
مع بدء حزب العمال الكردستاني التركي المعارض، تسليم سلاحه، بموجب القرار الذي اتخذه بحل نفسه وإنهاء الصراع المسلح، عاد التفاؤل مجدداً في تحقيق تعاف أمني واجتماعي بمدينة سنجار وضواحيها، 115 كيلومتراً غربي الموصل، والتي ينشط فيها منذ سنوات مسلحو الحزب وأذرع محلية تابعة له.
أنشطة الحزب حرمت المدينة المختلطة دينياً وقومياً من التعافي، بعد طرد مسلحي تنظيم "داعش" عام 2015، إذا فرض "مسلحو الكردستاني" سلطة الأمر الواقع على المدينة، ما أعاق فرص إعادة الإعمار وتأهيل البنى التحتية، وعودة عشرات الآلاف من النازحين من أهلها. وشهدت سنجار خلال السنوات العشر الماضية، مواجهات مسلحة متكررة بين الفصائل والجماعات المتصارعة وبين الجيش العراقي الذي سعى إلى بسط سيطرته طوال الفترة الماضية، دون تحقيق تقدم كبير بالملف. وخلّفت هذه المواجهات قتلى وجرحى، كما أسفرت عن عمليات نزوح عكسي للأهالي، خاصة بعد تشكيل أذرع حزب العمال، وأبرزها "وحدات حماية سنجار"، وفصيل "لالش"، إدارة ذاتية للمدينة لم تعترف بها بغداد.
المدينة الواقعة على المثلث الجغرافي الرابط بين العراق وسورية وتركيا، تشهد منذ أيام هدوءاً واضحاً، خصوصاً فيما يتعلق بالمسيرات التركية التي كانت تحلق باستمرار في السماء. وحول فرص تعافي المدينة، قال عضو مجلس المدينة السابق، كريم سنجاري، الذي يتولى حالياً منصباً في إدارة جهود متابعة ملف المختطفات الأيزيديات على يد تنظيم "داعش"، إنهم "يرون في خطوة السلام بين الأتراك وحزب العمال، فرصة لنهاية أزمات المدينة".
وأضاف سنجاري: "كل المدن المجاورة بدأ بها الإعمار، تأهيل الكهرباء والماء وتعويض المنازل، تلعفر والموصل والحمدانية وربيعة، باستثناء سنجار لم يحصل فيها شيء. أما الأهالي فأعتقد أن هناك ما لا يقل عن 50% خارج مدينتهم، موزعين داخل وخارج العراق، ولو كانت المدينة آمنة ومستقرة وبها خدمات لعادوا إليها".
وأشار سنجاري إلى تفاؤل كبير بين الأهالي، لكنه لم يخف قلقه من أن يكون هناك "رأي آخر لفصائل موجودة بالمدينة، لا تريد التخلي عن مكاسب وامتيازات حصلت عليها بالسابق، ولن تتجاوب في مسألة فرض سلطة الدولة العراقية على المدينة"، في إشارة إلى مسلحي وحدات حماية سنجار، وقوات "لالش"، وهما مليشيات أسسها حزب العمال الكردستاني من أبناء سنجار من المكون الأيزيدي حصراً.
وأسس حزب العمال عام 2016 في مدينة سنجار، أذرعاً محلية وهي عبارة عن مليشيات من الأيزيديين العراقيين وآخرين أكراد، وأبرزها، مليشيا "وحدات حماية سنجار"، المعروفة محلياً بمليشيا "أيزيدي خان"، ومليشيا "لالش"، وتنشط جميعاً في سنجار وضواحيها وترفع شعارات وصور حزب العمال الكردستاني.
وقال السياسي المقرب من رئيس الوزراء العراقي، عائد الهلالي، لـ"العربي الجديد"، إن "إعلان حزب العمال الكردستاني حل نفسه وتسليم سلاحه يُمثل تحولاً استراتيجياً بمعادلة الصراع في سنجار، التي تحوّلت منذ تحريرها من "داعش" إلى عقدة سياسية وأمنية، مضيفاً "هذا التطور، وإن حمل إشارات تهدئة، إلا أن انعكاساته على الأرض لا تزال مرهونة بعدة عوامل داخلية وإقليمية".
وبين الهلالي: "منذ 2015، وسنجار عبارة عن ساحة نفوذ متشابكة بين قوى متعدّدة، أبرزها حزب العمال الكردستاني، وفصائل من الحشد الشعبي، وقوات البيشمركة، فضلاً عن الجيش العراقي، وهذه التعددية خلقت واقعاً أمنياً هجيناً عطّل عودة النازحين، وعمّق أزمة الثقة بين المكونات المحلية، وبينما يرى بعض المراقبين أن تسوية ملف حزب العمال الكردستاني قد تفتح الباب لانسحاب عناصره من سنجار، ما يُفسح المجال لترتيب الوضع الإداري والأمني، إلا أن المشهد أكثر تعقيداً من مجرد خطوة أحادية".
وأضاف أن "بغداد وأربيل تدركان أن استقرار سنجار ليس ملفاً محلياً فحسب، بل هو انعكاس لتوازنات إقليمية، وتركيا التي تعتبر وجود حزب العمال، تهديداً لأمنها القومي، كانت تضغط باستمرار لتخليص سنجار من وجودهم، وربما يكون إعلان الحزب جزءاً من تفاهمات إقليمية أوسع تشمل طهران وأنقرة وبغداد، إلا أن أي انسحاب دون ضمان ترتيبات أمنية بديلة ومقبولة لجميع الأطراف قد يعيد إنتاج الفوضى، وربما يسمح لقوى أخرى بملء الفراغ، ما يهدد بتحويل سنجار إلى منطقة تنافس إقليمي دائم"، مؤكداً أن "عودة أهالي سنجار مرهونة بثلاثة شروط أساسية: أولاً، انسحاب فعلي وكامل للعناصر المسلحة غير الرسمية، بما فيها فصيل (وحدات مقاومة سنجار) المرتبط بحزب العمال، ومن ثم تطبيق الاتفاق بين بغداد وأربيل لعام 2020 بشأن الإدارة المشتركة والأمن، والأمر الثالث هو إبعاد الملف عن الاستقطابات الإقليمية التي تجعل من سنجار ورقة ضغط متبادلة".
من جهته، قال الباحث في الشأن السياسي والأمني من أربيل ياسين عزيز، لـ"العربي الجديد"، إنّه "مع المتغيرات الجديدة يتجه ملف سنجار لمعالجة خاصة، وهناك لجنة أمنية عليا عراقية تركية تتابع المشهد الأمني بين البلدين، وبما أن تركيا تنظر إلى سنجار باعتبارها موقعاً جغرافياً قريباً من حدودها ويؤثر بأمنها القومي، فإنه من المؤكد أن تركز على حل الملف، على غرار بقية التفاصيل المرتبطة بملف حزب العمال الكردستاني".
وأضاف عزيز: "سنجار كان يستخدمها الإيرانيون إحدى محطات عبورهم إلى الداخل السوري، ومع انهيار نظام بشار الأسد، فإن هذه الورقة مثل أوراق أخرى خرجت من المساحة الإيرانية الخاصة، لذا فإن الأمر لن يكون معقداً"، مرجحاً أن يتجه الملف إلى الحل "لا سيما أن هناك اتفاقية بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية، تمثل أرضية جيدة لمعالجة الوضع الاستثنائي في سنجار، على الرغم من أنها لم تنفذ رغم توقيعها قبل نحو خمسة أعوام".

Related News

