
Arab
لم يكن أمام حركة حماس، ضمن الشروط القاسية والاختلال الجوهري في موازين القوى الدولية والإقليمية، إلّا القبول، من حيث المبدأ، بخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وقد جاء الردّ مصوغاً بصورة ذكية وعميقة ودقيقة، وربما لا مبالغة في القول إننا لا نتصوّر مقاربة أفضل مما كان! حتى وإن رحّب ترامب بردّ "حماس"، والتزم نتنياهو بالبدء بالمرحلة الأولى من الخطّة، التي تقتضي تسليم الحركة الأسرى؛ وسوف تلجأ إسرائيل إلى تنفيذ مخطّطها خطوة بخطوة، إذ سيتم الإصرار على تنفيذ الشروط الأخرى، وفي مقدمتها تسليم سلاح حركة حماس وربط الانسحاب الإسرائيلي بذلك.
ليس فقط نتنياهو وحكومته، بل حتى الفريق المحيط بترامب يرون أنّ "حماس" (الفلسطينيين) خسرت المعركة عسكرياً وسياسياً، وعليها أن تقبل بالشروط المفروضة في المرحلة المقبلة، وسوف يعملون على فرض كل ما يريدونه من شروط، كما حدث في جنوب لبنان مع حزب الله، ولن تكون هنالك ضمانات حقيقية لفرض التصور الأميركي- الإسرائيلي على مستقبل القطاع، الذي سيكون برسم هذا التصور.
ما هو أكثر أهمية أنّ خطّة ترامب لا تؤدّي إلى وضع حدّ لمشروع نتنياهو الإقليمي التوسّعي، فهو لا يمثل تغييراً في المقاربة Paradigm Shifting، بل يمكن وصفه بأنّه تعديل وتحسين لمقاربة نتنياهو Paradigm Refinement، بما ينقذه من الورطة التي وقع فيها وأوقع معها مصالح الولايات المتحدة، فالمنظور الأمني الإسرائيلي الجديد الذي يقوم على التوسّع والهيمنة الإقليمية لا يزال السائد وسيبقى، وكل ما في الأمر أنّ ترامب وفريقه الصهيوني وفّروا مهرباً ومخرجاً بل ومنحوا الشرعية العالمية والإقليمية لأهدافه في غزة (إنهاء حكم حماس وتقويض قدراتها العسكرية وعدم عودة السلطة الفلسطينية، وإخراج غزّة من معادلة الدولة الفلسطينية، وجعلها منطقة منزوعة السلاح)، بينما كان واضحاً أنّ ترامب لم يضع إعلانه برفض ضم الضفة الغربية ضمن الخطة.
لن يتراجع نتنياهو عن مشروعه الإقليمي الجديد، وإذا كانت غزّة ساحة رئيسية أو مدخلاً لهذا المشروع، فإنّ الساحة الأكثر أهمية بالنسبة له هي الضفة الغربية واستكمال القضاء على أيّ أمل بإقامة الدولة الفلسطينية، وإقليمياً من خلال ضمانات بنزع السلاح المعادي لإسرائيل، وإيجاد مساحات آمنة لإسرائيل في كل من سورية ولبنان، وحتى الأردن عبر ضمّ الأغوار، والتركيز أكثر في المرحلة المقبلة على مواجهة إيران للانتهاء من أيّ تهديد صاروخي أو إقليمي جديد لـ"الحدود المزعومة للأمن الإسرائيلي".
بالرغم مما قيل إنّ خطة ترامب التي عرضها على حكّام عرب ليست هي نفسها التي قدّمها في المؤتمر الصحافي في البيت الأبيض، أكّدت مصادر دبلوماسية عربية مطلعة وموثوقة أنّ ما يقارب 90% مما عرضه في المؤتمر الصحافي هو نفسه، باستثناءات قليلة (منها ما يتعلق برئاسته المجلس الدولي وعدم تضمين الخطّة عدم ضم الضفة الغربية)، فدول عربية عديدة نظرت إلى الخطة أنّها توقف آلة القتل والتجويع والإبادة الإسرائيلية اليومية بحق مئات آلاف من الفلسطينيين، وقد يكون هذا الهدف الأهم إنسانياً؛ كما أنّها تحول دون تهجير الفلسطينيين (إجبارياً) من قطاع غزّة، وتفويت الفرصة على هذا السيناريو الذي قد يمتدّ إلى الضفة الغربية.
أيّ رهان على ترامب لإيقاف نتنياهو أو توسيع شقّة الخلاف بينهما فاشل وغير واقعي، ومن الواضح تماماً أنّ ترامب يُقاد بصورة كاملة من اليمين الصهيوني- المسيحي في البيت الأبيض وفي دوائر اللوبي المؤثّر، ولا يمكن التعويل على رفضه لضم الضفة الغربية، فحكومة اليمين الإسرائيلي تمضي بهذه السياسات؛ وقد قال ترامب نفسه إنّه يتفهم رفض نتنياهو إقامة دولة فلسطينية، وهذه الحقائق واضحة وضوح الشمس، وأي تجاهل لها لا يؤدّي إلا إلى مزيد من التخبّط السياسي العربي والفلسطيني.
ما كان حلماً يمينياً إسرائيلياً سابقاً أصبح واقعاً، على الأقل في عيون اليمين الصهيوني الإسرائيلي؛ إخراج حزب الله وحركة حماس وإيران وسورية وحلف الممانعة بصورة كاملة من المواجهة وإيجاد معادلة جديدة في الشرق الأوسط غير مسبوقة.
