
في خطوة أثارت تساؤلات داخلية وخارجية، أقدمت حركة طالبان الأفغانية في الآونة الأخيرة على اعتقال عدد من كبار قادتها، كان آخرهم الشيخ عبد السميع غزنوي (اعتقل في 17 يوليو/تموز الماضي)، وهو أحد أبرز المشايخ والمدرسين الذين تتلمذ على يديه عدد كبير من القادة السياسيين والعسكريين في الحركة. وقبل ذلك، اعتقلت "طالبان" الجنرال مبين خان (في 8 يونيو/حزيران الماضي)، الذي يُعد من أبرز الوجوه الإعلامية لـ"طالبان"، والمعروف بخطابه الحماسي ودوره البارز في المشهد الدعائي للحركة. وتشير مصادر داخلية إلى أن هذه الاعتقالات جاءت على خلفية انتقادات وجهها هؤلاء القادة لسياسات "طالبان"، تحديداً ما يتعلق بمنع تعليم الفتيات، ومنع النساء من العمل، والتهميش المتواصل للإثنيات غير البشتونية.
في المقابل، رأت أوساط سياسية في باكستان أن تلك الاعتقالات ناتجة من مواقف هؤلاء القادة المعارضة لسياسات إسلام أباد، وتأييدهم حركة طالبان الباكستانية، علاوة على حثهم الشباب على القتال في باكستان، ما جعل إسلام أباد تطلب من كابول اعتقال هؤلاء.
حسن خان: هناك بعض التقدم في المفاوضات بين باكستان وأفغانستان
وقال الإعلامي الباكستاني حسن خان، لـ"العربي الجديد"، إن هناك بعض التقدم في المفاوضات بين باكستان وأفغانستان، وهي مستمرة لمناقشة ملفات مهمة من أبرزها، "طالبان" الباكستانية، حيث تتطلع إسلام أباد إلى أن تعمل كابول معها ضد تلك الحركة، موضحاً أن كابول تسعى جاهدة للتقرب من إسلام أباد، وبالتالي هي تعتقل كل من يثير الرأي العام في أفغانستان ضد باكستان، فكل من يحث الشباب على القتال في باكستان يتعرض للاعتقال على يد الاستخبارات الأفغانية.
ولفت خان إلى أن من أبرز أسماء الشخصيات التي اعتُقِلَت أخيراً في كابول الشيخ عبد السميع غزنوي، وقبله الجنرال مبين خان، كذلك أُقيل نائب وزير الخارجية الأفغاني شير محمد عباس ستانكزاي، وبالتالي فـ"طالبان" تهيئ الأجواء من أجل العمل الفاصل ضد "طالبان" الباكستانية، لكنها لا تستطيع أن تفعل ذلك مرة واحدة، مشيراً إلى أن هناك مفاوضات وراء الكواليس وتعاوناً بين الاستخبارات في البلدين.
توقيف شخصيات مهمة في "طالبان"
وأضاف أن هذه الشخصيات كانت مهمة جداً، موضحاً أن مبين وجه إعلامي مهم في "طالبان" منذ ظهور الحركة، أما غزنوي فهو شيخ وأستاذ الكثير من القادة، وله آلاف التلاميذ، وكلامه مسموع في الأوساط الدينية في أفغانستان، وبالتالي كان هذا تطوراً مهماً، وأيضاً ستانكزاي الذي كان يترأس مكتب "طالبان" في الدوحة قبل الملا عبد الغني برادر، وكان الوجه الدبلوماسي المهم، وأُقيل بسبب مواقفه ضد باكستان، وهناك كثر آخرون، معتبراً أن هذه مرحلة أولية، وفي المرحلة الثانية سيأتي دور قادة حركة طالبان الباكستانية والتصدي لهم.
وقال خان إنه في المقابل تعمل إسلام أباد لصالح كابول دولياً، من أجل الاعتراف بحكومتها، كذلك تتعاون الحكومة الباكستانية مع أفغانستان في مساعي استعادة الأموال المجمدة، كذلك هناك مباحثات جادة في باكستان بشأن الاعتراف بحكومة "طالبان". وتابع: "لا ننسى دور الصين في كل ما حصل من التطورات في العلاقات بين أفغانستان وباكستان، وكابول بحاجة إلى تعاون بكين في الكثير من المشاريع التنموية، منها أن تكون أفغانستان بمثابة جسر بين الصين ودول آسيا الوسطى، بالتالي بكين تسعى لأن تمارس الضغط على كابول من أجل التعاون في استتباب الأمن في باكستان". وتوقع أن يزور وزير الخارجية في حكومة "طالبان" الملا أمير خان متقي باكستان غداً الاثنين، ويلتقي هناك القيادة السياسية. هذه الزيارة تنظر إليها إسلام أباد بغاية الأهمية، والمراقبون يرون أن باكستان أعدت ملفاً مهماً لمناقشته مع وزير الخارجية الأفغانية وأنها قد تكون بداية صفحة جديدة من العلاقات بين الدولتين.
وقال الصحافي الباكستاني مصطفى عديل خان، لـ"العربي الجديد"، إن هذه زيارة ستعيد مسار العلاقات بين كابول وإسلام أباد، ويكون التركيز على قضيتين: الاعتراف بحكومة حركة طالبان من قبل إسلام أباد، مقابل قيام كابول بعمل جذري ضد من يعمل ضد أمن باكستان، ولا شك أن إسلام أباد مستعدة للاعتراف بحكومة "طالبان"، ولكن السؤال هو عن إقناع كابول بالعمل ضد حركة طالبان الباكستانية وكل من يتربص بأمن باكستان. وتابع: لدي معلومات تؤكد أن باكستان ستقدم كل الأدلة والمستندات التي تثبت أن من يعبث بأمن باكستان لهم مراكز إيواء وتخطيط في أفغانستان، من دون أن يستبعد أن تكون الإجراءات الأخيرة في أفغانستان سعياً لتهيئة الأجواء لهذه الزيارة، وإثبات أن كابول قامت بما يجب عليها من أجل التعاون مع باكستان.
وبغض النظر عن موقف باكستان حيال هؤلاء وغيرهم من قادة "طالبان" الأفغانية الذين يحرضون الشباب ضد باكستان، فإن الأوساط الأفغانية كلها، سواء من كانوا في صفوف "طالبان" أو في الأوساط الشعبية، مستاءة جداً حيال اعتقال هؤلاء. وهذا الأمر يثير الكثير من الغضب، من هنا يرى مراقبون في أفغانستان أن مثل هذه الأعمال، تقوم بها شريحة صغيرة داخل قيادات الحركة، ولا شك أن مثل هذه الأمور لها انعكاسات سلبية على الصف الداخلي للحركة.
فشل خلق تصدعات داخل "طالبان"
في هذا السياق، قال الأكاديمي الأفغاني صفت الله قانع، لـ"العربي الجديد"، إن من مميزات حركة طالبان وحدة الصف، وكل الجهود التي بُذلت على مدار الأعوام الماضية من أجل خلق تصدعات داخل صف الحركة باءت بالفشل، ولكن ما يحصل الآن قد تكون له انعكاسات سلبية، خصوصاً أنه يتزامن مع سياسات أثارت القلق في أوساط ما يعرف بجيل الأبناء من قيادات "طالبان"، مثل وزير الدفاع الملا يعقوب، نجل الملا عمر، ووزير الداخلية المولوي سراج الدين حقاني، نجل القائد الجهادي جلال الدين حقاني. وهؤلاء لا يؤيدون سياسة التطاول على كل من يعارض سياسات الحركة، ولديهم رؤية مغايرة لرؤية ما يعرف بجيل الآباء.
صفت الله قانع: قد تكون للاعتقالات انعكاسات سلبية وسط "طالبان"
ولفت إلى أن ما حصل أخيراً من اعتقال الشيخ غزنوي أثّر كثيراً في قياديي الحركة، موضحاً أن هناك من يشغل مناصب عالية جداً في الحكومة وفي الدوائر الأمنية مستائين جداً، بسبب اعتقاله، لأنه ليس مجرد شيخ وعالم وأستاذ لقادة "طالبان"، بل هو من العلماء الذين يشار إليهم بالبنان، وهو فاهم للدين وللعلوم العصرية، وله دور كبير في تثقيف الشباب وتعليمهم، وله مئات التلاميذ حالياً بعضهم من قادة "طالبان" ومن يشغلون مناصب في الحكومة، وكذلك الجنرال مبين خان، المعروف بنشاطه على وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، ولديه مؤسسة خيرية نشطة تعمل من أجل مساعدة الفقراء واللاجئين العائدين من دول الجوار والنازحين داخلياً. كذلك فإن ستانكزاي من مؤسسي الحركة، وكان وجهاً سياسياً شهيراً.
يشار إلى أن القاسم المشترك بين كل هؤلاء هو معارضتهم لباكستان، فلا يكاد يخلو بحث أو مناسبة أو حديث، إلا وينتقدون إسلام أباد ويشجعون الشباب ضدها والمشاركة في أي عمل يؤدي إلى القضاء على قوة الجيش الباكستاني، وهناك اعتقاد عام بأن الوفود الباكستانية التي كانت تزور كابول في الفترة الأخيرة كانت تطلب منع هؤلاء من تحريض الناس على باكستان، واتخاذ الخطوات ضدهم.
هذا الأمر أشار له قانع، موضحاً في حديثه لـ"العربي الجديد" أن لباكستان تأثيراً كبيراً وكابول لا تريد أن توتر علاقاتها بإسلام أباد بمثل هذه التصريحات، معتبراً أن تصريحات كل هؤلاء كانت تثير انزعاجاً داخل قيادات "طالبان"، وهؤلاء الثلاثة لهم نفوذ كبير وسط الشعب، وكل ما يقوله هؤلاء يُسمع من الشعب، ولكن زعامة "طالبان" وشريحة صغيرة إلى جانبها، لا تتحمل تلك. على سبيل المثال، كل هؤلاء الثلاثة كانوا يتحدثون عن تعليم الفتيات، وكل واحد له مجاله يثير فيها القضية، الشيخ غزنوي له مكانة دينية، والجنرال مبين إعلامي بارز، وشير محمد عباسي ستانكزاي سياسي بامتياز داخل صف "طالبان"، إضافة إلى ذلك لديهم جرأة على انتقاد زعيم الحركة، خصوصاً في ما يخص تعليم الفتيات، وعمل النساء، والمشاركة في الحكومة لكل الإثنيات والأقوام. هؤلاء مراراً أكدوا أنها أمور تخالف الشريعة الإسلامية، في حين أن قيادة "طالبان" ترى أنه لا يوجد أي شيء في تصرفاتها معارض للشريعة الإسلامية. وخلص إلى القول إن شريحة داخل قيادات الحركة تسمع لباكستان، لكن السبب الأهم هو الانتقادات الداخلية، وحقيقة الأمر أن زعامة "طالبان" لا تتحمل الانتقاد، سواء كان من داخل صف الحركة أو من خارج صفها.

Related News

