
الإرهاب فعل مجرّم بالقوانين المحلية والدولية، وهناك تحالف دولي لمكافحته، تنضوي تحته دول كثيرة، كما يتوافر في مجلد تجريم الإرهاب عدد ضخم من القوانين التي تسترسل في سرد تفاصيل التفاصيل في ما يتعلق بتعريف الإرهاب وملاحقة مرتكبيه، والهدف النهائي لهذه القوانين حماية المجتمع من شرور الإرهاب والإرهابيين، وهو هدفٌ نبيلٌ ومشروع، لكن السؤال المؤلم هنا: إذا كانت هناك قوانين دولية ومحلية لحماية المجتمع من الإرهاب، فمن يحمي المجتمع من إرهاب محاربي الإرهاب، أو مما يمكن أن يسمّى "إرهاب الأنظمة" والتعسّف في تطبيق قوانين مكافحة الإرهاب؟ بل هل يمكن القول إن التوسّع في سن قوانين مكافحة هذه الآفة وشرورها صنع نوعاً من الإرهاب المنظّم المحمي بالقانون، والموجّه نحو قمع الحرّيات وتكميم الأفواه وسلب الحرّيات الأساسية للإنسان؟
يشير مصطلح "إرهاب الأنظمة" إلى استخدام العنف والترهيب من الحكومات أو الأنظمة السياسية لقمع المعارضة أو تحقيق أهداف سياسية، ويتضمّن هذا النوع من الإرهاب بالضرورة قمع الحرّيات المدنية، والاعتقالات التعسّفية، والتعذيب، وقد يتطور إلى الاختفاء القسري، والقتل خارج نطاق القانون، وربما اضطهاد جماعات عِرقية بشكل جماعي، كما ممارسات النظام الصهيوني تجاه أبناء الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال.
يشمل إرهاب الأنظمة استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين، والاعتقالات التعسّفية
يتميّز إرهاب الأنظمة باستخدام مؤسّسات الدولة وأجهزتها الأمنية لتنفيذ أعمال العنف والترهيب. وعادة ما يشمل إرهاب الأنظمة سن تشريعات لقمع المعارضة السياسية، والسيطرة على المجتمع، وتخويف المواطنين، وتبرير القمع باسم الحفاظ على الأمن القومي أو النظام العام. ويمكن أن يشمل إرهاب الأنظمة استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين، والاعتقالات التعسّفية للنشطاء السياسيين والصحافيين، وممارسة التعذيب في السجون، والإخفاء القسري للمعارضين، ومصادرة الحريات العامة. وعادة ما يؤدي إرهاب الأنظمة إلى انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان، وزعزعة استقرار المجتمع، وتقويض ثقة المواطنين في دولتهم.
الأنظمة التي تستخدم القوة المفرطة لقمع الاحتجاجات السلمية، واعتقال المعارضين السياسيين، وممارسة الرقابة على وسائل الإعلام، تمارس الإرهاب المقوْنن، المحمي بالتشريعات وقوة السلطة. ويمكن أن تكون قوانين مكافحة ما يسمّى "اللاسامية" المثل الأكثر بشاعة على ممارسة "المجتمع الدولي" للإرهاب المقونن المحمي بالتشريعات المحلية والدولية، فتهمة اللاسامية جاهزة للصقها بأي فرد أو جماعة تنتقد النظام الصهيوني وممارساته الإجرامية ضد أبناء الشعب الفلسطيني. وللأسف، أخذت هذه التهمة أشكالاً أخرى من التشريع حتى داخل النظام العربي الرسمي الذي يجرّم اليوم كل نشاط يهدف إلى دعم المقاومة الفلسطينية الموجّهة أصلاً ضد الاحتلال وجرائمه وإرهابه، حتى ولو بالتعبير عن الرأي، ناهيك عن مدّها بالمال أو السلاح، وتلك جريمة قد تصل عقوبتها إلى السجن المؤبد أو حتى الإعدام!
كشف العدوان الصهيوني على غزّة وممارسة حرب الإبادة والتجويع الممنهج عن لون جديد من إرهاب الأنظمة، حيث صرنا نشهد ممارسات عنف "روتينيّة" لقوات الشرطة التي تلاحق المتظاهرين السلميين الذين يعبّرون عن رأيهم بشكل مسالم ضد الجرائم الصهيونية في غزّة، وبلغ الأمر حد منع التظاهر أو التعبير عن الرأي بالقول أو الكتابة، وتجريم كل من تسوّل له نفسه دعم مظلوميّة غزّة وفلسطين في مختلف دول العالم، وهذا لون جديد من إرهاب الأنظمة، أخذ شكلا متوحشا من الممارسات، حتى باتت إشارة "لايك" على منشور في "فيسبوك" يدعم فلسطين فعلاً مجرّماً يستدعي العقاب الشديد، خاصة في بعض بلاد العرب والمسلمين، وبات رفع العلم الفلسطيني أيضا "إجراما" يستدعي العقاب الشديد، وربما ما هو أكثر من ذلك، رغم أن الأدبيات السياسية العالمية والمحلية تمتلئ بالعبارات الداعمة حقّ الشعب الفلسطيني بالمقاومة، وحق شعوب العالم غربيه وشرقيه في دعم هذه المقاومة المشروعة والمحمية حتى بالقوانين الدولية.
باتت ملاحقات أصحاب الرأي الداعم لفلسطين ومقاومتها ممارساتٍ يومية في معظم بلاد العالم
لقد ألقى إرهاب الأنظمة بظلال سوداء على الحرّيات العامة وأشاع نوعا من الترهيب والتخويف الشامل، السالب للحريات وحق التعبير عن الرأي في فضاء دولي واسع، وباتت ملاحقات أصحاب الرأي الداعم لفلسطين ومقاومتها ممارساتٍ يومية في معظم بلاد العالم، وبات دعم القضية الأكثر عدالة في التاريخ مدعاة للتجريم والملاحقة، وهذه حقبة سوداء في التاريخ البشري، وفّرت بيئة مناسبة للصهيوني المجرم للاستمرار في ممارسة جرائمه في غزّة وفلسطين عموما، من دون مساءلة حقيقية أو ملاحقة أو عقاب. وما استمرار الكيان الصهيوني في ارتكاب جرائمه البشعة في غزّة منذ نحو سنتين إلا المثل الأكثر وضوحاً على أثر إرهاب الأنظمة في توفير الحماية للعدو وتشجيعه على الاستمرار في نهجه المتوحش.
إرهاب الأنظمة وفق هذا الواقع هو الدليل الواضح على مشاركتها في جريمة قتل غزة وتدميرها وتجويعها، مهما حاول النظام الدولي شرقاً وغرباً النأي بنفسه عن المسؤولية الجرمية عما يحدث لغزّة اليوم، من يقتل غزّة اليوم ويجوّعها طيفٌ واسعٌ من الدول، كلها يداها ملطّخة بدماء الغزّيين، بغضّ النظر عن دعاوي الدعم والمساعدة والانتصار اللفظي للمظلوم.
مصير إرهاب الأنظمة حتى ولو طال واستطال إلى زوال، فهو محرّك فعّال لنشوء حركات مقاومة فاعلة مناهضة له، صحوة الشعوب ضد هذا اللون من الإرهاب كفيلةٌ بكنسه اليوم أو غداً أو بعد غد.

Related News

