هل تكبح زيارة الشيباني مداخلات موسكو في سورية؟
Arab
1 hour ago
share

تحمل زيارة وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، موسكو، برفقة وفد يضمّ شخصيات من القطاعات العسكرية والأمنية والاقتصادية، دلالات متعدّدة، تتجاوز الطابع البروتوكولي نحو قراءة أوسع لدور سورية المتجدّد في المنطقة، فبعضهم يرى فيها خطوة لتعزيز موقع دمشق طرفاً فاعلاً يسعى إلى استعادة التوازن في علاقاته الدولية، خصوصاً بعد الانفتاح النسبي على المحيط العربي. لكن المبالغة في اعتبار هذا التقارب مع روسيا تحالفاً بديلاً عن الغرب، أو بداية معادلة جديدة بين الشرق والغرب، تغافل عن واقع معقّد؛ فالسوريون لا يملكون رفاهية المفاضلة بين المعسكرَين، في ظلّ معطيات إقليمية ودولية ما زالت تميل إلى كفّة الغرب. هذا بالإضافة إلى أن صورة روسيا، رغم أنها تاريخياً حليف سياسي وعسكري، لم تعد محصّنة في الوعي الشعبي السوري، لا سيما مع اهتزاز مكانتها الدولية وتراجع قدرتها التقنية، ما يجعل العلاقة معها تحمل صفة براغماتية، أكثر منها تحالفاً استراتيجياً شاملاً.

ملفّات عديدة يُفترض أن القيادة السورية فتحتها مع القيادة الروسية، تريد الحكومة السورية الحالية مراجعته من منظور "الدولة الندّية"

وبالنسبة إلى القيادة الانتقالية في سورية، تعزّز بهذه الزيارة شرعيتها على الصعيد الدولي مع أصدقاء وأعداء للثورة السورية، وضمن ذلك تأمين الأجواء التي تساهم بحذف اسم سورية من قائمة الإرهاب، بعَدّ روسيا عضواً دائماً في مجلس الأمن، وموقفها مهم على هذا الصعيد.
الأكثر أهمية اليوم الرسالة الداخلية التي تحملها هذه الزيارة الخارجية، بأشكالها، الدبلوماسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، فثّمة ما هو "وراء الأكمة" يمكن أن يقال عن هذا الانفتاح على روسيا، كطلب إيجاد كوابح لتدخّلاتها في الوضع السوري، بالنظر إلى وجودها العسكري في منطقة الساحل، وفي شمال شرقي سورية، إن بحكم العلاقات التي تربطها بشبكات تعمل في الساحل (كما تبيَّن في أحداث مارس/ آذار الماضي)، وكما هو الحال، بالنسبة إلى العلاقات التي تربطها بقوات سوريا الديمقراطية (قسد). في هذين الإطارين، يمكن فهم هذه الخطوة السورية، بالنظر إلى أن روسيا وإيران الطرفان الدوليان الوحيدان اللذان كانا شريكَي النظام (فعلياً) في حربه ضدّ معظم الشعب السوري، لذا يمكن أن تحيّد الزيارة (وما هو مأمول بعدها) روسيا، وتعزّز عزلة إيران، وتضعف أي مداخلاتٍ لها في سورية.
طبعاً، ثمّة ملفّات عديدة يُفترض أن القيادة السورية فتحتها مع القيادة الروسية، فثّمة العلاقات التجارية والاقتصادية، واتفاقات التعاون الموقّعة بين الطرفَين في مجالات التجارة والبنى التحتية والتعليم، في مرحلة ارتهان النظام السوري السابق لروسيا، لأنها القوة التي تعلو عليها في سورية خلال حرب نظام الأسد على شعبه، وهذا ما تريد الحكومة السورية الحالية مراجعته من منظور "الدولة الندّية"، وتجلّى ذلك في اتفاق الطرفَين على إعادة تفعيل اللجنة السورية الروسية المشتركة، التي ستكون مهمتها التنسيق بين سورية وروسيا على مستوى ملفّات السياسة والأمن والاقتصاد.

قد لا تغفل القيادة السورية طرح ملفّ تعويض السوريين عن الخسائر الجسيمة التي لحقت بهم خلال سنوات الحرب

ورغم التعقيدات المحيطة بالزيارة، فقد لا تغفل القيادة السورية طرح ملفّ تعويض السوريين عن الخسائر الجسيمة التي لحقت بهم خلال سنوات الحرب، وهي لا تقتصر على الخسائر البشرية، بل تشمل الدمار الواسع في البنى التحتية والعمران. من هذا المنطلق، يمكن أن تكون الزيارة إلى موسكو محاولة لإعادة ضبط ميزان العلاقة مع الحليف الروسي، وربط الدعم السياسي والعسكري بالتزامات مادية وإنمائية حقيقية. ولعلّ ذلك يخفّف من استغراب السوريين من جدول الزيارة، خصوصاً في ظلّ تصاعد الأحداث الداخلية، وبعضها ربّما بتحريض من أطراف لا تزال تستند إلى مظلّة روسية. الأمر الذي على ما يبدو ظهر من خلال التحقيقات في أحداث الساحل، وما يمكن فهمه من إشارة الوزير الشيباني إلى المساعدة في ملفّ العدالة الانتقالية.
ففي ظلّ التوترات الداخلية والتعقيدات الدولية حولها، يبدو الانفتاح على موسكو خطوة ضرورية، لكنّها ليست كافية ما لم تُستكمَل برؤية متكاملة تعلي المصلحة الداخلية على ما دونها، فالدبلوماسية الناجحة التي انتهجتها القيادة الانتقالية لسورية، وحققت علاقات ندّية مع دول كثيرة، تحتاج أيضاً إلى تعريف جديد للعلاقات الخارجية، وإلى وضعها وسيلة لتعزيز الاستقرار الوطني لا تعويضاً عنه، فالداخل السوري هو الذي يعطيها تلك القوة المؤثّرة على طاولة المباحثات الخارجية، أياً كانت صفة الدولة التي تتفاوض (أو تتنازع معها) على أدوارها داخلياً أو إقليمياً أو دولياً، ما يوجب على القيادة السورية الجديدة اعتماد نهج شفّاف وواضح في علاقتها، وإدارة الأولويات الداخلية والخارجية بمنطق المكاشفة والمصالحة والتسامح.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows