
يتواصل هروب السودانيين من الحرب الدائرة في بلادهم إلى الجارة ليبيا التي تكافح سلطاتها من أجل استقبال القادمين ومد العون لهم، وسط نقص حاد في الإمكانيات اللازمة للتعامل مع الأزمة.
أنقذت فرق حكومية تابعة لبلدية الكفرة في أقصى جنوب شرق ليبيا ما يقارب خمسين سودانياً، الأربعاء الماضي، تقطعت بهم السبل في عمق الصحراء القاحلة، من بينهم نساء وأطفال، وعثر عليهم في منطقة نائية تبعد نحو 450 كيلومتراً عن مركز المدينة. وأكدت السلطات المحلية في بيان أن أفراداً من جهاز مكافحة الهجرة السرية الحكومي عثروا على هؤلاء اللاجئين من السودان خلال دورياتهم المستمرة لإنقاذ ضحايا طرق الهجرة المحفوفة بالمخاطر، وجرى نقلهم إلى مدينة الكفرة لتلقي الرعاية الطبية بعد معاناة طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة ونقص حاد في المؤن.
لم تكن هذه الواقعة سوى حلقة جديدة في سلسلة مأساوية تتكرر في ليبيا أخيراً. ففي يونيو/حزيران الماضي، عثرت فرق الإنقاذ على نحو عشرين ناجياً، من بينهم ثلاثة أطفال ورضيعان، إلى جانب خمس جثث لسودانيين لقوا حتفهم عطشاً بعد أن تقطعت بهم السبل في الصحراء، فيما سُجل خمسة آخرون في عداد المفقودين، وسط توقعات بأنهم غادروا الموقع بحثاً عن طريق للنجاة. وفي مايو/أيار الماضي، أنقذت الأجهزة الأمنية 36 سودانياً، من بينهم نساء وأطفال، بعدما أمضوا خمسة أيام ضائعين في الصحراء، ونقلوا إلى مستشفى الكفرة العام في حالة إعياء شديد.
وتعكس هذه الوقائع نمطاً متكرراً في ليبيا يدفع إليه استمرار الحرب في السودان، إذ يفر الأشخاص على متن شاحنات قديمة تتعطل عادة في الصحراء، تاركة ركابها يواجهون مصيراً غامضاً. لذا قررت سلطات بلدية الكفرة قبل أشهر، إطلاق عمليات بحث عن الناجين في الصحراء.
وفي أحدث بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فقد بلغ عدد السودانيين في ليبيا 313 ألفاً منذ اندلاع النزاع المسلح في السودان، أي في منتصف إبريل/نيسان 2023، وتوقعت المفوضية ارتفاع العدد إلى نحو 650 ألفاً بحلول نهاية العام الحالي، مشيرة إلى عبور ما بين 300 و600 شخص يومياً الحدود الليبية. وفيما حذرت المفوضية من تفاقم الاحتياجات الإنسانية في المدن الليبية المستضيفة، لا سيما مع استمرار التدفق، أوضحت أنها وزعت 361 طناً مترياً من المساعدات الغذائية على 34,461 لاجئاً سودانياً.
وفي أول تجاوب رسمي، وصلت بعثة دبلوماسية سودانية إلى مدينة الكفرة، منتصف الأسبوع الماضي، تمهيداً لإعادة افتتاح القنصلية العامة السودانية التي أغلقت قبل تسع سنوات، بهدف تقديم الخدمات للجالية السودانية بالتنسيق مع السلطات الليبية، وتسهيل ملفات الإقامة والوثائق الرسمية المفقودة. وجاءت هذه الخطوة بعد مطالبات من بلدية الكفرة التي يتركز فيها غالبية اللاجئين السودانيين، وبعد أن أكدت أن "منسق الجالية السودانية" في الكفرة يفتقر إلى الصلاحية القانونية الكافية لمعالجة بعض القضايا المستعصية.
وكشف الناطق الرسمي باسم بلدية الكفرة، عبد الله سليمان، في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، عن تعقيدات كبيرة تواجه البلدية بسبب غياب التمثيل الدبلوماسي السوداني، خاصة في الحالات التي تتطلب إجراءات قانونية، كتصاريح الدفن، وتشريح الجثث، والتحقق من هويات من فقدوا وثائقهم أثناء الهرب، مؤكداً استمرار تقديم الخدمات بالمجان رغم شح الإمكانيات، واتهم المنظمات الإغاثية الدولية بالتقاعس، والاكتفاء بزيارات المتابعة من دون تقديم دعم يتناسب مع حجم المعاناة.
من جهته، يشير الناشط الإغاثي أنور الزوي إلى جانب لا يزال خارج الاهتمام في أزمة اللاجئين السودانيين، وهو تركز الجهود في الكفرة، ما يخفي معاناة الآلاف في مناطق ليبية أخرى. ويقول لـ"العربي الجديد": "كيف تستوعب الكفرة وحدها 313 ألفاً؟ هذا أمر مستحيل لوجستياً، ويعني أن هذا العدد موزع على مناطق أخرى خارج الكفرة".
ويوضح الزوي أن "مناطق مثل تازربو، والسرير، ومناطق محيطة بالكفرة، تعرف هي الأخرى تدفقاً للسودانيين، وبعضهم بدأوا فعلياً الانتقال إلى وسط وشمال ليبيا، سواء الشمال الغربي أو الشمال الشرقي، ولوحظ انتشار المدرسين السودانيين في مدارس مدينتي طرابلس وبنغازي، ووجود العمالة السودانية في مختلف القطاعات". ويعبر الناشط الإغاثي الليبي عن استيائه من حصر مفوضية اللاجئين الأممية جهودها في الإحصاء، من دون أن تقدم حلولاً تناسب حجم المعاناة، ويضيف: "إذا كان بعض النازحين لديهم مؤهلات أو حرف مكنتهم من الحصول على فرص عمل، فهذا لا يعني أن غيرهم لا يواجه نقصاً حاداً في الحصول على احتياجاته الضرورية، كالرعاية الصحية، أو السكن، أو الطعام. الجهود المحلية لإنقاذ الأوضاع كبيرة، ودافعها الأساسي هو الإنسانية وحق الجوار، لكنها تظل محدودة، ولا تنهي المعاناة، ويجب على المنظمات الدولية ألا تختفي وراء هذه الجهود، أو تجيرها لحسابها، بل عليها تحمل مسؤولياتها".

Related News




