هكذا يتسلّل جنود الكتيبة 7012 من الجولان المحتلّ لخطف السوريين
Arab
2 hours ago
share

حوّلت إسرائيل المنطقة الشرقية من خط وقف إطلاق النار في هضبة الجولان السورية المحتلة إلى ساحة مستباحة بعدما احتلها جيشها عقب إسقاط نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأوّل الماضي، مسيطراً على قمم الجبال الاستراتيجية، وجاعلاً من محافظة القنيطرة في الجنوب السوري شاهدةً على انتهاكاته اليوميّة المتواصلة. وعلى رأس تلك الانتهاكات، تأتي عمليات الاختطاف التي تنفذها وحدات الجيش الإسرائيلي مقتحمةً تحت جنح الظلام بيوت السورين الآمنين لتخطف الشبان والفتيّة من أسرتهم وتنقلهم معصوبي الأعين إلى سجونها في الداخل المحتل، مستنسخةً بذلك عمليات المداهمة والاعتقال التي تشنّها ضد الفلسطينيين في قرى الضفة الغربية المحتلة ومدنها.

ولئن كانت للفلسطينيين خبرةً واسعة، وآليّات طوّروها في التصدي للاقتحامات وعمليات الاعتقال المستمرة منذ عقود، وتجربة مريرة في التحقيق تحت التعذيب النفسي والجسدي، يبدو الأمر مغايراً بالنسبة للسوريين في المحافظة الجنوبية؛ حيث لاقوا أنفسهم أمام تهديدٍ جديد واعتداءات إسرائيلية متصاعدة، متروكين لمواجهة مصيرهم في ظل غياب مؤسسات الدولة، وصمتٍ حكومي ودولي، وتجاهل شبه تام لما يعايشونه.

وكان سكان الجنوب السوري قد شهدوا تموضع جماعات مسلّحة من مختلف الأطراف، بينها ألوية عسكرية لحزب الله أو إيران، غير أنه مع إسقاط الأسد، تفككت معظم تلك الجماعات، وأخلت مواقعها وغادر عناصرها كلٌ إلى بلده. مع ذلك، يزعم جيش الاحتلال أنّ من يعتقلهم مُذّاك في محافظة القنيطرة ينتمون إمّا إلى "فيلق قدس" التابع للحرس الثوري الإيراني، أو لحركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" الفلسطينيتين.

ما تقدّم أتى منافياً لما رصده "العربي الجديد" الذي وقف على عمليات التوغل الإسرائيلي التي فاقت 25 عملية منذ ديسمبر الماضي حتى يوليو/تموز الجاري، مستنتجاً أن جميع التوغلات والاقتحامات التي شهدتها قرى المحافظة، كجباتا الخشب والحميدية وعين البيضا وطرنجة وكودنة وغيرها، أسفرت عن اعتقال 70 سورياً، بينهم أطفال، لا علاقة لأيّ منها بجماعة مسلحة أياً كانت. وفي حين أفرج الاحتلال الإسرائيلي عن جزء من المعتقلين الذين بينهم متطوعون وإعلاميون وناشطون حقوقيون، لا يزال هناك عدد منهم قابعاً في السجون الإسرائيلية، وآخر مصيره مجهولاً إلى اللحظة.

"عربدة" على سكان عُزّل

في ظل الواقع الراهن في محافظة القنيطرة، وخصوصاً في الأراضي التي احتُلت حديثاً، بقي السكان هناك عملياً من دون حصانة أمام الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، حيث لا يوجد من يحميهم عسكرياً أو أمنياً. ورغم الفراغ الناشئ وانعدام أطر المقاومة أساساً ضد الاحتلال، لم يتورع قائد الكتيبة 7012 في "لواء ألكسندروني" في الجيش الإسرائيلي عن التفاخر بعمليات الاختطاف التي يشنها جنوده، وكأنهم يقومون بمهام خاصة في أعماق دولة بعيدة. قائد الكتيبة الذي يُشار إليه بالحرف "ي"، وتوغل جنوده قبل أيام قليلة فقط على عمق حوالي عشرة كيلومترات في سورية لاختطاف مواطنين سوريين بزعم أنهم أعضاء في "فيلق القدس" الإيراني، وكانوا يخططون بحسبه لعملية ضدّ قوات جيش الاحتلال المتمركزة في المنطقة العازلة؛ صوّر الاختطاف مهمةً "كانت مستحيلة في الماضي".

ففي السابق، أي قبل إسقاط الأسد، كانت تتولى قوات الكوماندوز النخبوية تنفيذ عمليات كهذه. في هذه الأيام، بعدما شنّ سلاح الجو الإسرائيلي مئات الهجمات على المقار العسكرية السورية واحتل الشطر الذي لم يكن محتلاً من الجولان، باتت هذه العمليات وفقاً لقائد الكتيبة "روتينة"؛ فكل يوم تقريباً تنفذ قوات الاحتلال الإسرائيلي تحت قيادة الفرقة 210 عمليات شبيهة بينها اقتحامات تصل إلى حد الاحتكاك مع المدنيين السوريين، وفقاً لتقرير مطوّل أورده موقع "واينت" يوم الجمعة الفائت.

عملية الاختطاف التي تحدث عنها المُقدّم "ي" في مقابلته مع "واينت"، دارت وقائعها في حدود الساعة 2:50 فجر الاثنين الماضي، عندما تسلل مئات من مقاتلي الكتيبة 7012 إلى عمق الأراضي السورية مترقبين تلقي أمر "عمل" عبر اللاسلكي. ووفقاً للموقع، كان الجنود الإسرائيليون يعملون بالتزامن في عدة نقاط بمناطق مختلفة؛ بينما كان المواطنون السوريون المستهدفون نائمين.

قائد الكتيبة تولى منصبه قبل شهر ونصف شهر فقط، وقاد، حسب سرده، جنوده إلى عمق سورية، بعضهم في مركبات، والآخر راجلاً. وكما أضاف، سبقت العملية فترة طويلة من جمع المعلومات الاستخبارية والتحضيرات لإحباط عملية الخلية المزعومة التي "هدفها إحداث فوضى على الحدود الشمالية"، وهي خطة لم تنجح بحسب "ي" طوال "حرب الـ12 يوماً" على إيران بسبب كثافة المنظومة الدفاعية عبر الحدود في سورية.

وفي السياق، يروّج تقرير "واينت" المطوّل مزاعم جيش الاحتلال أنّ الانتهاكات اليومية والاعتداءات والتنكيل بالمواطنين السوريين واختطافهم جزء من عمليات تستهدف خلايا تابعة لإيران وحزب الله، مشيراً إلى أنّ المجموعة المخطوفة أخيراً هي "الخلية الثانية من نوعها في غضون أسبوع". وبحسب ما يوضح قائد الكتيبة، فقد "سمعنا عن هذه الخلية منذ زمن طويل"، زاعماً أن خطتها كانت تقتضي مهاجمة جيش الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة العازلة. ويوضح أن الصورة العامة أكثر تعقيداً وخطورة؛ إذ بحسبه "حاولت إيران على مر السنين إنشاء بنية تحتية إرهابية هُنا، وبصورة أساسية، خلق حلقة خانقة حول إسرائيل - من لبنان والأراضي السورية والأردن. ولا تزال هناك بقايا إيرانية في المنطقة، ومهمتنا هي إحباط أي تهديد من جانبها".

هذه الادعاءات تدحض صحتها مصادر "العربي الجديد"، لافتةً إلى أن "جميع المختطفين في العملية الأخيرة (في 7 يوليو/تموز الجاري) مدنيون سوريون لا علاقة لهم بأي مسلحين". وطبقاً للمصادر نفسها، فإن المختطفين، وعددهم ستة، هم: أحمد وعدنان عبد الحميد الكربان، وميزر وأحمد وعماد الهتمي، والفتى شادي مروان القريان. وخلال اختطافهم، فصل الاحتلال الأطفال عن ذويهم، مانعاً أهلهم من التواصل معهم، قبل مصادرة هواتف المختطفين الذين تعرضوا للضرب، وفقاً لمصادر محلية. وفي حين اقتيد الفتى القريان إلى معسكر احتجاز قريب قبل الإفراج عنه في مساء اليوم نفسه، بقي الآخرون رهن الاختطاف.

ذراع الخطف الكتيبة 7012

على المقلب الآخر، يزعم المقدم "ي" الإسرائيلي أنه "جُمعت معلومات استخبارية كثيرة عن هذه الخلية، سواء من خلال الوحدة 8200 أو وحدات استخبارية أخرى". وبحسبه، أشارت المعلومات الاستخبارية إلى شبكة من العناصر المنتشرة في القرى السورية وهي "مجهزة ومدربة وتنتظر الأوامر من إيران فحسب". وتذرع بأنه يُحظر نشر مواقع تمركز تلك الخلايا، قبل أن يستدرك: "يُمكن القول إنها كانت بالقرب من منطقة تل كودنة"، في إشارة إلى أن جيش الاحتلال يتحضر لتنفيذ مزيد من الاعتقالات في منطقة الجنوب السوري.

وتابع قائد الكتيبة ضمن مزاعمه أن التعقيد العملياتي "كان كبيراً"، إذ لم يكن هناك هدف واحد للاعتقال، وكما يشرح: "كانت هذه عبارة عن عملية جراحية معقدة، اقتضت وصول القوات ثم اعتقال المطلوبين، وإجراء تحقيقات أوليّة معهم، ثم مغادرة المكان بصحبة المعتقلين إلى الحدود الإسرائيلية، في وقتٍ كان عناصر الكتيبة الإسرائيلية منتشرين على المباني في مناطق مختلفة بعضها عن بعض". وهو ما استوجب، على حد زعمه، "الحفاظ على سرية عالية والعمل في وقت متزامن نظراً إلى العلاقة التي تربط أعضاء الخلية بعضهم مع بعض".

قامت عملية الاختطاف على "أوركسترا" متكاملة من الوحدات الخاصة، لكل منها قدرات تميّزها، حسب توصيف الموقع الإخباري العبري، الذي أضاف أنه "سبقتها تدريبات ميدانية مكثفة تحاكي تنفيذ العملية في الواقع". وإلى جانب كتيبتي "ألكسندروني" الاحتياطيتين - الكتيبة 7012 والدورية - كان هناك محققون ميدانيون من الكتيبة 504، ومقاتلون من الوحدة الطيّارة (المتنقلة) 551، ووحدة الكلاب "عوكيتس"، ووحدة الإنقاذ 669، وإلى جانب كل ما سبق، كانت طائرات سلاح الجو تؤمن وتراقب من فوق كل شيء.

عملية في قلب "مقر حجارة البازلت"

طبقاً للموقع، فإنه في ليلة العملية، تحوّل كل جزء من التخطيط إلى واقع؛ إذ تسللت كل كتيبة إلى المنطقة بطريقتها؛ حيث سار جزء من العناصر على الأقدام داخل الأراضي السورية متوغلاً عدّة كيلومترات. وبحسب ما نقل عن أحد الجنود الذين شاركوا في عملية الاختطاف، فإنه كانت هناك تحديات معيّنة: "ففي جزء ما من بداية المسير، عبرنا نهر الرقاد الجاري، ما تسبب بتبلل أقدامنا". وأضاف جندي آخر: "كان المسير مثيراً للإعجاب؛ حيث سار مئات المقاتلين بهدوء وسريّة لدرجة أن الكلاب (من وحدة عوكتس العسكرية) بالكاد نبحت".

ولدى وصولهم إحدى القرى، لاحظ الجنود -كما يسردون- اختلافاً في المنازل عن تلك التي اعتادوا رؤيتها في المناطق الأكثر فقراً في جنوب سورية. ففي هذه القرية، كانت المنازل مبنية من الخرسانة والطوب المكشوف، مزودة بإنارة تعمل بالطاقة الشمسية. وبحسب ما رواه الجنود، فقد "كان كل مجمع عائلي محاطاً بسور بارتفاع متر، مبني من حجارة البازلت، تحيطه أشجار الفاكهة... وكانت هناك لوحات دينية على الجدران تحمل آيات قرآنية. أمّا أثاث المنازل، فكان قديماً مصنوعاً من الخشب الثقيل".

"ساد الهدوء حتى لحظة الهجوم"، كما يصف أحد الجنود مضيفاً: "ثم، وبضربة واحدة، واجه أعضاء الخلية قوة الجيش الإسرائيلي"، موضحاً أنه "في كل نقطة اعتقل فيها عنصر من الخلية كان جندي من الوحدة 504 يستجوبه سريعاً، وفي الوقت نفسه، تكمل القوات البحث عن أسلحة وجمع معلومات استخبارية؛ حيث كان الهدف هو مغادرة القرية قبل أن يدرك أهلها ما يحدث".

فوجئ السوريون الستة تماماً خلال عملية اختطافهم، بينما سادت، وفقاً لما ينقله الموقع، "حالة من الارتياح في غرفة عمليات الفرقة 210 بقيادة العميد يئير بلاي؛ حيث أُلقي القبض على المعتقلين في الأراضي السورية من دون إطلاق رصاصة واحدة" وفق الادعاءات الإسرائيلية. ووفقاً للجنود، "حتى عندما وصل المعتقلون إلى (السجن) في إسرائيل، لم يصدقوا أن الجيش الإسرائيلي قد اعتقلهم من أسرتهم؛ حيث سيقوا معصوبي الأعين إلى أن باتوا في إسرائيل". وطبقاً للموقع، فإن المعتقلين الذين لم يُكشف عن عددهم، ولكن ترجح مصادر "العربي الجديد" أنهم ستة، "يخضعون في الأثناء لاستجوابات أكثر شمولاً تهدف إلى انتزاع معلومات منهم حول الأهداف التي يخطط الإيرانيون لمهاجمتها على طول الحدود".

حقل آخر لترجمة القوّة العسكرية

عمليات الخطف "الناجحة"، كما يصفها المقدم "ي"، ليست محض "انتصار تكتيكي"، بل هي ترجمة للتغييرات التي طرأت على منظومة الاحتياط العسكرية منذ بداية حرب الإبادة في غزة؛ حيث تحسّنت بحسبه "كفاءة مقاتلي الاحتياط في الكتيبة التي شاركت في مناورات في غزة ولبنان. وتبدى ذلك في أنه في الماضي، لم يكن بمقدور مقاتلي الاحتياط سوى الحلم بتنفيذ عمليات كهذه اقتصر تنفيذها على وحدات الكوماندوز النخبوية".

لم يكن تحسّن القدرات "مصادفةً"، بل هو نتيجة الخدمة العسكرية الاحتياطية المتواصلة في حقول التجارب على الفلسطينيين واللبنانيين منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأوّل 2023؛ ففي يناير/ كانون الثاني 2024، كان مقاتلو الكتيبة 7012 على جبهة أخرى لا تقل توتراً، هي الحدود اللبنانية، وتحديداً قرب مستوطنة "المطلة". كان دورهم آنذاك دفاعياً بحت، كما يصف قائدهم. الرحلة من المطلة إلى أعماق سورية، مروراً بقطاع غزة، قد "حوّلتهم إلى آلة مجهزة جيداً"؛ حيث باتوا اليوم "درعاً دفاعياً لمستوطنات الجولان"، وفق زعمه.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows