نام صاحبكم، في ساعات الفجر الثاني، ليلة الثامن من رمضان على كوابيس، وقد تقرّحت أجفانه بعد إعلان الفلول "درع الساحل"، وتردّد اسم إيران وروسيا، وأسماء دول عربية متربّصة بالثورة السورية المنتصرة، وهي دولٌ تعطينا من طرف اللسان حلاوةً، وتروغ منا كما يروغ الثعلب، وقرأ ذو الأجفان المسهدة في صفحات إعلاميين مشاهير، وصحافيين كبار، أن القيادة السورية وقعت في مصيدة الأقلّيات "المقدّسة"، وقرأ "المواطن الضلّيل" لرئيس تحرير صحيفة عربي تعليقاً بأنفاس رثاء الأندلس، قال فيه: وداعاً سورية، وسمع "تأبّط حزناً" تعليقات لمشاهير لهم أتباع ومشاهدين أكثر من مشاهدي الحلبة الإسبانية، بأنهم سيحرّرون دمشق من مغتصبيها، ويعيدونها إلى أيّام حكم الأسد السعيدة، وزمان الأمن والاستقرار، وتردّد خبر أن مجلس الأمن سيعقد قريباً لإصدار قانون قيصر 2، فابتهج القوم وصفّقوا، غير مبالين سوى بفقاعات القلوب في "فيسبوك"، حتى كشفت الوقائع أنهم ليسوا سوى عجيان يقدّمون عروض سيرك لا تحليلات سياسية.
استيقظ صاحبُكم في اليوم التالي ليجد إعلاناً رسمياً سورياً بانتهاء العمليات العسكرية، وتطهير الساحل من حيتان القرش وأسماك الصندوق السامة، وإعلان استباب الأمن من جديد. وفي مساء اليوم، جفل صاحبُكم من خبر سعيد، غير خبر صيد حيتان الساحل، وفشل عروض سيرك وسائل التواصل الاجتماعي، خبر توقيع الرئيس أحمد الشرع مع الجنرال مظلوم عبدي اتفاق اندماج، وتُظهر الأشعة السينية ظلال ترامب وأردوغان وراء التوقيع، وكنّا قد سمعنا عن اشتباكاتٍ بين مقاتلين (ليلة أمس) في الأشرفية، بين الجيش السوري ومقاتلين من قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وقرأنا أخباراً عن إغاثة قسدية لفلول الأسد، فعجبنا أشدّ العجب، بل إنّ طلب مظلوم عبدي من الرئيس الشرع، قبل ليلة التوقيع، التحقيق في الانتهاكات، ظاهره الشماتة، وباطنه أيضاً، فمن يفسّر لنا "التكويع" الكبير؟
تساق تفسيرات لهذا الانعطاف المفاجئ، الذي أسعد السوريين عرباً وكرداً، وامتدّ إلى بلدان الوطن العربي، مثل تفسيره بالعزم التركي على تأمين حدوده، وعمله على أمنه القومي بالنيران والسياسة، ودأبه على حلّ مشكلة حزب العمّال الكردي، وبروز رغبة صادقة لدى ترامب بالانسحاب من سورية، وتخفيف تكاليف المهام الخارجية، وابتهاج الاتحاد الأوروبي بعمليات القيادة السورية الجديدة ضدّ الفلول المدعومة من إيران وروسيا المعاديتَين للغرب، وانحباس "قسد" في الجزيرة السورية بعد انقطاع الأجور والرواتب من المركز في دمشق الجديدة، وتململ أعضاء "قسد" العرب، وتعطّل دوائر الدولة والمؤسّسات الاجتماعية والتربوية، وهزيمة الفلول في الساحل، وتحطّم درع الساحل، وانكسار "قسد" في الأشرفية، وتداعيات خطاب أوجلان، الذي أمر أتباعه بحلّ الحزب، وخوف قيادات "قسد" من تغيّر الموقف الأميركي، الذي لا يزال فيه رمقٌ أخير، ووصية مسعود البارزاني، شيخ الكرد وكبيرهم، قادة "قسد" بحلّ مشكلتهم في دمشق، فسارعت قيادة "قسد" إلى الاستسلام للقيادة السورية، التي التفّ حولها الشعب السوري، يضاف إليه يقينٌ خفيٌّ لدى قادة "قسد" باضطراب الدعم الإسرائيلي الموعود وختله، فهو محفوفٌ بالغدر، فإسرائيل قتلت جنودها ومواطنيها في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول (2023)، حسب تحقيقات صحيفة إسرائيلية وصحيفة أميركية، وقد اجتمع الشعب السوري حول قيادته، وتطوّع عشرات آلاف من الشبان ليلة "درع الساحل" لمقاومة الفلول، الذين خسروا المعركة في مدّة قصيرة، وإن المتمرّدين هزموا وهم أبناء غابات وجبال ومغاور، فكيف ستكون الحرب في سهول الجزيرة المبسوطة كراحة اليد.
إمّا أن أحمد الشرع يدبّر برامج "كاميرا خفية" ثورية وسياسية ودولية، أو أنه يعمل برنامج "جبر خواطر" شعبي ودولي، وقد وجدنا فرحةَ سورية وبهجةً أكبر من فرحة يوم التحرير، إلا المكابرين المجاحدين من كهنة وسائل التواصل، الذين وجدوا أنفسهم في حيص بيص، وشرم برم معاً، فوقع الجاحدون في حيرة من أمرهم، عاجزين عن العودة إلى الخلف، في الشارع الضيّق "اتجاه واحد"، الذي حشروا أنفسهم فيه، إنّ بعد العسر يسراً، ثمّ إنّ بعد العسر يسرا.
إذا أقبلت باض الحمام على الوتد، وإذا أدبرت بال الحمار على الأسد. وقد أقبلت على الشعب السوري، وأدبرت للأسد، الذي صدق فيه عجز البيت الشعري المذكور.
Related News


