
بعد الحوادث الدامية الأخيرة في محافظة السويداء بالجنوب السوري، نزحت عائلات كثيرة إلى محافظة درعا المجاورة حيث أُقيمت مراكز إيواء مؤقتة لها.
قبل أن تلملم محافظة درعا جنوبي سورية جراحها وتعيد عشرات الآلاف من أبنائها، الذين هُجّروا منها منذ عام 2011، راحت تنشئ مخيمات على أراضيها، ليس لأبنائها الذين ما زالوا في مخيمات بالأردن ولبنان والشمال السوري، إنّما لجيرانهم النازحين من السويداء الجنوبية كذلك هرباً من الموت والقتل، في مشهد أوجع قلوب السوريين الذين ظنّوا أنّ صفحة المخيمات سوف تُطوى إلى الأبد.
ودفعت أعداد نازحي السويداء الكبيرة محافظة درعا إلى إعلان بدء العمل على إنشاء مخيمات مؤقّتة لإيواء هؤلاء، بعد النزوح من السويداء في الأسبوعَين الماضيين، على خلفيّة الحوادث الدامية فيها. لكنّ "فكرة الخيام لإيواء النازحين مرفوضة تماماً بالنسبة إلى الحكومة السوريّة"، بحسب ما يفيد عضو المكتب الإعلامي في محافظة درعا، أسامة المقداد، "العربي الجديد"، مضيفاً أنّ لجنة الطوارئ في المحافظة تبحث مع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية إمكانية تجهيز مجمّع زيزون في ريف درعا الغربي، الذي يتألّف من بيوت من الطوب، من أجل إيواء قسم من نازحي السويداء إلى حين إعادتهم إلى مناطقهم.
يُذكر أنّ مجمّع زيزون أُنشئ في عام 1967 لاستقبال نازحين من الجولان المحتلّ، وهو يمتدّ على نحو 50 فداناً ويضمّ مساكن من دون بنى تحتية مناسبة، من قبيل شبكات الصرف الصحي وغيرها.
ويشير المقداد إلى أنّ محافظة درعا، بالتعاون مع المنظمات الدولية، تدرس إمكانية تجهيز مساكن المجمّع بالبنى التحتية، من مياه وكهرباء، بالإضافة إلى زيادة قدرته الاستيعابية، عبر وضع كرفانات إلى جانب البيوت المشيّدة، مشيراً إلى أنّ من المتوقّع أن يؤوي المجمّع خمسة آلاف نازح. ويبيّن المقداد أنّ لجنة الطوارئ في المحافظة منعقدة بصورة دائمة، وتدرس خيارات عدّة لاستيعاب باقي النازحين ونقلهم من المدارس، وسوف تعلن ذلك في بيانات لاحقة.
وكانت لجنة الطوارئ التابعة للمحافظة قد أكدت، في بيان، أنّ أكثر من 4.629 عائلة نزحت إلى درعا، يُقدَّر عدد أفرادها بأكثر من 25 ألف شخص، هربوا من أعمال العنف التي شهدتها السويداء. وفي استجابة طارئة سريعة، جهّزت المحافظة 63 مركز إيواء مؤقّتاً في مباني مدارس غير مستخدمة، في ريفَي درعا الشرقي والأوسط، بالتعاون مع منظمات محلية ودولية إلى جانب مساهمات من المجتمع المحلي.
وفي أحدث حركة نزوح من السويداء في اتّجاه درعا، أفادت منظمة الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء)، يوم الخميس الماضي، بأنّ 77 عائلة تتألّف من 231 فرداً، من بينهم نساء وأطفال، خرجت عبر ممرّ بصرى الشام الإنساني، لافتةً إلى أنّها قدّمت المساعدة والدعم للعائلات في خلال انتقالها، وساهمت بطريقة فعّالة في تأمين مسارها إلى الوجهات التي اختارتها بأمان.
وعلى الرغم من المساعدات الغذائية والصحية التي يتلقّاها النازحون في الجنوب السوري، تبقى ظروفهم المعيشية صعبة، ويعيش كثير منهم في أماكن غير مهيّأة للسكن، من قبيل المدارس. محمود الحسن واحد من هؤلاء، وقد نزح من محافظة السويداء ويقيم حالياً في مركز إيواء مؤقّت في قرية معربة بريف درعا الشرقي. يخبر "العربي الجديد" أنّ الوضع "مرهق نفسياً وجسدياً"، مشيراً إلى أنّ "المدارس مصمّمة للتعليم لا للسكن، والحياة فيها تفتقر إلى أدنى مقوّمات الراحة والخصوصية". ولا يخفي الحسن أنّ "ثمّة نازحين يفضّلون العيش في القرى ومحيطها، فعلى الرغم من بساطة تلك المناطق هي تتيح لهم العمل في الزراعة وتربية الحيوانات وصناعة الأجبان والألبان، وهي مهن تقليدية يعتمد عليها معظمهم لتأمين دخل يومي".
ويشدّد الحسن على أنّ ثمّة محاولات لتأمين الحدّ الأدنى من الاستقرار، لكنّ "المساعدات لا تكفي لحياة كريمة، ولا يمكن الاعتماد عليها بصورة دائمة". ويتابع أنّ "الحلّ ليس في نقل النازحين إلى أماكن جديدة، بل في عودتهم إلى ديارهم في السويداء"، مؤكداً أنّ "المشكلة ليست في المكان بل في فقدان البيت والأرض والهوية". ولا يبدو الحسن متفائلاً بإمكانية العودة القريبة، لافتاً إلى أنّ "الظروف في السويداء لا توحي بحلّ قريب، فالأسباب التي دفعتنا إلى النزوح ما زالت قائمة، وربّما تزداد تعقيداً".
من جهتهم، يواجه نازحون من بلدة كناكر في ريف السويداء أوضاعاً إنسانية قاسية، بعد اضطرارهم إلى مغادرة منازلهم على خلفية الحوادث الأخيرة. ويعيش هؤلاء، حالياً، في مدارس ومخيمات مؤقّتة بريف درعا تفتقر إلى أبسط مقوّمات الحياة. ويقول عبد الله الرشدان، واحد من هؤلاء وأب لأربعة أطفال، لـ"العربي الجديد": "تركنا بيوتنا فجراً ولم نحمل سوى ملابسنا. مشينا أكثر من 12 كيلومتراً وسط حالة من الرعب حتى وصلنا إلى مركز إيواء في ريف درعا الشرقي، حيث لا مياه ولا كهرباء". يضيف الرشدان: "كلّ ما نريده هو مكان آمن لأطفالنا، لكنّنا لا نعرف إلى متى سوف نبقى على هذه الحال".
ويعاني النازحون في أماكن الإيواء المؤقّتة نقصاً كبيراً في المواد الغذائية والرعاية الصحية، وسط غياب شبه تام للمساعدات الإنسانية. ويطالب الرشدان الجهات المعنية والمنظمات الإغاثية بالتدخّل العاجل لتأمين احتياجاتهم الأساسية، وتوفير بيئة آمنة ومستقرّة لأطفالهم.
بدوره، تحت وطأة تصاعد التوتّر الأمني، غادر سالم العنز، أحد سكان بلدة عرى في ريف السويداء، منزله برفقة ثمانية من إخوته وعائلاتهم، متّجهين نحو ريف درعا الشرقي. لم تكن الرحلة سهلة ولم يكن القرار أقلّ من "مرّ"، بحسب ما يقول، لكنّه يؤكّد أنّ ذلك كان السبيل الوحيد "للهرب من الموت". يضيف العنز: "نحن سكان تاريخيون في عرى ولسنا طارئين. وقد اضطررنا إلى ترك بيوتنا وأراضينا وكذلك مزرعة لتسمين العجول وبئر مياه. تركنا كلّ شيء خلفنا".
صحيح أنّ ظروف النزوح صعبة، لكنّ العنز رفض وبقيّة أفراد عائلته التوجّه إلى مراكز إيواء، مفضّلين الاستقرار في المنطقة الإدارية الفاصلة بين درعا والسويداء، في نقطة لا تبعد إلا بضعة كيلومترات عن بلدتهم عرى. ويلفت العنز إلى أنّه "اخترنا أن نكون قريبين منها، ننظر إليها يومياً ونحلم بالعودة"، هو الذي كان يُعرَف في منطقته بكونه من ميسوري الحال قبل النزوح. ويتابع العنز أنّ كثيرين من أبناء العشائر فضّلوا، كما فعل هو، البقاء في خيام نُصبت في محيط السويداء، بالقرب من أقاربهم، عوضاً عن اللجوء إلى مراكز إيواء. ويشدّد على أنّ هؤلاء النازحين في حاجة ماسة إلى المساعدات الأساسية، وفي مقدّمتها الخيام ومياه الشرب، قبل أيّ شيء آخر.
في سياق متصل، أفادت جمعية الهلال الأحمر العربي السوري بأنّ طواقمها تبذل جهوداً حثيثة للاستجابة للاحتياجات الطارئة، وقد لبّت فرقها أكثر من 500 نداء إسعافي في خلال 19 يوماً، معظمها ترتبط بحالات خطرة تطلّب تدخّلاً عاجلاً. كذلك ساهمت هذه التدخّلات في إنقاذ أرواح مصابين كثيرين عبر نقلهم بين نقطة طبية في بصرى الحرير ومستشفيات في درعا، وصولاً إلى مستشفيات دمشق عند الحاجة.
وأوضحت الجمعية أنّ الفرق التابعة لها تواصل توزيع المساعدات الغذائية وغير الغذائية، بما في ذلك مواد الإيواء والصحة، على أكثر من 2.555 عائلة في درعا. أضافت أنّ تأمين المساعدات يجري بدعم من جهات إنسانية شريكة، من بينها برنامج الأغذية العالمي واللجنة الدولية للصليب الأحمر والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وجمعية الهلال الأحمر القطري وجمعية الصليب الأحمر الدنماركي ووقف الديانة التركي ومنظمة خيرات للأعمال الإنسانية والاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر.

Related News




