انتخابات مجلس الشعب... تجربة لا تشمل كل سورية
Arab
2 hours ago
share

تجري ما بين 15 و20 سبتمبر/أيلول المقبل، أول انتخابات لاختيار ثلثَي أعضاء البرلمان السوري في عهد ما بعد نظام الأسد، لتولي السلطة التشريعية خلال المرحلة الانتقالية المقدرة بخمس سنوات، والتي يتخللها وضع دستور دائم تجري على أساسه انتخابات مجلس الشعب السوري. وكانت اللجنة المنوط بها الإشراف على العملية الانتخابية قد سلّمت الرئيس السوري أحمد الشرع، أواخر الشهر الماضي، النسخة النهائية من النظام الانتخابي المؤقت لمجلس الشعب، والذي تضمّن بحسب رئيس اللجنة محمد طه الأحمد، حزمة من الضمانات الرامية إلى "تحقيق أعلى درجات الشفافية". ومن هذه الضمانات: تشكيل اللجان الانتخابية الفرعية، وآليات الطعن والاعتراض على نتائج الانتخابات، وإتاحة الرقابة من المجتمع والمنظمات الدولية بالتنسيق مع اللجنة العليا للانتخابات. ونصّ النظام على رفع عدد مقاعد مجلس الشعب السوري من 150 إلى 210 مقاعد، وفقاً لإحصاء عام 2011، وتخصيص نسبة من المقاعد لا تقل عن 20% للمرأة، وتشجيع مشاركة الشباب.

ومن المقرر إجراء انتخابات مجلس الشعب السوري ما بين 15 و20 سبتمبر المقبل، بعد اختيار اللجان الفرعية، وتشكيل الهيئات الناخبة، وفتح باب الترشح، ثم إجراء مناظرات بين المرشحين في مختلف المحافظات. ويعيّن رئيس الجمهورية ثلث أعضاء المجلس من أصحاب الكفاءات الفنية في البلاد، لضمان أكبر وأوسع مشاركة في تمثيل السوريين في البرلمان المقبل. وطلب الشرع من اللجنة "استبعاد كل من وقف مع المجرمين وأيّدهم، والأشخاص الذين يدعون إلى التقسيم والطائفية والمذهبية".

آليات مراقبة غير واضحة

لم تتضح بعد الآليات التي ستضعها اللجنة العليا لانتخابات المجلس، لمراقبة العملية الانتخابية من قبل منظمات متخصصة في داخل البلاد وخارجها. وفي هذا الصدد، بيّن نوار نجمة، وهو المتحدث الرسمي باسم اللجنة، أن "موضوع الرقابة على الانتخابات متروك لوقته". وأشار في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الثلث الذي سيعيّنه الرئيس في المجلس لن يخلّ بالتوازن بين الأعضاء، بل على العكس، سيسد أي خلل أو ثغرات قد تظهر في تمثيل مكونات الشعب السوري والمرأة بعد العملية الانتخابية لاختيار ثلثي الأعضاء".

وكان الإعلان الدستوري الناظم والرافع السياسي والقانوني للمرحلة الانتقالية، الصادر في مارس/ آذار الماضي، قد نص على أن مجلس الشعب السوري "يمارس السلطة التشريعية" حتى "اعتماد دستور دائم، وإجراء انتخابات تشريعية جديدة وفقاً له". وحدد ولاية المجلس بثلاثين شهراً "قابلة للتجديد"، يتولى خلالها اقتراح القوانين وإقرارها، وتعديل أو إلغاء القوانين السابقة، والتصديق على المعاهدات الدولية، وإقرار الموازنة العامة للدولة، إلى جانب إقرار العفو العام، وعقد جلسات استماع للوزراء، وكذلك يتخذ قراراته بالأغلبية.

ومن غير الواضح الآليات التي ستتبعها اللجنة للقيام بالعملية الانتخابية في محافظات هي اليوم خارج سلطة الدولة السورية، مثل السويداء في جنوب البلاد ومحافظتي الرقة ودير الزور، شمال شرقي سورية، وجانب من ريف حلب الشرقي والشمالي الشرقي. ورأى الباحث السياسي السوري رضوان زيادة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تشكيل سلطة تشريعية خطوة ضرورية "حتى تكون هناك سلطات ثلاث واضحة في البلاد"، مشيراً إلى أن من الصعب في الوقت الراهن إجراء انتخابات في سورية "لذلك اعتُمِدَت هذه الآليات لاختيار ممثلي الشعب في البرلمان ومن خلال عملية انتخابية محدودة للغاية".

عبد الرحمن الحاج: لا يمكن تحقيق انتقال سياسي من دون مجلس تشريعي

كذلك رأى السياسي السوري عبد الرحمن الحاج، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الظروف مواتية للقيام بالعملية الانتخابية"، معتبراً أن "الحاجة ملحّة لسد الفراغ التشريعي". وفي اعتقاده، وجود الثلث المعيّن من رئيس الجمهورية "يعوّض بعض الخلل التمثيلي نتيجة وجود عدم استقرار أمني في بعض المحافظات أو نتيجة علاقة متوترة مع الحكومة المركزية". ولا توجد، وفق الحاج، حالة مثالية بطبيعة الحال، موضحاً أن "انتظار حل كل المشكلات مرة واحدة من دون وجود مجلس شعب أمر غير ممكن". وقال إن من "أهم نتائج تأسيس المجلس التشريعي فصل السلطات"، مشيراً إلى أن ثمة مسؤوليات أساسية سيتولاها مجلس الشعب السوري "هي توفير أساس قانوني مقبول من المجتمع ومراقبة السلطة التنفيذية وتشكيل هيئة تأسيسية لكتابة الدستور وتحديد شكل النظام السياسي الدائم"، معتبراً أنه "لا يمكن تحقيق انتقال سياسي من دون مجلس تشريعي".

وعن تعيين الرئيس ثلث أعضاء مجلس الشعب، رأى الباحث السياسي وائل علوان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "لا يندرج ضمن خلق توازن ما بين الدولة والشعب"، موضحاً أن الهدف من وراء هذه الخطوة "تصحيح التمثيل وضمان وجود فئات معينة داخل مجلس الشعب، كالشباب والمرأة وبعض المكونات الطائفية التي قد تحصل على مقاعد أقل". أما عن تلك الأسباب التي دعت اللجنة التي وضعت الإعلان الدستوري إلى منح الرئيس حق تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب، فأوضح أحمد القربي، وهو أحد أعضاء اللجنة المذكورة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "البيان الذي أعلنته الفصائل السورية بعد إسقاط نظام الأسد، وهو ما بات يعرف ببيان النصر، والصادر في أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، فوّض إلى رئيس الجمهورية تشكيل مجلس تشريعي مؤقت للمرحلة الانتقالية، يتولى مهامه إلى حين إقرار دستور دائم للبلاد ودخوله حيز التنفيذ". وذكر أن "الإعلان الدستوري استند إلى بيان النصر باعتباره الشرعية الثورية، ومن ثم فإن تشكيل مجلس الشعب حق الرئيس بشكل كامل، ولكنه تنازل وطلب أن تعيّن هيئات ناخبة ثلثي الأعضاء". وأشار إلى أن البلاد في الوقت الحالي "غير مهيّأة لإجراء انتخابات"، معتبراً أن "الطريقة التي وُضعت في الإعلان الدستوري استعاضت التعيين المباشر من قبل الرئيس بآلية تتيح اختيار ثلثي الأعضاء من طريق لجان ناخبة في المحافظات".

"قسد" غير معنية بانتخابات مجلس الشعب

تبدو "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) والجهات التابعة لها في شمال شرق سورية، غير معنية بانتخابات مجلس الشعب السوري المقبلة، وهو ما أكده رزكار قاسم، ممثل "مجلس سوريا الديمقراطية" (الجناح السياسي لـ"قسد") في ألمانيا، ورئيس حركة التجديد الكردستاني. وقال قاسم لـ"العربي الجديد"، إنهم ليسوا "معنيين بأي انتخابات تنفرد بها السلطة الانتقالية، كما لم نكن معنيين بالإعلان الدستوري الذي فصّلته السلطة الانتقالية على مقاسها، وكذلك ما سمي بالمؤتمر الوطني (مؤتمر الحوار الوطني في فبراير/ شباط الماضي)".

رزكار قاسم: لسنا معنيين بأي عمل تنفذه السلطة منفردة ضاربةً اتفاق العاشر من مارس بعرض الحائط

وأوضح أنه "بالتأكيد لسنا معنيين بأي عمل تقوم بها هذه السلطة منفردة ضاربةً باتفاق العاشر من مارس (وُقّع في دمشق بين الشرع وقائد "قسد" مظلوم عبدي، لدمج قسد في الجيش السوري)، عرض الحائط"، مشيراً إلى أن "مجلس سوريا الديمقراطية" سيكون معنياً "بكل شيء في البلاد عندما يُتَّفَق على تحقيق شراكة حقيقية في تحديد شكل الحكومة باللامركزية ودستور يحقق حقوق كل المكونات الموجودة في سورية، خصوصاً حقوق الشعب الكردي فوق الدستورية". وأضاف أنه "عندها سنتوجه بخطوات سديدة باتجاه جمهورية سورية ديمقراطية اتحادية لكل شعوبها"، معتبراً العملية الانتخابية التي ستجرى الشهر المقبل، "شبيهة بتلك التي كان يقوم بها النظام البائد". وشدد على أنه "ما لم تلتزم السلطة الانتقالية باتفاق العاشر من مارس، الذي يُعتبر أساس الحل، فلن نسمح بسلطة مركزية تعيد النموذج السابق".

وكانت الإدارة السورية قد حلّت في 29 يناير/كانون الثاني الماضي مجلس الشعب التابع للنظام البائد، إلى جانب حل حزب البعث العربي الاشتراكي الذي كان يهمين عليه، فضلاً عن إلغاء العمل بالدستور، وحل الفصائل المسلحة والأجهزة الأمنية. وغابت الحياة البرلمانية الحقيقية عن المشهد السياسي السوري منذ انقلاب عام 1963، إذ كان "البعث" يهيمن على هذا المشهد بشكل كامل، سواء في مجلس الشعب السوري، أو بقية مؤسسات الدولة. وكان المجلس خلال عقود من حكم النظام البائد ينشغل بالقضايا والملفات الهامشية، فهو لم يكن له أي دور سياسي أو تشريعي حقيقي، إذ جلّ أعضائه تختارهم الأجهزة الأمنية من حزب البعث والأحزاب الشكلية التي تدور في فلكه. وفي تسعينيات القرن الماضي، سُمح لمستقلين بالترشح والوصول إلى مجلس الشعب، ربما كان أبرزهم رياض سيف الذي اعتُقل بسبب مواقفه المعارضة للنظام التي كان يعلنها تحت قبة المجلس آنذاك.

وكان المجلس ذاته قد عدّل دستور البلاد في عام 2000، خلال دقائق من أجل تولي بشار الأسد السلطة، فالدستور الذي وضعه والده حافظ الأسد، في سبعينيات القرن الماضي، كان يشترط بلوغ المرشح لرئاسة البلاد الأربعين عاماً من العمر، فيما كان بشار في حينه في الخامسة والثلاثين من عمره. وبقي مجلس الشعب السوري خلال نحو 24 سنة (فترة حكم بشار الأسد)، على هامش ما كان يجري في البلاد، ولم يكن له أي صوت أو دور خلال سنوات الثورة السورية (2011-2024)، وضم في دورته الأخيرة (يوليو/ تموز 2024) عدداً من المتهمين بارتكاب جرائم حرب وتزعُّم مليشيات وقفت إلى جانب قوات النظام البائد في الحرب التي شنها على السوريين.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows