروع حل الدولتين، فكلاهما جاءا بعد عامين من حرب الإبادة والتجويع، وفي ظل عودة القضية الفلسطينية بقوة إلى واجهة الرأي العام العالمي، ومع صمود المقاومة في أطول حرب عربية - إسرائيلية، وضمن محاولة لتحويل نتائج الحرب إلى مكاسب إسرائيلية - أميركية، فهي نتاج معطيات حرب السنتين كلها، وانعكاساتها في منطقتنا وفي إسرائيل والعالم بأسره، فاليوم التالي للحرب هو نتاج لليوم السابق له. أمامنا أيام قد تمتد إلى سنوات صعبة في المدى القصير، ستبقى فيها المنطقة عالقةً في الحروب المستدامة والمتقطعة، ولن تشهد هدوءاً أو استقراراً، وأمامنا أفق واسع من الأمل على المدى المتوسط، لكنه يحتاج مزيداً من العمل، ولعل أول مقوّماته فلسطينيّاً العمل على إحياء الحركة الوطنية الفلسطينية، وإيجاد موقف فلسطيني موحّد، وقيادة فلسطينية موحّدة، وصمود الشعب الفلسطيني على أرضه، ودعم هذا الصمود من أحرار العالم. وثانيها تصليب الموقف العربي الرسمي، وردم الفجوة بين الأنظمة وشعوبها، والعمل الجاد باتجاه بناء تجمّع إقليمي عربي وإسلامي لمواجهة مخطّطات نتنياهو، وزيادة عزلة إسرائيل على المستوى الدولي، شعبيّاً ورسميّاً. أسلحتنا كثيرة وفاعلة إذا أحسنّا استخدامها، وهي الكفيلة بتغيير ميزان القوى، وإيصالنا إلى شاطئ الحرية والعدالة.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows