
أثار سعي الولايات المتحدة للحصول على توضيحات من حلفائها بشأن دورهم في حال شنّت الصين عملية عسكرية لاستعادة تايوان بالقوة، تساؤلات في بكين بشأن الموقف الأميركي من هذه المسألة، في ظل حالة عدم اليقين التي تسبّبت فيها تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخيرة بشأن الدفاع عن الجزيرة.
"أميركا أولاً"
وكانت تقارير أميركية قد أفادت بأن وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) تضغط على اليابان وأستراليا لتوضيح الدور الذي ستلعبانه في حال نشوب صراع بين الولايات المتحدة والصين بشأن جزيرة تايوان، الأمر الذي أثار استياء الحليفَين الأميركيَين. ونقلت صحيفة فاينانشال تايمز، أول من أمس السبت، عن مصادر مطلعة قولها، إنّ البنتاغون يحث اليابان وأستراليا على توضيح الدور الذي ستلعبانه إذا دخلت الولايات المتحدة والصين في حرب بشأن تايوان. وقالت الصحيفة إن وكيل وزارة الدفاع الأميركية لشؤون السياسات، إلبريدج كولبي، كان يدفع بهذه المسألة خلال محادثات جرت في الآونة الأخيرة مع مسؤولي الدفاع في كلا البلدَين. وذكر كولبي على موقع إكس، أن وزارة الدفاع تركز على تنفيذ سياسة "أميركا أولاً" التي يتبعها ترامب لاستعادة الردع بما يتضمن "حثّ الحلفاء على زيادة إنفاقهم الدفاعي وغير ذلك من الجهود المتعلقة بدفاعنا الجماعي".
وكانت تسجيلات صوتية مسرّبة منسوبة لترامب، حصلت عليها شبكة سي أن أن الأميركية، أخيراً، كشفت أنه هدّد خلال حملته الانتخابية في أحد اللقاءات الخاصة التي عقدها مع عدد من كبار المتبرعين لحملته، الصين. وقال ترامب إنه وجّه تهديداً للرئيس الصيني شي جين بينغ، بأنه في حال أقدمت الصين على شنّ هجوم ضد تايوان، فإن الولايات المتحدة ستقصف بكين ردّاً على ذلك"، وأضاف: "اعتقد أنّني مجنون لكنّنا لم نواجه أي مشاكل".
بات كونروي: أستراليا لن تُلزم نفسها مسبقاً بإرسال قوات إلى أي صراع
وردّ وزير الصناعات الدفاعية الأسترالي بات كونروي، أمس الأحد، على ما نشرته الصحيفة، بقوله من سيدني، إنّ بلاده لن تُلزم نفسها مسبقاً بإرسال قوات إلى أي صراع، مضيفاً في مقابلة أجرتها معه هيئة الإذاعة الأسترالية، أن "أستراليا تعطي الأولوية لسيادتها، ولا نناقش أي افتراضات"، وقال كونروي: "قرار الالتزام بإرسال قوات أسترالية إلى أي صراع ستتخذه الحكومة في حينه، وليس مسبقاً". وأعرب كونروي عن قلق كانبيرا من التعزيزات العسكرية الصينية لا سيّما في ما يتعلق بقواتها النووية والتقليدية، مشدّداً على أن بلاده ترغب في إرساء توازن في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ بحيث لا تهيمن أي دولة على المنطقة. أما رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي، فقد أكد في تصريحات أدلى بها من شنغهاي أمس، في مستهلّ زيارة تستغرق ستة أيام للصين ستركز على الأرجح على الأمن والتجارة، أنّ بلاده لا تريد أيّ تغير في الوضع الراهن لتايوان.
من جهتها، قالت صحيفة غلوبال تايمز الصينية الحكومية، إنّ الطلب من الجانب الأميركي فاجأ طوكيو وكانبيرا، خصوصاً أن الولايات المتحدة لم تقدم ضماناً مطلقاً للجزيرة، ولفتت إلى أن كولبي يُعرف بدفاعه عن ضرورة إعطاء الجيش الأميركي الأولوية للمنافسة مع الصين وتحويل تركيزه عن الشرق الأوسط وأوروبا. وكانت وزارة الخارجية الصينية قد أكدت مراراً أن قضية تايوان شأن داخلي صيني بحت، ولا يحقّ لأي دولة التدخل فيه، كما شدّدت على أن الصين تسعى إلى إعادة التوحيد مع الجزيرة، حتّى لو اضطرت إلى استخدام القوة العسكرية.
ارتباك أميركي حيال تايوان
وتتزامن هذه التقارير بشأن مستقبل الجزيرة مع توترات شديدة في مضيق تايوان، إذ أطلقت تايبيه الأربعاء الماضي، واحدة من أطول مناوراتها العسكرية السنوية (هان كوانغ)، في محاكاة لما يعرف بـ"تكتيكات المنطقة الرمادية" في البر الرئيسي الصيني، وتضاعفت مدة التدريبات هذا العام إلى عشرة أيام، وتُجرى من دون نصوص مكتوبة أو جداول زمنية ثابتة لمحاكاة تقلبات ساحة المعركة، وفقاً لوزارة الدفاع التايوانية. في المقابل، يجري الجيش الصيني مناورات عسكرية في مقاطعة فوجيان الساحلية القريبة من مضيق تايوان، تتخللها تدريبات على الهجوم البرمائي والاستطلاع، ويشير توقيت المناورات المتزامنة إلى تصاعد التنافس، مع قيام كل جانب باستعراض عضلاته العسكرية والانخراط في إشارات وتحذيرات للطرف الآخر.
ورأى ليو وانغ، الباحث في العلاقات الصينية الأميركية، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن طلب واشنطن إيضاحات من حلفائها في المنطقة بشأن دورهم وموقفهم من أي صراع محتمل في تايوان، يتزامن مع انسحاب جزئي أميركي من منطقة المحيطَين الهندي والهادئ، بعد تحريك حاملات الطائرات إلى منطقة الشرق الأوسط للدفاع عن حليفة الولايات المتحدة، إسرائيل، وكذلك أيضاً مع تواتر تقارير استخبارية عن تأهب صيني للانقضاض على الجزيرة، في ظلّ حالة الترهل الأمني في المنطقة، وأضاف أن هذا يعكس حالة من الارتباك الأميركي إزاء كيفية التعامل مع هذه المسألة، خصوصاً أن إدارة ترامب الثانية لم تبدِ استعدادها للدفاع عن الجزيرة وتعمل على إيجاد بدائل لتعزيز دفاعاتها الذاتية أمام أيّ تهديد صيني.
ليو وانغ: الإيضاحات الأميركية تعكس حالة من الارتباك إزاء كيفية التعامل مع هذه المسألة
ولفت ليو وانغ إلى أن "الاستفسار من الحلفاء بشأن دورهم في الدفاع عن تايوان، ربما يشير إلى رغبة أميركية في خلق جبهة مضادة لا تكون فيها الولايات المتحدة رأس الحربة، ما يعني أننا أمام استراتيجية جديدة تتجنّب المواجهة المباشرة مع بكين، وتعتمد على الحلفاء للقيام بهذه المهمة، عبر توفير الدعم العسكري ونشر أحدث الأنظمة الصاروخية الدفاعية في المنطقة كما حدث في الفيليبين وكوريا الجنوبية"، وتابع: "ربما أيضاً باستخدام عصا العقوبات مثل التعرِفات الجمركية، لضمان التزام الحلفاء". ولكن يبقى السؤال، بحسب ليو، حول مدى استعداد هذه الدول لخوض حروب بالوكالة ضدّ دولة تربطهم بها مصالح استراتيجية (الصين)، فضلاً عن الدروس المستفادة من تخلي الولايات المتحدة عن أوكرانيا في أحلك الأوقات، وكذلك الأمر بالنسبة إلى تايوان، وهذا يزيد من أزمة الثقة التي بدأت تظهر بوادرها في العلاقة بين واشنطن وحلفائها الدوليين والإقليميين.
من جهته، قال أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جنوب الصين، ياو بين، لـ"العربي الجديد"، إنّ بكين عازمة على استعادة الجزيرة بأي ثمن، لكنّ موعد وكيفية ذلك تحدّده القيادة الصينية ولا علاقة له بالموقف الأميركي، سواء كان متشدداً أو مرناً إزاء هذا التوجه. وأضاف أن المناورات العسكرية التي يطلقها الجيش الصيني حول تايوان، ليست بالضرورة مؤشراً على اقتراب خطوة من هذا النوع، لكنّها تحمل تأكيداً على حقّ بكين في القيام بمثل هذه الأنشطة العسكرية الروتينية في محيطها، كما أنها تبثّ رسائل تحذيرية شديدة اللهجة إلى القوى الانفصالية في الجزيرة، بأن أي خطوة باتجاه الانفصال محكوم عليها بالفشل، وأن يد الصين العليا قادرة على التعامل مع أي تصرف أرعن من قادة الحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم.
وكانت مجلة عسكرية صينية قد قالت إنّ انهيار الأنظمة في تايوان قد يؤدي إلى تدمير الجزيرة من دون قتال، وجاء في مقال نُشر في عدد شهر مايو/أيار الماضي من مجلة "السفن البحرية والتجارية" العسكرية الصينية، أنّ بكين قد تتمكّن من سحق تايوان من خلال تدمير العقد الأساسية للبنية التحتية الأساسية في الجزيرة، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى تضخيم نقاط ضعفها كثيراً مثل "تأثير الفراشة". وتناول المقال ما بين 30 إلى 40 هدفاً "فائق الأهمية" يمكن أن تؤدي إلى انهيار متسلسل لأنظمة البنية التحتية الأساسية إذا تعرضت للهجوم "في أفضل توقيت"، بما في ذلك مرافق الغاز الطبيعي المُسال التي كانت محور تدريبات أجراها الجيش الصيني أخيراً.

Related News

